قضاء وعدالة

القضاء يغرق في ملفات “الإثراء غير المشروع”

الاحداث- كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:"تسارعت وتيرة فتح ملفات الفساد في لبنان، التي تستهدف كبار الموظفين، وقيادات عسكرية وأمنية، وقد تطال وزراء وسياسيين في مرحلة لاحقة، وبدا تحريك هذه القضايا دفعة واحدة أنه أشبه برسائل إلى بعض القيادات والأحزاب، في وقت يشكو فيه معارضون من أنه «لم ينطلق أي تحقيق مسلكي أو إداري أو قضائي بالوزارات والإدارات التي تشكّل مكمن الهدر، وسبباً رئيسياً لتراكم الدين العام».

وفي جديد الملفات القضائية التي برزت الدعوى التي تقدّمت بها هيئة القضايا في وزارة العدل أمام ​النيابة العامة التمييزية، ضد 17 موظفاً في ​وزارة المهجرين​ بجرم الإثراء غير المشروع، بالاستناد إلى تصريح هؤلاء عن ممتلكاتهم حديثاً، سندا إلى قانون الإثراء غير المشروع المعدّل، حيث باشرت النيابة العامة التمييزية درس آلية التحقيق في هذا الإجراء غير المسبوق، والمستند إلى قانون جديد يمكن من خلاله ملاحقة كل موظفي​الدولة​ والرؤساء والوزراء والنواب أمام ​القضاء​ العدلي.

ولا تشكّل هذه الدعاوى إحراجاً للمدعى عليهم فحسب، بل تربك النيابات العامة، إذ كشف مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «قانون الإثراء غير المشروع الجديد، يسمح لأي كان بالادعاء على أي موظّف من دون دليل»، مشيراً إلى أن «شكوى هيئة القضايا ضدّ كبار الموظفين في وزارة المهجّرين، انطلقت على أثر تصريح هؤلاء عن أموالهم، واستناداً إلى التفاوت بين معيشتهم وأوضاعهم الاجتماعية وبين الرواتب التي يتقاضونها».

ورأى أن «الإرباك الحقيقي يتمثّل بقدرة هيئة القضايا على التقدّم بدعاوى من دون دليل، والطلب إلى النيابة العامة البحث عن الأدلة التي تدين كبار الموظفين وحتى الوزراء الذين فقدوا حصاناتهم بمقتضى هذا القانون».

وبموجب القانون الجديد، يتعيّن على الموظفين إثبات مصادر ثرواتهم بعد الادعاء عليهم جزائياً ودعوتهم إلى التحقيق، بمجرد بروز المظاهر الاجتماعية عليهم، واعتبر نقيب المحامين الأسبق والوزير السابق رشيد درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحملة لا تنعزل عن حفلة الوهم المسماة (التدقيق الجنائي)، ولا عن تعطيل تشكيل الحكومة». وقال «لا أجزم بأن الأداء القضائي لن يتأثر بالضغوط السياسية».

ولفت درباس إلى أن «الوسيلة الفضلى أنه عندما يتهمك أحد بالإخفاق والفشل في إدارة الدولة، أن تتهمه بالفساد». وشدد نقيب المحامين السابق على أن «ما نشهد الآن يعبّر عن الصورة الحقيقية لانهيار الدولة، وما نسمعه من أصوات هو ارتطام أعضاء هذه الدولة بالأرض».

وكانت النيابة العامة في بيروت ادعت يوم الثلثاء الماضي، على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، و6 جنرالات آخرين متقاعدين، بينهم مديرو المخابرات السابقون، بجرم «الإثراء غير المشروع وصرف النفوذ وجني الثروات المالية». وحدد قاضي التحقيق الأول في بيروت يوم الخميس المقبل موعداً لاستجوابهم، فيما اعترفت المديرية العامة للأمن العام في بيان أنها «بدأت بإجراء تحقيق منذ عشرة أيام مع عسكريين يُشتبه بقيامهم بعمليات اختلاس».

وأكدت أن التحقيق «يتم بسرية تامة بإشراف القضاء المختص لتحديد المتورطين، وقيمة المبالغ المختلسة في حال وجودها». وهنا أوضح المصدر القضائي أن «الادعاء على قهوجي ورفاقه، جاء بالاستناد إلى معلومات موثقة بينها أجوبة من مصارف تكشف الأرقام الكبيرة لودائعهم في البنوك». وأكد أنه «بمراجعة الدوائر العقارية ثبت امتلاك كلّ منهم عدداً من العقارات والمنازل الفخمة».

من جهته، عبّر رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي والخبير القانوني بول مرقص، عن خشيته من «تصفيات سياسية تقف وراء هذه الملفات». وعبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن اعتقاده بأنه «لم تنضج بعد الإرادة السياسية لدى الأحزاب اللبنانية، للتضحية بزبائنها في الوزارات والإدارات والصناديق».

وعن الخلفية الحقيقية وراء تحريك هذه الملفات، اعتبر مرقص أن «الطبقة السياسية في لبنان تبعث برسائل إلى المجتمع الدولي، وإظهار أنها جادة في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد، لكن الرأي العام الداخلي لم يتلقف مثل هذه المبادرات ولم يقتنع بها، وأخشى أن يكون المجتمع الدولي لديه القناعة نفسها».

=============