
«لبنان لن يتهاون بإزاء سلامة المطار والسلم الأهلي... وطهران مستعدة لـ «حوارات بناءة في شأن مشكلة الرحلات الجوية»
أزمة الطائرة الإيرانية رأس جبل جليد عنوانه... مأزق «حزب الله»
الاحداث- كتبت صحيفة الراي الكويتية تقول:"تشكّل أزمةُ «الطائرة الإيرانية» التي مُنعتْ من الهبوطِ في بيروت وما أحدثتْه من تداعياتٍ متدحْرجة، أخطرُها الاحتجاجاتُ وأعمال الشغب على طريق مطار رفيق الحريري الدولي والاعتداء على موكبٍ لـ «اليونيفيل» وحرْق إحدى آلياتها وإصابة نائب رئيس البعثة وأحد ضباطها بجروح، رأسَ جبلِ جليدٍ تتراكم طبقاتُه منذ إعلان اتفاق وقف النار (27 نوفمبر)، وآخِرها قطْع «أوكسجين» تمويل «حزب الله» عبر طهران لزومَ استمرارية ماكينته التشغيلية بمختلف أذرعها وملف الإعمار والإيواء.
وحجبَ الغبارُ الكثيف الذي أحدثتْه هذه الأزمة ودخانُ التوتر العالي والقنابل المسيلة للدموع التي استخدمها الجيش اللبناني عصر أمس خلال اعتصام نفّذه «حزب الله» على طريق المطار القديمة – جسر الكوكودي «استنكاراً للتدخل الإسرائيلي وإملاء الشروط واستباحة السيادة الوطنية» ما عداها من عناوين لا تقلّ حساسيةً وأبرزها موعد انتهاء الهدنة الممدَّدة بين لبنان وإسرائيل بعد غد، وهو الاستحقاق الذي سيفرز أمراً واقعاً جديداً عنوانُه انسحاب تل أبيب من القرى التي مازالت تحتلّها واحتفاظها بقوة «إشاحة النظر الأميركية» بخمس مواقع إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية لتكون بمثابة «بوليصة تأمين» أقلّه لضمان تنفيذ مندرجات اتفاق 27 نوفمبر وفق تفسيرها الذي تَعتبر أن جوهرَه نزْع سلاح الحزب بالكامل وليس فقط تفكيك بنيته في جنوب الليطاني.
«اليونيفيل»
وفي الوقت الذي اعتبرتْ الأمم المتحدة أن الاعتداءَ على «اليونيفيل» وجرْح نائب رئيس البعثة المنتهية ولايته (وكان في طريق العودة إلى وطنه) قد «يشكل جريمة حرب» وكذلك فعلتْ باريس بالتوازي مع تنديد واشنطن وإشادتها «بالتزام الحكومة اللبنانية اتخاذ جميع التدابير لمحاسبةِ المسؤولين عن الهجوم»، فإن هذا «اللغم» الذي يتفاعل منذ الخميس يضع «لبنان الجديد»، رئيساً للجمهورية وحكومةً، أمام أول اختبارٍ جدّي لقدرتهما على إدارةِ ما يشي بأنه محاولة من «حزب الله» لإبطاء سرعة التحولاتِ المتلاحقة في «بلاد الأرز» والإقليم و «وقْف الزمن» الذي يتحوّل من خلال سلوكياتٍ تنمّ في جانب منها عن معاندةِ الإقرار بتبدّل الموازين المحلية والإقليمية.
شدّ حبال بين الدولة و«حزب الله»
وفي هذا السياق ارتسم بوضوح في الساعات الماضية «شد الحبال» على خط «العهد الجديد» – «حزب الله»، وبينهما لاح موقف متمايِزٌ لقيادة حركة «أمل» (بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري) عن شريكها في الثنائية الشيعية (حزب الله) إذ اعتبرت أن «الاعتداء على اليونيفل اعتداء على جنوب لبنان، وقطع الطرق في أي مكان كان هو طعنة للسلم الأهلي»، داعية الجيش اللبناني والقوى الأمنية إلى «ملاحقة الفاعلين والضرب بيد من حديد على أيدي العابثين».
