ندوة افتراضية للجامعة الثقافية في العالم عن" لبنان عبر تاريخه" بمشاركة المطران تابت والمفتي الشعار
الاحداث- احيت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ومجلس ادارة النادي اللبناني في المكسيك المئوية الاولى لقيامة لبنان بندوة افتراضية بعنوان " لبنان عبر تاريخه" تحدث فيها راعي ابرشية كندا المارونية المطران بول مروان تابت عن "البطريرك الياس الحويك: أب في كنيسة ووطن...."، وقال:"البطريرك الياس الحويك، هذا الرجل العظيم الذي شغل مكانة كبيرة ولعب دوره الديني والوطني، فترك الأثر الباقي في بقعة جغرافية اسمها "لبنان" وعمل على ترسيخ كيان دولة فيه، هو راعٍ لكنيسة ومدبّرٍ لعائلة وقائدٍ لأمة، باختصار هو "أبٌ في كنيسة ووطن".
من هنا، تأتي هذه المداخلة في إطار إحياء "مئوية لبنان الكبير"، وقد كان للبطريرك الحويك الباع الواسع في انجازه، وتتّسم أهمية هذا اللقاء بالمشاركة مع سماحة المفتي مالك الشعار، بإلقاء الضوء على دور هذا البطريرك المتوقِّد في هذا الانجاز.
الشكر كل الشكر للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، الراعية لهذا اللقاء، وللقيّمين عليها. كما الشكر كل الشكر، لمجلس إدارة النادي اللبناني المكسيك على هذه الدعوة.
واعطى المطران تابت لمحة عن حياة البطريرك الحويك، متحدثا عن إنجازاته، ومزاياه الروحية والانسانية، والوطنية، وقال:" كان البطريرك الحويك رجل استقامة وإقدام، رجل انفتاح ومبادرة، رجل حوار وتفاوض، كان خلال اسقفيته اليد اليمنى للبطريرك الحاج وسفير الطائفة في الاقطار الاقليمية والخارجية والمحرك الأساس لمشاريع رعوية واجتماعية".
واضاف:"كان " عرّاب لبنان الكبير" انتُدِب سنة 1919 من قبل جميع اللبنانيين لتمثيل طوائف لبنان أمام مؤتمر الصلح للمطالبة بالإستقلال.، وسعى في مرحلة الإنتذاب الفرنسي إلى:
- حسن تطبيق الإنتداب وعدم تحويله شكلاً من أشكال الاستعمار.
- وضع قانون أساسي موافق للبلاد ولطموحات أبنائها وطوائفها في المضمون والشكل كما في طريقة نصّه.
- شدّد على المحافظة على نظام الأحوال الشخصية لأسباب تاريخية، إجتماعية ودينية.
- وطالب السلطات الفرنسية بعدم التدخُّل في الشؤون الدينية واحترام الخصوصية اللبنانية وعدم إدخال أفكار أجنبية إلى لبنان لا تتلاءم وواقعه
ثم قدم المطران تابت " قراءة تحليلية لرؤيته الوطنية وأهمية تموضعه الديني والسياسي.
زخر عهد البطريرك الحويّك بالأحداث الوطنية الكبرى. ويمكننا التكلّم عن أربع مراحل تاريخية وطنية مرّ بها عهده:
1- مرحلة المتصرفيّة،
2- مرحلة الحرب العالميّة الأولى،
وكلتاهما في ظلِّ الهيمنة العثمانيّة وتسلُّطها.
3- مرحلة المفاوضات لنيل الإستقلال والكيان،
4- مرحلة الإنتداب الفرنسيّ،
وكلتاهما في ظلّ انتصار الحلفاء وتوطيد النفوذ الفرنسيّ.
في كل هذه المراحل تعاطى البطريرك الحويّك الشأن الوطني من بابه العالي، وكان أبرز رواد الحركة الوطنيّة.
