
آلان عون: سأعطي الحكومة الثقة لان الاساس في إعطاء فرصة جديدة
الاحداث - دعا النائب آلان عون خلال الجلسة المسائية لمجلس النواب لمناقشة إعطاء الثقة للحكومة، الى "إعادة قسم من الودائع بالليرة اللبنانية من دون تعريض قيمتها للانهيار".
وقال: "الأساس هو في إعطاء فرصة جديدة، وسأعطي الحكومة الثقة، ولكن التحدي الحقيقي هو أن ترتفع الحكومة إلى قدر تطلعات المواطنين"، مشددا على "ضرورة "الإستفادة من الوقت الحالي لإتمام الإصلاحات وهدم الفساد وإخراج المحسوبيّات واستبدالها بكفاءات".
واعتبر أن "ما يهم اللبناني اليوم هي الافعال لا التوقعات، وأطلب من الحكومة أن تستغل الظرف السياسي وتهديم آليات الفساد وتفكيك "الإمارات" الموجودة داخل الدولة".
في سياق اخر، اكد اهمية "الاستفادة من القيمة المضافة للمخزون الاستراتيجي اللبناني من الذهب في حل الأزمة المالية".
وجاء في نص كلمة النائب ألان عون كاملة:"
رغم أن حكومتكم شهدت ولادة غير تقليدية، الا أن الأهم هو أن تلتزم بمسار الإصلاحات الجدّية بعيداً عن منطق الإتفاقات والمحاصصات والنزاعات التي حصلت في السابق وقضت على كل الآمال التي علّقها الشعب اللبناني على الحكومات السابقة.
وقد يكون من حقّك دولة الرئيس أن تعتبر أن عملية التأليف هي من صلاحياتك المباشرة طالما نلت تفويض غير مشروط من أكثرية النواب، إلا أنها تبقى محكومة بثلاث ضوابط والتي هي شراكة رئيس الجمهورية بالتشكيل، وميثاقية الحكومة، وتأمين أكثرية نيابية لنيل الحكومة الثقة.
وإذا الظرف الشعبي والدولي نجح اليوم بفرض أسلوب تشكيل حكومة رضي عنها كثر إما على مضض بما فيهم من دخل إليها، أم بالإكراه، بحكم "كاسحة الألغام" التي حرّرت كل الإستحقاقاتالسياسية منذ الإنتخابات الرئاسية الى حين إقرار البيان الوزاري لهذه الحكومة، إما لأن البعض وأنا منهم، يريد إعطاء فرصة للمرحلة الجديدة الناشئة بمعزل عن الأشخاص ولكن طبعاً من دون شيك على بياض،
إنما التحدّي الحقيقي سيكون في قدرة هذه الحكومة على أن ترتفع إلى مستوى تطلّعات اللبنانيين من خلال إنجازها ما هو مطلوب لنقل لبنان من المراوحة الى الإنتاجية، وإخراجه من الجمود نحو الإصلاح، \
وإلا في أي لحظة ستتعثّر هذه الحكومة فلتكن واثقة أن السلّاخين سيكونون كثر ولن تجد أحداً يدافع عنها وهي التي إختارت أن تتشكّل على حساب تمثيل الكتل النيابية بما فيها من شارك نظرياً فيها.
أقول هذا الكلام من باب التحفيز ونتأمل من الوزراء أصحاب الكفاءات الفردية الكبيرة أن ينجحوا بنقل هذه النجاحات الى الفريق مجتمعاً.
سئمنا من الوزراء الذين أنهكونا بالوعود والكلام والمؤتمرات الصحفية ولم نرى منهم الا خيبات وإخفاقات وتدهور عام. ما يهمّنا ويهمّ اللبنانيين هو الأفعال وليس الأقوال.
ولن نفاجأكم لو قلنا لكم أنكم اليوم أمام ظرف إستثنائي لم يتسنّى لكثر قبلكم فإستفيدوا منه لإتمام الإصلاحات وتفكيك "الإمارات"داخل الوزارات والإدارات وتهديم آليات الفساد الشغّالة ضمنها وإخراج المحسوبيات الخاصة منها وإستبدالها بكفاءات جديدة تشبهكم وتكون متحرّرة من قبضة المتسلّطين الذين هيمنوا على الإدارات في السنوات السابقة وأمعنوا فيها فساداً وإنهيارات.
