تسريب صوتي لظريف ماذا تضمن؟
الاحداث- أثار التسجيل المسرب لوزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف، الممتد لنحو ثلاث ساعات، والذي نُشر للمرة الأولى، الأحد، في وسائل إعلام خارج إيران، جدلا واسعا في البلاد، إذ تطرق فيه ظريف لقضايا عدة من أبرزها الدور الواسع لقائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، في السياسة الخارجية، وحديثه عن أولوية نالها “الميدان” على حساب الدبلوماسية.
وكلف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الثلاثاء، الاستخبارات بالقبض على المتورطين في تسريب التسجيل الصوتي لوزير الخارجية الإيراني. وقال المتحدث علي ربيعي في مؤتمر صحافي متلفز، “نعتقد أن سرقة المستندات هي مؤامرة ضد الحكومة، والنظام (السياسي للجمهورية الإسلامية)، ونزاهة المؤسسات المحلية الفاعلة، وأيضا مؤامرة على مصالحنا الوطنية”.
وجاء في التسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية الإيراني ما يفيد أن دور ظريف في السياسة الخارجية كان معدومًا أو بعبارة أخرى كان “صفرا”. وتطرق ظريف، في التسريبات، إلى مدى تحكم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، سليماني، والتطورات الميدانية والعسكرية بالسياسة الخارجية والتحركات الدبلوماسية.
مقاطع مجتزئة
وقال ظريف في المقابلة، التي استمرت 3 ساعات، مع الاقتصادي الموالي للحكومة سعيد ليلاز، والتي أجريت في آذار من العام الماضي، وحصل عليها موقع “إيران إنترناشيونال”، إن معظم هيكل وزارة الخارجية الإيرانية شأن أمني.
وذكرت وزارة الخارجية الإيرانية أن الأجزاء المثيرة للجدل، في التسجيل الصوتي المسرب، تم اجتزاؤها “من سياقها” وأنها جاءت في إطار مقابلة، استمرت 7 ساعات، تم تسجيلها لبثها بعد الحصول على الموافقة من السلطات “المعنية” بذلك، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
إملاءات سليماني
وقال ظريف إنه كان يحدث تنسيق بين الخارجية والحرس الثوري ولكن “أستطيع أن أقول بجرأة إنني ضحيت كثيرا بالدبلوماسية من أجل إنجاح العمل الميداني”، موضحا أنه طيلة فترة عمله لم يستطع على الإطلاق أن يطلب من قائد الميدان سليماني أن يتخذ موقفا ما لأنه يحتاج إليه على المستوى الدبلوماسي.
بل قال ظريف إنه تقريبا في كل مرة “كنت أذهب للتفاوض كان سليماني، كان هو من يطلب مني أن أتخذ هذا الموقف أو أتحدث بنقاط معينة. وكان يقول لي وأنت ذاهب للقاء لافروف اطلب منه 1-2-3-4. لكن أنا لم أطلب منه شيئا، مثلا قلت له ذات مرة لا تستخدم خطوط طيران “إيران إير” لرحلات طهران – سوريا، ولكن لم يستمع”.
هيمنة الحرس الثوري على الاستراتيجية
عندما تتحكم الأهداف الميدانية بكل استراتيجية البلاد، عندها يستطيعون التلاعب بنا، بحسب ما جاء على لسان ظريف، والذي أضاف “إنهم يقولون لنا إن هدف العمل الميداني هو مبتغانا حتى لو كانت خطوط طيران “هُما” آمنه أكثر من “ماهان”، ولو بنسبة 2%، يجب أن نستفيد من “هما”، ولو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالدبلوماسية بنسبة 200%. وهذا يعني أن القوة أصبحت بيد جهة واحدة. الميدان يتحكم بالدعاية، الميدان يتحكم بالتصريحات، الميدان يتحكم بشكل شيء. إنه حاكم مطلق. الميدان يتخذ كل القرارات.