كان لديه قناعة بالنسيج اللبناني، فلم يُرد ان يجعل من لبنان وطناُ انعزالياً للمسيحيين. فعلى هذا الاساس، وضع نفسه في حالة الُمفاوِض مع المرجعيات السياسية التركية خلال مرحلة المتصرفية والحرب العالمية الاولى ومع المرجعيات الفرنسية والدولية خلال مرحلة الانتداب ونيل الاستقلال. فاستطاع ان يظهِّر صورة " البطريرك الماروني الذي "طائفته لبنان وأنه لكل اللبنانيين" فاستحق لقب "مجد لبنان اعطي له".
اضاف:"أظهر البطريرك الحويك الموارنة على انهم جزء اساسي من الحل في لبنان والمنطقة وليسوا جزءًا من مشكلة.
حدّد البطريرك الحويّك رؤيته للبنانُ الكبيرُ انطلاقاً من مُرتكزات أربعة:
1- الوطنُ... وتَربطُنا فيه علاقَةٌ عاطفيّةٌ، أَدَبيّة ووجوديّةٌ.
2- الطائِفَةُ... وتَعْلُو كُلَّ الطوائِفِ وَتَحْتَضِنُ كُلَّ الطوائِفِ.
3- المصلحةُ العَامَّةُ... وتعلو فيه على المصَالِحِ الخاصّة وعلى علاقاتِ القُربى العائليّة. يذكر البطريرك في أحد منشوراته بعنوان "محبّة الوطن" فيقول: "سلامةُ الأمَّةِ لا تقومُ إلّا بِخِدْمَةِ المصلحةِ العامّةِ والاستقلالُ لا يَقومُ بِشَقْشَقَةِ الكلامِ وَصَريرِ الأقْلامِ".
4- الحِوار والتعايش وإرادة العيش معًا... هو لبنان الرسالة.
باختصار، عاد الحويّك فأكّد على حالة لبنان لجهة تجذره في الشرق وانفتاحه على الغرب.
من جهة أخرى، وتظهيراً لأهمية تموضعه الديني والسياسي، نعود الى ما ذكره الكاتب الصحفي طوني فرنسيس في مقالة بعنوان:" الياس الحويك البطريرك صانع لبنان": "لقد توفرت للبنان، بالبطريرك الحويك، في اللحظة التاريخية المناسبة، قيادة وطنية تمكنت من ترجمة الظروف الملائمة في تحقيق حلم الدولة المستقلة".
وتابع :"لم يعِش البطريرك إلياس الحويك بعيداً عن مجريات الأحداث العاصفة مطلع القرن العشرين، فهو البطريركالـ72 لكنيسة عمرها 1700 سنة.
أتاح له وجوده في روما بناء علاقات متينة مع القيادات الفرنسية أفادته لاحقاً في حملته من أجل الاستقلال.
أن التجربة القاسية والحاسمة التي عاشها الحويك خلال الحرب العالمية الأولى هي التي دفعته إلى التركيز على إيجاد وطن نهائي مستقل للبنانيين بمختلف طوائفهم إذ كان العثمانيون قد ألغوا خلال تلك الحرب نظام المتصرفية في جبل لبنان وقضوا على الاستقلال النسبي الذي كان يعيشه؛ ووجد البطريرك نفسَه في مواجهة مباشرة مع الحاكم التركي، آنذاك، جمال باشا، عاملاً على إغاثة مئات الألوف من أبناء الجبل الذين أصابتهم المجاعة.
قاوم البطريرك محاولات الأتراك تطويعَه وبالتالي الانقضاض على ما يمثّل من موقع كنسي. واستند الحويك إلى إرث وتجارب سابقة تبلورت في زمن المتصرفية في أعمال وكتابات رواد النهضة العربية من اللبنانيين.
وعرف كيف يستمدّ الدعم والعزيمة باحتضانه كأب للحراك الشعبي والقيادي للتأثير والمساهمة في قرار إرسال الوفود الى مؤتمر الصلح حيث شكل البطريرك الوفد الثاني في تموز 1919 الذي شدّد خلال لقائه رئيس الدولة الفرنسية آنذاك بوانكاريه ورئيس الوزراء كليمنصو على حقّ لبنان في توسيع حدوده متمسّكاً بالمطالب الآتية:
- الاعتراف باستقلال لبنان.