قد يكون لدى هذا العهد وحكومتكم فرصة إستثنائية لنقل لبنان من مرحلة إلى أخرى، وأقول للكتل النيابية التي زعجها التشكيل المجحف من منظارها، أن الأساس هو إفساح المجال لفرصة جديدة ولنمط جديد فمشكلة كثر ممّن ساهموا في السلطة سابقاً ومنهم من هذه الكتل، أنهم إما فشلوا فشلاً ذريعاً وإما بقوا أسرى نمطية روتينية أو "comfort zone" أدخل الكسل الى نفوسهم والإستسلام الى قدرية عدم إمكانية تغيير شيء والتأقلم مع النظام القائم وإدارته "بالتي هي أحسن" بدل السعي لتغيره.
لن نكثر في الطلبات والتوقعات لأن عمر هذه الحكومة ليس بطويل وسيتخلله استحقاقين إنتخابين، لكنه طويل بشكل كاف لإنجاز بعض الإصلاحات وإطلاق قطار إصلاحات أخرى قد تحتاج أكثر من عمر الحكومة لتصل الى محطتها النهائية.
أول واهمّ وأصعب ملف هو ملف الودائع وإعادة هيكلة المصارف وآسف أننا نعيد الكلام عنه اليوم في السنة الخامسة للأزمة دون أن يكون قد أنجز بعد. هذا الملف لا ينقصه أفكار إنما تنقصه إرادة سياسية بقيت عاجزة عن أخذ القرارات الصعبة منها والسهلة. وإن كان من ملفّ واحد يجب على الحكومة أن تنجزه حتى لو لم تقم بشيء آخر فهو هذا الملف بالذات.
ولا حاجة للتكرار أن ما هو مطلوب هو توزيع عادل للخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والوصول الى الحلّ الأفضل للودائع لناحية نسبة الإسترداد (recovery ratio) والمدة الزمنية للإسترداد.
ولكن للأسف ما زلنا ندور في حلقة مفرغة حول كيفية توزيع 70 مليار دولار مفقودة حالياً وهي تشكّل الفجوة المالية الحقيقية. ما هو المبلغ من أصل ال70 مليار الذي سنتركه على عاتق المصارف لكي تعيده من حصتها الى المودعين؟ ما هو المبلغ من أصل ال70 مليار الذي سيكون على عاتق الدولة إعادته للمودعين؟ وما هو المبلغ من أصل ال70 مليار الذي سيتحمّله مصرف لبنان من أصوله؟
في المصارف أولاً، يجب تحديد سقف الخسائر الذي ستتحمّله ويمكنّها من الإستمرار والبقاء على قيد الحياة، على أن تبقى جذّابة لإستقطاب رساميل جديدة بدلاً من الرساميل الهالكة حالياً، لإن إذا لم يكن الحلّ معقولاً، هذا سيعيق عملية إعادة رسملتها وتسقط فرصة إعادة إنعاشها وتسقط معها إمكانية إعادة الودائع من خلالها. أضف أن ما قد نحتاجه هو إعادة قسم من الودائع بالليرة اللبنانية ولكن دون أن نعرّض قيمتها للإنهيار وهذا ما يتطلّب خطة إقتصادية تعيدنا الى مسار النمو وتكبير الناتج المحلي ومعه زيادة مدخول الدولة مما يسمح بتقوية العملة الوطنية ويتيح حينها الإعتماد أيضاً عليها ولو جزئياً للتعويض عن العجز في الدولارات المتوفّرة في النظام المصرفي.
في الدولة ثانياً، وهذا كان أحد أبرز العقد التي واجهتنا مع صندوق النقد الذي كان يرفض تحميل الدولة المسؤولية إما بحجة وضع سقف للدين العام كنسبة من الناتج المحلي لا يجوز تجاوزه، وإما بحجة عدم تحميل الأجيال القادمة مسؤولية أخطاء الأجيال الحالية أو حجة عدم تحميل دولة كل اللبنانيين مسؤولية تعويض قسم من اللبنانيين والمقصود هنا المودعين.
