من الصحف

في الغرف المغلقة: دفعنا ثمن السلاح وتكلفته سلفاً وغالياً!

الاحداث  - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"في ظل الملفات المتعدّدة المفتوحة على أكثر من مستوى، ما زال مصير السلاح غير الشرعي مطروحاً ولو كورقة في كل ملف، وهو أمر لا يتجاهله صديق أو خصم. فما انتهت إليه الحرب حتى الآن من نكبات، فرضت نفسها على مسلسل المحادثات الديبلوماسية والسياسية في أكثر من عاصمة. وإن حضرت الآراء المختلفة بقي مَن يعتقد أنّ اللبنانيّين دفعوا ثمنه سلفاً بأغلى الأثمان، ولم يَعُد هناك نقاش سوى حول آلية التخلّي عنه. وهذه عيّنة من المحادثات.
تُجمِع عشرات التقارير الديبلوماسية والاستخبارية على حضور ملف السلاح غير الشرعي في لبنان في كل المؤتمرات والقمم الثنائية والموسعة، عدا عن حضوره على جدول أعمال الموفدين الإقليميِّين والدوليِّين إلى أي جهة انتموا من عرب وغربيِّين وأمميِّين مهما تعدّدت مواقعهم ورتبهم والمهمّات التي كُلّفوا بها. وهو ما عزّز الاعتقاد واسعاً في كثير من الأوساط، أنّ هذه الظاهرة لا يمكن أن تُشكّل نموذجاً ثابتاً ونهائياً يُكرّس استمرار المواجهة المفتوحة بين محورَين دوليَّين ولو بوتيرة أخفّ من قبل فحسب، إنّما لأنّ النقاش حول هذا الأمر بات بنداً ثابتاً على جدول أعمال أي لقاء بين أقطاب "محور الممانعة" ولو من باب الدفاع عن حق مالكيه ومستخدميه بالدفاع عن النفس وحماية الأوطان، على رغم من سقوط كثير من المبرّرات التي أعطت هذا السلاح أوصافاً وأدواراً في أكثر من منطقة في العالم، وخصوصاً في لبنان وغزة واليمن، كما في سوريا والعراق.
وعلى وقع هذه المعادلات وما تحمله من تناقضات منها المنطقي ومنها غير المنطقي، ما زالت مراجع سياسية وديبلوماسية على اختلافها تُصرّ على أنّ الحروب الممتدة من عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول عام 2023 وما تلاها، قد أجهزت على قوى مناهضة للمحور الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وقلبت التطوّرات رأساً على عقب، كمؤشر يدل إلى صورة جديدة لشرق أوسط جديد بدأت معالمه بالظهور، ومعها المخاوف من مظاهرها الدموية في أكثر من دولة.
ولِمَن أراد قراءة هذا المسلسل وما قاد إليه من خلل في هذه الزاوية المتفجّرة من العالم - تضيف المراجع عينها - ما عليه سوى إحصاء الحروب المتناسلة التي تلت "طوفان الأقصى"، وتمتد من الردّ الإسرائيلي عليها بعد ساعات قليلة بعملية "السيوف الحديدية" إلى حرب "الإلهاء والإسناد" التي تلتهما وصولاً إلى "أولي البأس" وما بينها من التسميات التي أُطلقت على عمليات حربية شبه متواصلة عبّرت عنها مَوجات الحروب في لبنان وغزة واليمن وسوريا والعراق، وصولاً إلى قلب العاصمة الإيرانية التي استُهدِفت بعمليّتَين كبيرتَين نهاية الصيف الماضي ومطلع خريفه. وهي عمليات أثبتت أنّ هناك توجّهاً دولياً كبيراً تقوده الولايات المتحدة الأميركية بزخم غير مسبوق، انطلق مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو أعرب عن رغبته بكل بساطة بإعادة رسم مواقع القوى في العالم والمنطقة وأنظمتها، بعدما انهار بعضها وتصارعت أخرى بهدف البقاء لا أكثر ولا أقل، بعدما تراجعت قدرات آخرين إلى الحدّ الأدنى.
وعلى وقع هذه المتغيّرات الكبرى، تستعد قوى إقليمية أخرى لخوض مفاوضات معقّدة وصعبة تفضي إلى إعادة تقاسم النفوذ وفق معايير جديدة جُنِّدت لها كل الطاقات العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية بطريقة غير مسبوقة، ويجري رسمها في أكثر من مشروع ومبادرة دولية تتخطّى حدود الدول إلى مستوى القارات.