- إعادة لبنان الى حدوده الطبيعية والتاريخية بإعادة الأراضي التي سلختها السلطنة.
- تطبيق العقوبات بحقّ مرتكبي الفظائع والجرائم خلال الحرب الكونية (ألمانيا وتركيا).
- القبول بالانتداب الفرنسيّ على لبنان شرط أن يكون مقدّمة لاستقلاله.
توجّت مساعي البطريرك الحويك رغبة أبناء لبنان في استرجاع بلدهم نهائياً.
لم يُرد أن يكون لبنان لا ملحقاً ولا ملتحقًا إذ دعا إلى علاقة احترام وودّ مع العرب وعلى الصعيد الاقليمي والدولي. واقترح نظاماً جمهورياً انتخابياً يحفظ حقوق الأقليات.
نجح الحويك الذي "مجد لبنان أُعطي له" في مسعاه وحضر وهو في السابعة والسبعين من عمره إعلان دولة دولة لبنان الكبير الذي سيصبح الجمهورية اللبنانية بعد ست سنوات بحدودها الراهنة. وبقي الحويك طوال سني عمره المتبقية، (توفي في 1931)، متابعاً بحرص إنجاح الوطن الذي كان أبرز صانعيه".
الشعار
كما القى المفتي مالك الشعار محاضرة بعنوان "المئوية الاولى لقيامة لبنان"، وقال فيها:"عندما يكون الحديث عن لبنان الكبير وقيامة لبنان ومرور المئوية الأولى على قيامته وتكوينه وولادته، تنصرف الأذهان ويستجضر المؤرخون صاحب الغبطة الكبير البطريريك الحويك الذي أبى قيامة لبنان وتشكيله دون السنة والدروز وطرابلس والشمال.. وهو الذي كان يمثل يومها روح المسيحية في تعايشها مع الآخرين أياً كان انتماؤهم الديني أو المناطقي والمذهبي ...
وعندما يكون الحديث عن لبنان الكبير لا ترتسم صورته وحضوره من خلال مساحته الجغرافية وحدوده الأرضية والترابية .. وإنما من خلال دوره الريادي وكونه يمثل وطناً ورسالة.
وهذا بحد ذاته يعطي لهذه الصفة لبنان الكبير دقة المضمون والمعنى والبعد والأفق. لبنان الكبير ... كبير بماذا؟؟؟ أبهذه الرقعة الجغرافية والمساحة المحددة بعشرة آلاف وأربعمائة واثنين وخمسين كلم2 (10452 كلم2) .. لا .. طبعاً لا.أم بما يحده من الشرق والشمال سوريا...ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ...ومن الجنوب فلسطين التي أضحت محتلة ً وأسيرة ومضطهدة؟؟ كذلك لا...
رغم ما لأهمية سوريا من حيث كونها تحتضن دمشق عاصمة الأمويين ودورها الثقافي والحضاري، بل وما تكتنزه من حضارات تجعلها إحدى أهم دول العالم....
ورغم ما لفلسطين من أهمية فهي مهد المسيح عليه السلام وفيها بيت المقدس الأرض المباركة والتي تحتضن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ورغم ما للبحر من بعد وأفق، يكاد الناظر إليه والمتأمل يعتقد أنه ليس له آخر ولا نهاية ولا حدود.
إذاً رغم ما لهذه الحدود من قيمة وأهمية، إلا أن صفة الرسالة هي التي تجعل لبنان كبيراً بذاته وشعبه وحضارته وعمقه التاريخي، ثم دوره رغم ما تكسبه الحدود الجغرافية من أهمية مطلقة من هنا يتحدد لنا مضمون الحديث والدراسة أو المحاضرة مع النداء والرجا الذي نعتبره إطاراً جامعاً لنا يضمنا ويحتضننا...