ضرب قاعدة أميركية
واستطرد ظريف في الحديث المسرب، قائلا إنهم لم يخبرونا بعدد القتلى الإيرانيين في سوريا، في حين أن الجانب الأميركي تمكن من معرفة المعلومات قبل الخارجية الإيرانية وقاموا بإبلاغ الدبلوماسيين الإيرانيين أن القوات الإيرانية تعرضت لـ200 غارة إسرائيلية في سوريا. وقاطعه المذيع ليلاز مستنكرًا وسأله: أنت لم تكن تعرف؟ وأجاب ظريف: “لا.. لا (لم تكن لدي معلومات)، ومضى قائلًا: “هل تعلمون أن أميركا علمت قبلي أنه سيكون هناك هجوم على عين الأسد؟ يعني رئيس وزراء العراق علم بالأمر قبل الهجوم عن طريق مندوبين من فيلق القدس، الذين أخبروه بأننا سنضرب عين الأسد، لا لم يقولوا عين الاسد، بل قالوا سنضرب قريبا قاعدة أميركية في العراق.
تضليل وقت مأساة الأوكرانية
وحول ما دار في الكواليس إبان حادث سقوط الطائرة الأوكرانية، قال ظريف إنه ذهب ظهر الجمعة للجلسة الخاصة التي عقدت في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي لبحث حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية الذي وقع فجر الأربعاء، وأنه قال أثناء الجلسة “إن العالم يقول إن صاروخا أسقط الطائرة، فاذا كان هناك صاروخ فعلا ضرب الطائرة أخبرونا لكي ندرس كيفية معالجة الموضوع. ويضيف ظريف: “يشهد الله واجهوني بطريقة وكأنني قد كفرت مثل إبليس. قالوا لا، ماذا تعني بهذا؟! اذهب وغرد وانف الأمر. وكان هذا بينما كان السادة منذ صباح الخميس او حتى عصر الأربعاء يعلمون أن صاروخا أصاب الطائرة.
الوضع السوري وداعش
وحول الوضع السوري، سأل المذيع ليلاز: إذا تتذكر إنك تطرقت إلى قضية مهمة ودقيقة وهي أن الدبلوماسية كانت في خدمة ساحة الحرب وليس العكس، ماذا يعني هذا؟ ألم نتعلم نحن أصول الدبلوماسية التي تؤكد أن الميدان الساحة لن تحدث به حركة إذا لم تكن بهدف التقدم في المجال الدبلوماسي؟..إن الحرب أهم من أن تسلم للعسكريين!
وأجاب ظريف قائلًا إن المسالة المهمة هي أنه يجب أن تنفق إنجازات الساحة الحربية على الدبلوماسية.. إن هذا الكلام صحيح. نحن خضنا حربا ضد داعش وهذه الحرب كان بإمكانها أن تكون لها تكلفة بشرية واقتصادية. وفي الوقت نفسه، كان بإمكانها أن تجلب مصالح دبلوماسية، ولكن عندما قلت ينبغي أن تخدم الساحة، الدبلوماسية يعني قوموا بعمل ما في الساحة لكي يستفيد منها الدبلوماسيين. لو كنا قمنا بعمل ما في الساحة لكي نستفيد منها في مجال إلغاء العقوبات أو قمنا بالامتناع عن عمل ما لخدمة الغاء العقوبات والحد منها، حينها كان يمكننا القول إنكم خدمتم الدبلوماسية في ساحة الحرب، ولكن هذا لم يحدث بتاتا. لأن الكثير مما تكبدناه في الساحة الدبلوماسية كان سببه تفضيل ساحة الحرب.
حماية بشار الأسد
وتعليقا على سؤال حول تنظيم داعش وما يتردد بأن التدخل الإيراني في سوريا كان بغرض الحفاظ على الأسد، قال ظريف إنه لم يكن له دور في تنظيم سياسة إيران للتدخل في سوريا، موضحًا أن هذه السياسة تم تبنيها في الوقت الذي كان فيه متقاعدا.