الحجتين الأخيرتين مردودتين بالشكل والمضمون، فماذا نرتكب بالأجيال القادمة اذا حرمنها إرث وجنى عمر أهلها من الأجيال الحالية؟ أهكذا ننصفها أو نفقّرها؟
أما القول أنه لا يجوز تحميل كل اللبنانيين مسؤولية تعويض قسم منهم، فلماذا لم يصحّ هذا المنطق عندما إستعمل كل اللبنانيين أموال بعض اللبنانيين (أي المودعين) جرّاء سياسة تثبيت سعر صرف الليرة الذي إعتمدته الدولة اللبنانية وجراء تمويل إنفاق وعجوزات الدولة اللبنانية التي تخدم كل اللبنانيين؟
هل ال70 مليار ودائع تبخرت؟ أم إنها فعلياً صرفت بين كلفة تثبيت سعر الصرف (قدرة شرائية، استيراد خيالي، خلل في ميزان التجارة وميزان المدفوعات)، وبين هدر وفساد في الدولة اللبنانية،
دون أن يعني ذلك إهمال مسؤولية المصارف وأصحابها التي عليها أن تدفع أيضاً فاتورة للأرباح الفاحشة، وللتهوّر في إدارة المخاطر ولأي فساد حصل فيها!
أما بالنسبة للحجّة الأولى، وهو سقف الدين المسموح، فأتمنّى على الوزراء المولجين بهذا الملفّ، أن ينظروا جدّياً بفكرة شراء اليوروبوندز المحمولة من الجهات الخارجية بسعر السوق الحالي لكي نحصر الدين الخارجي في يد الدولة اللبنانية وأن نضع كل اليوروبوندز حينها أي ما يوازي 35 مليار (المملوكة من مصرف لبنان والمصارف اللبنانية) في هيكلية خاصة (SPV-Special Purpose Vehicle)تخضع لإعادة هيكلة لصالح المودعين (وخاصة الكبار منهم) وفق شروط تتحكّم بها الدولة اللبنانية كلّياً.
هذا يحلّ ثلاث معضلات، الأولى هي إنهاء حالة ال"default" إذ لن يعد للبنان تخلّف عن دفع ديون خارجية، والثانية هي عدم إضافة دين جديد على الدولة تماشياً مع رغبة صندوق النقد والثالثة، إستعمال سندات صادرة وموجودة بدل أو مساندة لفكرة الzero coupon bond التي قد تتطلّب وقت لإصدارها والتي قد لا تكون متوفّرة لكل المبلغ المطلوب.
في مصرف لبنان ثالثاً، ومساهمته عبر أصوله في حلّ المشكلة. وهنا يأتي الحيث عن المخزون الإستراتيجي للبنان من الذهب الذي كان الفضل فيه للرئيس الياس سركيس وفكره الرؤيوي وأنا من المقتنعين بضرورة الحفاظ على هذا المخزون ولكن هناك سؤال مشروع: عند بدء الأزمة المالية، كانت قيمة الذهب 13 مليار دولار وهي اليوم أصبحت 27 مليار الدولار. هل يجوز أن نفكّر بالإستفادة من هذه القيمة الإضافية للمساهمة في حلّ الأزمة وإعادة مصرف لبنان قسم من الإتزامته؟ والسؤال، الم يكن هدف هذا المخزون يهدف لإسعاف لبنان في يومه الأسود وفي أشدّ أزماته؟ وماذا يحصل إذا إنخفض سعر الذهب وعاد الى ما كان عليه، وعادة قيمة المخزون الى 13 مليار مثلاً، الا نكون أضعنا فرصة استعمال هذا الفائض من القيمة لحلّ قسم من أزمتنا؟
المطلوب من الوزراء المعنيين بالخطة، التفكير ملّياً ودراسةأفضل الطرق للإستفادة من هذا الفائض إما في معالجة قضية الودائع أو في إستثمارات في مشاريع حيوية للدولة اللبنانية للمساهمة في إطلاق العجلة الإقتصادية.
أما ما هو مطلوب أيضاً فهو وضع إطار لإدارة أصول الدولة وتفعيلها والإستعانة بمصادر خارجية (outsourcing) لإدارتها وفقاً لأفضل الشروط المعتمدة دولياً وزيادة ربحيتها وإنتاجيتها ومساهمتها في إعادة تكوين الفجوة المالية لصالح المودعين.
لا أدعي أن هذا يحصل بكبسة زرّ ولكن هذا المسار يجب أن يبدأ وعلى هذه الحكومة أن تضع مداميكه وتطلق عجلته إجرائياً وتشريعياً ليكون أيضاً جزء من خطة التعافي المالية والإقتصادية.
أخيراً وليس آخراً، نكررّ الحاجة الى خطة تصفير فعلي وليس نظري لعجز الموازنة وفق جدول سنوي لا يتجاوز ال5 سنوات، وإدعاء عدم وجود عجز في الموازنة كما حصل مؤخراً لا يكون في غياب النفقات اللإستثمارية والتخلّف عن دفع الديون، بل ما هو مطلوب هو تحقيق صفر عجز بعد تضمين الموازنة كل تلك النفقات.