لبنان الكبير والمؤية الأولى تكمن قيمتها في أنه وطن ورسالة .. وهذا الذي أعلنه قداسة البابا الحبر الأعظم رأس الكاثوليكية، فغبطة البطريرك حويك وقداسة البابا رأس الكنيسة الكاثوليكية كلاهما يمثل المرجعية الأولى عند المسيحين، والتي تلزم عموم المسيحين بالحفاظ عليها والحؤول دون تبددها أو تقزيمها، فضلاً عن زوالها أو استبدالها بغيرها.
وبعبارة أوضح ينبغي على المسيحيين أن يشكلوا سداً منيعاً لمقاومة مطلق فكرة تقسيمية كالفدرالية والكونتونات، أو قيام دويلات طائفية أو مذهبية، وبالتالي اعتبار كل مشروع أو تحالف سياسي يوصل إلى هذه المحرمات، محرم وممنوع لأنه ضرب وطمس لتوجه أهم وأبرز مرجعيات الكنيسة في العالم...
ففكرة لبنان الكبير لم تكن مزاجاً عابراً وإنما فكر وإدراك وعقل وسياسة استراتيجية تتجاوز كل الاعتبارات المناطقية إلى الحضور المسيحي الدائم في الشرق الأوسط ووسط الثقل الإسلامي السني الذي يتمثل بما يزيد على عشرين دولة إسلامية ...
وإذا علمنا أن لبنان في عهد المتصرفية كان يغلب عليه اللون الواحد والطائفة الواحدة عنيت المسيحية وبعضاً من الدروز فضلاً عن أن المساحة المحدودة لم تكن تبلغ الثلاثة آلاف وخمسماية كلم2 تقرياً يومها...
كما أن عدد السكان كان في حدود الأربعماية وعشرة آلاف نسمة وليس غير، ندرك بعدها نظرة البطريرك حويك لحرصه على إعلان لبنان الكبير حيث اكتسب لبنان مساحة أكبر تربو على الضعفين وعدداً أكثر من ذي قبل، فارتفع إلى حدود الستماية وثلاثين ألفاً، ولا يغيب عن البال اكتساب لبنان لبعض المناطق الزراعية المهمة في البقاع وعكار وما ربحه من موانئ ومرافئ كبرى في بيروت وصيدا وطرابلس هذا غير الأماكن الأثرية في صيدا وصور وبعلبك وطرابلس، وانتقال مركز الثقل السكاني إلى الساحل بعد أن أصبحت بيروت عاصمة لبنان الكبير..
بالإضافة إلى ضم الأراضي التي سُلخت عن لبنان في عهد المتصرفية لأقسام من ولاية بيروت الأقضية الأربعة حاصبيا راشيا بعلبك البقاع،..
وبقيامة لبنان الكبير تحقق قيام توازن سكاني جديد يقوم على التعاون المسيحي الإسلامي بعد أن كان التوازن مارونياً درزياً في عهد المتصرفية، ولأنه وبعد هذه المقدمة وهذه العجالة أعود إلى لب الحديث والموضوع لبيان المضمون والحقيقة وأن دولة لبنان الكبير لا تتحقق قيامته ولا يكون كبيراً دون هاتين الصفتنين لبنان وطن ورسالة...
وإذا كان الأمر كذلك فلنتساءل فيما بيننا ما هو الوطن يا ترى؟؟ وما تعريفه؟؟ وما سمته؟؟ وما هي الحقوق والواجبات التي تتعلق به ثم ماذا نريد نحن من وطننا لبنان الكبير؟؟...
وبعد ذلك يكون التساؤل الآخر ما هي الرسالة ؟!!!! وما هو مضمونها وأبعادها وآثارها....
ربما يكون الجواب عن التساؤل الأول سهلاً وسريعاً وبدهياً من أن الوطن هو الذي خُلقت فيه وولدت وترعرت .. وهو الذي عشت على أرضه وتحت سمائه وأكلت من خيراته وتنسمت هواءه وشربت من مائه ... وهذا بالبداهة صحيح ولا يخضع لنزاع ولا نقاش ...