ولذلك، باتت الأنظار موجّهة إلى ما يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات في شأن الحرب الأوكرانية الأميركية - الإيرانية، وتلك الجارية بالواسطة بين أكثر من قوة، ولا سيما على مستوى إعادة رسم الأحجام، وما يمكن بناؤه من علاقات من الواجب قيامها بين تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر، عدا عن مجموعة الدول الصغيرة التي تكمل الحلقات الواجب ربطها في العلاقات بين الدول.
وقياساً على ما تقدّم، من تطوّرات وانقلابات وما تنضح به من معادلات جديدة تستعد لها المنطقة، لا يمكن تجاهل أنّ الحرب بين المحورَين الدوليَّين قد اقتربت من أن يكون فيها رابح وخاسر على المستويَين الإقليمي والدولي، لمجرّد أنّ قادة محور الممانعة قد باشروا خوض مفاوضات معقّدة وصعبة للاحتفاظ بما تحقق من مكتسبات مهدّدة بالزوال، بعدما اعتقدوا لعقود أنّها مكتسبات مستدامة وأنّه ليس هناك ما يمسّها قبل الانهيار الكبير الذي أصاب مَن يمثله في غزة ولبنان، وبعدهما في سوريا بسقوط النظام كاملاً.
وكل ذلك يجري على وقع مبادرات أميركية قد تغيّر من مجرى الحروب في مناطق حساسة مشتعلة في العالم كمثل الحرب الروسية - الأوكرانية والمواجهة الأميركية مع الصين في المحيط الهادئ الذي قد يطلب ترامب تغيير اسمه، إن لم يبق هادئاً على حدود دولة تايوان التي تخوض بالرعاية الأميركية حرب بقاء في مواجهة بكين التي ترغب باستعادتها كأرض صينية.
وكل ذلك يجري على وقع ما أطلقه ترامب من حرب اقتصادية قد تغيّر وجه العالم وحجم اقتصاده الحُرّ، لبناء نظم جديدة لم تتضح معالمها بعد، خصوصاً أن تبادل العالم مع واشنطن بما أقدمت عليه من رفع غير مسبوق للرسوم الجمركية على خلفية "المعاملة بالمثل"، والتي يمكن أن تحدّ من حجم العلاقات التجارية المتبادلة بين الدول وصولاً إلى ما يمكن أن تتسبّب به من انهيارات في الاقتصادات العالمية وتلك الناشئة خصوصاً.
وفي ختام هذه القراءة الدولية التي تتحكّم بمستقبل البلاد، تنتهي المراجع الديبلوماسية والاستخبارية إلى قراءة الانعكاسات المحتملة على الوضع في لبنان. فتنبّه تقاريرها بكثير من المخاوف إلى خطورة ما يمكن أن تعكسه من هزّات لا يحتملها العهد الجديد وما هو منتظر من انهيارات مضافة نتيجة رهانات خاطئة ما لم يلاقِ اللبنانيّون الطروحات الدولية والإقليمية الجامعة بما يمكن أن يقوم به بما أوتي من قوة لترتيب البيت الداخلي بدءاً من الملف العسكري والأمني لتوحيد القوة العسكرية وحصرها بالمؤسسات الشرعية. وهي خطوة لا بُدّ منها تتزامن مع ما هو مطلوب لبنانياً ودولياً على المستويات الاقتصادية والمالية والنقدية، بطريقة يستعيد من خلالها الثقة الداخلية والخارجية المفقودة بكل مؤسسات الدولة. وإن توقف الأمر عند مصير سلاح المقاومة، هناك مَن يعتقد في الغرف المغلقة التي تجمع الخصوم والحلفاء بلا استثناء، أنّ لبنان دفع كلفته الغالية سلفاً من أمنه واقتصاده وماله وأرواح بنيه وما لحق بالممتلكات من أضرار تقدّر بمليارات عدة من الدولارات. ولذلك، فإنّ أي مبادرة ممَّن يملكها قد تشكّل استحقاقاً وطنياً كبيراً يرتد على الوطن وكيانه وشعبه بجرعة كبيرة من الدعم. وهو ما عبّر عنه أحد الديبلوماسيِّين الكبار بقوله "إنّ المعضلة لا تقف في ما هو مطروح من مخارج متناقضة، إذ يكفي أن يتحلّى اللبنانيّون بشجاعة الاعتراف بكثير من الحقائق، وهي تكفي لخوض مغامرة التعافي والإنقاذ".