وزيادة مدخول الدولة ممرّه الإجباري مكافحة التهرّب الضريبيبالإستناد الى كل الوسائل البشرية والتكنولوجية المتوفّرة، ومكافحة التهرّب الجمركي الذي يفوّت ما يقارب المليار دولار على الخزينة سنوياً.
إن المودعين أحقّ بهذا المليار من السماسرة المهرّبين والتجار الجشعين من كل المشارب والطوائف من دون إستثناء، وأنا شخصياً لا أصدّق كيف أن بقعة جغرافية صغيرة كالمرفأ لا يمكن السيطرة عليها.
هل نحن بحاجة لقرار 1701 خاص بالمرفأ لضبط هذا التهريب؟ أتمنّى على وزير المالية الكفوء ان يشكّل عهده علامة فارقة في ضبط هذا التهريب وتحسين مدخول الدولة.
دولة الرئيس،
لن نطلب الكثير من الحكومة وفيما لو أنجزت خطة التعافي وإعادة هيكلة المصارف تكون قد أوفتنا حقنا، بلإضافة الى إجراء الإنتخابات البلدية والنيابية، وإجراء التعيينات الإدارية على اساس معايير مهنية عالية والتشكيلات القضائية على اساس الكفاءة وقاعدة "القاضي المناسب في المكان المناسب" وإطلاق عملية إعادة الإعمار، ننتظر من وزراءها إدارة جيّدة وتحسينات حيث أمكن كلّ في نطاق وزارته ونعوّل كثيراً على تشكيل الهيئات الناظمة في كل القطاعات وأولها في قطاع الطاقة، تمهيداً لإشراك القطاع الخاص في إدارة وإستثمار هذه المرافق وهذا صار أمراً ملحّاً لمشروع إدارة أصول الدولة ضمن خطة التعافي.
دولة الرئيس،
كلمة أخيرة في الجنوب، الذي مرّ عليه مع مناطق أخرى في لبنان أقسى التجارب وأكثرها إيلاماً، وهو اليوم يدخل مرحلة جديدة يرعاها القرار 1701 والإتفاق المرفق به والذي هو بمثابة "إتفاق هدنة" شبيه بإتفاق 1949، والذي يلتزم به لبنان دون أن يسقط حقه في الدفاع عن نفسه في حال الإعتداء عليه أو في تحرير أرضه في حال الإحتلال.
ونحن نشهد اليوم إجماعاً وطنياً على دعم الدولة في القيام بمهمة حفظ السيادة وتثبيت الأمن وتحرير النقاط الخمس المحتلة، وهذا منطق يجب تشجيعه والتمسّك به لأن المعادلة الجديدة التي نتجت عن هذه الحرب تستوجب سلوك خيار الدولة هذا وإعتماد هذا المنطق والبناء عليه للضغط على المجتمع الدولي لتشريف توقيعه وصونحقوق لبنان وسيادته.
وتعالوا نسلك طريق خطاب القسم في وضع سياسة دفاعية للبنان تستوعب كل القدرات والإمكانيات اللبنانية المتاحة للدفاع عن لبنان. وإن كان من هواجس ما زالت موجودة، فالسبيل لتبديدها هو في تفاعل إيجابي وموضوعي ومسؤول فيما بيننا بعيداً عن منطق تصفية الحسابات.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، هناك فرصة لمشروع الدولة بكل مندرجاتها ولكل منّا مكانه وطموحه وحقوقه فيها كما عليه واجبات تجاهها. إن المحن التي مرّينا بها أظهرت أهمية التضامن الوطني الداخلي ومحدودية الدعم الخارجي.
منذ يومين، شيّع زعيم كبير وتاريخي لمكوّن لبناني، وكان قد سبقه الى الشهادة زعماء كبار وتاريخيين لمكوّنات لبنانية أخرى كما حصل سنة 2005 و1982 و1977. قد يفرّق هؤلاء الزعماء نظرة اللبنانيين اليهم وهم ينقسمون بحدّة حولهم، ولكن ما يجمعهم هو كيف توحدّنا جميعاً مسيحيين ومسلمين بتجربة الألم والحزن والدموع كلّ واحدبدوره.
هل يعقل أن يكون قدر البنانيين أن يتساووا فقط بالشهادة والحزن والألم؟ ألا يستحقوا أن يتساووا بالحياة والفرح والإزدهار؟
دعونا لا نفوّت على اللبنانيين هذه الفرصة الجديدة التي أعطيت للبنان! "