لكن الوطن الذي نريد وحتى يكون محضناً وموئلاً نعطيه ونفديه وتؤسس فيه لمستقبلك ومستقبل أولادك وذريتك هو الوطن الذي يعطيك حرية الحياة وحرية التفكير والتعبير والعمل .. كما حرية المعتقد والإنتاج ... هو الوطن الذي يحقق لك طموحاتك فضلاً عن ضرورياتك وحاجياتك وكمالاتك...
هو الوطن الذي لا تخشى فيه ظلماً ولا هضما...
هو الوطن الذي يسوده العدل فلا يظلم فيه فقير ولا ضعيف ولا يتيم أو محتاج ...
وإنما يسوده العدل دون سواه..
الوطن هو الذي تشعر فيه بالمساواة والمواطنة مع الآخر أو مع كل أحد فلا يعلو عليك أحد لمذهبه أو حزبه أو منطقته أو ماله ونسبه..
نعم الوطن هو الذي تسوده الحرية بكل أنواعها والحرية الدينية أولها (لا إكراه في الدين)
كما تسوده العدالة والمواساة ليشعر الناس كل الناس فيه بالأمن على حياتهم وأموالهم وأعراضهم، ويتحقق فيه تباعاً لذلك الاستقرار المجتمعي والنفسي والجماعي كما الفردي....
هذا الوطن هو الذي يضع نصب عينيه استيعاب جميع أبنائه وشعبه وتأمين فرص العمل لهم، إما في إطار الخدمة العامة، وإما في إطار الخدمات الأخرى مثل ىالصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وسائر مقومات الحياة..
وكأن الوطن لا تقوم قائمته إلا على سياسات متعددة ومتنوعة ... فالسياسة ليست قاصرة على إدارة البلاد وعلاقتها مع بقية دول العالم ... وإنما السياسة ينبغي أن تشمل إدارات الدولة كلها ولا تقتصر هذه السياسات بالوعود واللجان وإنما بالدراسات واستيعاب الخيرات من الداخل أو من الخارج فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها التقطها...
الوطن هو الذي تحكمه وتسوده العدالة دون خداع أو محاباة أو مواربة أياً كان رأسه ومن أي طائفة أو مذهب كان ...
ما قيمة أن يكون الحاكم مسلماً لا يعرف غير المسلمين ولا يشملهم عدله وعطاؤه ... وعند معاشر المسملين نبحث عن العدل من مطلق مكان أو دولة فعندما هاجر بعض المسملين من مكة وقصدوا الحبشة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد ...
كما أن القول المعتمد عندنا بأمن الله ينصر الدولة العادلة ولو لم تكن مسملة ولا ينصر الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة ... ومن هنا فإنه لا مانع عندنا من المطالبة بالدولة المدنية التي يتوالى على حكمها أهل العدل من أي طائفة كانوا أو من أي مذهب ودين...
فالعدل هو أساس الملك وهو صمام الأمن والاستقرار والقاعدة الفقهية عندنا في الدولة الإسلامية أن الجميع أمام القانون سواسية لهم ما لنا وعليه ما علينا...
والدولة المدنية عندنا وفي مفهومنا هي التي يتساوى فيها أبناء الوطن في الحقوق والواجبات وهي التي لا يحكمها دين ولا طائفة ولا مذهب ولا تتنكر لدين ولا طائفة ولا مذهب .. فلكلٍ دينه ( لكم دينكم ولي دين) كما قال الله تعالى في القرآن الكريم... ولكلٍ معتقده ومن حق كل أحد أن يمارس شعائره وأن يقوم بواجباته الدينية دون أن يمس أحداً ودون أن يمسه أحدٌ ...
والضابط الأساسي لكل ذلك هو الحفاظ على الحريات كلها والحرية الدينية في مقدمتها.. والقيم .. نعم القيم كلها وبدون استثناء .. والقيم الدينية هي في حقيقة الأمر قيم إنسانية ولا أبلغ إذا ذكرت بأن جميع القيم الإنسانية هي في أوصلها قيم دينية ...