وأردف قائلًا إنه ليس مطلعًا على التفاصيل التي أدت إلى اتخاذ القرار، لكن يمكنه القول إن طهران “دفعت ثمنًا باهظًا” في حين كان بإمكانها أن تحصل على فوائد أكثر أثناء وبعد الاتفاق النووي. وأشار إلى أن طهران فضلت المضي قدمًا في ساحة الحرب.
صفر من مئة
وفي مداخلة من جانب مقدم الحلقة ليلاز قال: إن (السياسي الإيراني الراحل) هاشمي رافسنجاني لم يكن يؤيد الأسد وكان يقول إنه لا ضرورة لدفع كل هذا الثمن من أجل هذا الشخص وأسرته، بل كان بإمكاننا الحفاظ على النظام ككل، في الوقت الذي ذكرت فيه إنه لا دور لك في السياسة الخارجية الإيرانية؟! فأجابه ظريف موضحًا “لم أقل لا دور لي”! فأعاد ليلاز صياغة الجملة قائلًا: كنت مكبول الأيدي. ولكن ظريف عاد وقال لم أقل ذلك أيضًا، ثم أردف شارحًا:
“سألوني كم بيدك في مجال السياسة الخارجية من الصفر إلى المئة؟ فقلت “صفر”.. وهذا صحيح لأن السياسة الخارجية تتكون من خلال عملية والشخص يشكل جزءا من صنع القرار واتخاذه.
روحاني يكلف الاستخبارات بالقبض على المتورطين بتسريب تسجيل ظريف
“خيانة” وكلام خطير للغاية
وحول العلاقات الإيرانية- السعودية، طرح مقدم الحلقة سؤالًا لوزير الخارجية ظريف حول الموقف الإيراني من المملكة مذكرًا بالعلاقات الشخصية الطيبة التي كانت تربط بين الراحل رفسنجاني والعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله والتي كانت تقلل من حدة القضايا.. وأوضح ليلاز أنه يتفهم أن القضايا الاستراتيجية لا يمكن حلها باتصال هاتفي أو عبر علاقة شخصية، ولكن الإنجاز، الذي قمتم (ظريف) بتحقيقه لفائدة الاتفاق النووي كان بالإمكان تحقيقه أيضا في مجال القضايا الإقليمية أيضا.. على سبيل المثال ألا تعتقد أن الهجوم على السفارة كان عملا غير مسؤول؟ وأجاب ظريف معربًا عن اعتقاده بأن الهجوم على السفارة السعودية كان “خيانة”، وقام وزير الخارجية الإيراني بالربط بين الأحداث التي بدأت مع زيارة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني سليماني لموسكو، مشيرًا إلى وقوع سلسلة من الحوادث على مدار 6 أشهر، قبل تطبيق الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة في 16 يناير 2016، والتي كان آخرها الهجوم على السفارة السعودية والاستيلاء على مركبتين أميركيتين، في محاولة للتدليل على أن حادث الهجوم على السفارة السعودية كان الغرض منه تعطيل أو إلغاء الاتفاق النووي. وعندئذ قاطعه مقدم الحلقة قائلًا: دكتور (ظريف) هذا حديث من الوزن الثقيل للغاية، فعقب الوزير الإيراني موافقًا: “نعم حديثي هذا من الوزن الثقيل جدا”.
وأوضح ظريف أن موسكو وافقت على زيارة سليماني فقط بعد توقيع الاتفاق النووي لافتًا إلى غياب وزير الخارجية الروسي عن الصورة البروتوكولية الجماعية لتوقيع الاتفاق النووي، مؤكدًا أن روسيا حاولت إلى أقصى مدى في الاسبوع الأخير، ألا يرى الاتفاق النووي النور. وتوقف ظريف لبرهة ثم قال إن هذا الكلام لا يمكن أن تنشروه. واتفق معه مقدم الحلقة في الرأي قائلًا: “نعم إنه كلام خطير جدًا”.
وفي خضم الجدل الذي خلفته على الساحة السياسية في البلاد، أقر المتحدث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، أمس الاثنين، بصحة التسريب، قائلاً إن الملف الصوتي لظريف كان سريًا، ونشره غير قانوني.