الدولة أو الوطن الذي نريده هو الوطن أو الدولة التي يتوجها القانون وهو دستور البلاد، وهو الذي يسوي بين سائر أبنائه في الحقوق والواجبات ... بل هو الذي يكفل ويضمن الأمن والاستقرار... وتنعدم فيه مشاعر الأقليات وبدون ذلك تتلاشى فكرة الوطن وتذوب ... ليس عندنا في الوطن الذي نريده ونسعى لتحقيقه وبنائه أحد يريد أن يسترد حقوق أي طائفة أو مطلق طائفة لأن الطوائف انصهر وجودها في بوتقة الوطن والمواطنة...
المسيحي مسيحي في كنيسته عبادة وصلاةً .. ومسيحي في سلوكه أخلاقاً وقيماً ... والمسلم مسلم في مسجده عبادة وتديناً .. ومسلم في سلوكه وتعامله...
لكل طائفة دينها لا يمنع القانون أحداً من ممارسة دينه وشعائره ولكن يمنع الاعتداء على الآخرين أو التطاول عليهم ..
وثمة أمر آخر يحفظ مسيرة الوطن ولحمته بل أكثر من ذلك ويحفظ كيانه وقيامته عنيت به الحياد الإيجابي أو الناشط كما أطلق عليه بطريرك المئوية الثانية مار بشارة الراعي ...
لبنان هذه الدولة أو هذا الوطن الذي من لب رسالته الانفتاح على العالم كل العالم لا يدوم كيانه ولا تستمر مسيرته ما لم يكن محايداً والحياد الذي نعنيه في حده الأدنى هو ألا يتدخل في حروب الآخرين ولا في التحالفات المصيرية التي تخرجه عن محيطه ورسالته ولعل دستور الطائف الذي اتفق عليه اللبناينون والذي جعلهم طائفة واحدة اسمها ( لبنان) هو خير ما يعود إليه اللبنانيون لضبط مطلق علاقة داخلية أو خارجية ولعل هذا هو شعار البطريرك حويك الذي قال أنا بطريرك الموارنة عائلتي لبنان .
الأوطان لا توصف (بالكبير)
لعدد سكانها أو اتساع رقعتها الجغرافية.. وإنما من خلال دورها الحضاري .. وإرثها التاريخي .. وعطائها المتعدد والمتنوع الخلاق والولاد .. أي الذي يستمر ولا يتوقف...
الأوطان تكتسب الأهمية والتميز من خلال ما تنفرد به من إبداعات وعلوم ونظريات وتاريخ ورؤى استراتيجية لتطوير المستقبل ونقل العالم إلى عمق التسخير الإلهي للكون ليتحقق النفع ويعم، فالكون له قوانينه وبمقدار فهمها يتحقق التسخير ويعم النفع للبشر...
الأوطان تكتسب الأهمية والتميز بمقدار تماسكها الداخلي وانعدام اضطراباته العرقية أو المذهبية والطائفية بل من خلال الانصهار الوطني الذي يجعل من جميع أبناء الوطن شعباً واحداً والذي يجعل من جميع الطوائف طائفة واحدة اسمها لبنان...
الأوطان تكتسب الأهمية والتميز عندما تنعدم فيها مشاعر الأقليات ويسود حكمها القانون والمواطنة ...
والمجتمعات في تصورنا الإسلامي هي التي تتأصل فيها الحريات ويقوم فيها العدل وتعمها المساواة...
وكل مجتمع تصادر منه الحريات وخاصة حرية المعتقد أو يغيب عن العدل في الحقوق والواجبات والقضاء والمواطنة، أو لا يشعر فيه كل مواطن بالمساواة مع الآخرين هي مجتمعات فاشلة وظالمة ولو اتخذت لنفسها تسمية إسلامية أو دينية أو غير ذلك..
الأوطان والمجتمعات لا يكتب لها وجود وحياة وأمن أمان واستقرار إلا إذا كانت دولة الإنسان بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى...
اشارة الى ان الندوة قدمها جورج وخليل الخوري ونسقها نبيه شرتوني.