* فلبنان الرسمي رسّم بوضوحٍ أن البلاد دخلت مرحلة جديدة فعلية منذ 9 يناير (انتخاب قائد الجيش رئيساً) ثم 13 منه (تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة) فـ 8 فبراير (تأليف الحكومة)، وهو ما عبّرت عنه مجموعة نقاط أبرزها:
1 – رسْم «خط أحمر» تحت شعار «سلامة المطار وأمن المسافرين واللبنانيين فوق كل اعتبار»، في إشارة ضمنية إلى تهديدات إسرائيلية للبنان باستهداف المرفق الجوي الوحيد للبلاد بحال استخدامه لتهريب أموال «مخصصة لتسليح حزب الله» بهدف تنفيذ اعتداءات ضد إسرائيل«وفق ما كان أعلن الجيش الإسرائيلي في معرض اتهامه الحزب وفيلق القدس باستغلال رحلات مدنية في هذا الإطار»، وإن كانت السلطات اللبنانية وازنت بين هذا العنوان وبين مسألة العقوبات الأوروبية المفروضة على شركات طيران إيرانية في إطار تبرير مسألة عدم منْح الإذن لطائرة تابعة لـ«ماهان إير»، بالهبوط الخميس الماضي، علماً أن هذه الشركة كانت تسيّر رحلات إلى بيروت ولكن«رسالة اعتراض»إسرائيلية وصلت بالواسطة على رحلة محدّدة.
2 – الهبّة التي دانتْ الاعتداء على «اليونيفيل» بدءاً من رئيس الجمهورية الذي أكد أن «المعتدين سينالون عقابهم»، معتبراً ما حصل الجمعة على طريق المطار وفي بعض مناطق بيروت (الرينغ وسليم سلام)» تصرفات مرفوضة ومدانة، ولا يمكن السماح بتكرارها والقوى الأمنية لن تتهاون مع أي جهة تحاول زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد.
وإذ تابع عون التطورات المتعلقة بقطع الطرق وإشعال النيران وأعمال الشغب، أصدر توجيهاته للجيش والقوى الأمنية بوقف هذه الممارسات، وفتح جميع الطرق، وإزالة العوائق من الشوارع، مشدداً على«ملاحقة المخلّين بالأمن واعتقالهم، وإحالتهم على القضاء الذي باشر تحقيقاته الميدانية».
وكذلك أعطى الرئيس سلام، الذي زار عون، عصر أمس، وترأس اجتماعاً وزارياً طارئاً لبحث حادثة طريق المطار، توجيهاته بعدم التساهل بأي شكل في مسألة حفظ الأمن على كل الأراضي اللبنانية، لا سيّما في تأمين حسن سير المرافق العامة، بما فيه أمن وسلامة المسافرين من مطار رفيق الحريري الدولي، ومنْع أي اعتداء على الأملاك العامة والخاصة لا سيّما محاولة إغلاق الطرق، وصولاً لإعلان وزير الداخلية العميد أحمد الحجار بعد اجتماع المجلس الأمن المركزي الطارئ أن الاعتداء على «اليونيفيل» يعتبر جريمة، كاشفاً «لدينا حتى الآن أكثر من 25 موقوفاً في مخابرات الجيش اللبناني، وهناك موقوف عند شعبة المعلومات بقوى الأمن الداخلي».
3 – إدارة مسألة حلّ قضية عودة اللبنانيين العالقين في طهران على خطين: إما تأمين موافقة الأخيرة على تسيير رحلتين لـ «الميدل ايست» لنقلهم، وهو ما رفضته إيران بحجة «المعاملة بالمثل»، وإما توفير إعادتهم عبر دولة ثالثة كالعراق وتركيا.
وفي أول مفاعيل الضغط اللبناني الرسمي، وفي ضوء ظهور طهران وكأنها هي التي «تحتجز» اللبنانيين على أراضيها برفضها إجلاءهم عبر الميدل ايست ثم بحْث مجمل قضية الطيران بين البلدين، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنّ «الوزير عباس عراقجي ناقش في اتصال مع نظيره اللبناني يوسف رجّي سبل حل المشكلة التي نشأت في تنفيذ الرحلات الجوية بين البلدين»، وقالت إنّ «عراقجي ونظيره اللبناني أكدا استعدادهما لإجراء حوارات بناءة في شأن مشكلة الرحلات الجوية بين البلدين».
* أما «حزب الله»، الذي اعتُبر الاعتصام «الموقّع» الذي نفّذه عصر أمس على طريق المطار القديمة بمثابة محاولة لتصحيحِ صورة الفوضى والشغب التي ظهرتْ خصوصاً يوم الجمعة، فلم يتوانَ عن تظهير البُعد الحقيقي لأزمة الطائرة وفق ما جاء في كلمةِ نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي الذي اتهّم الدولة اللبنانية بأنها «باتت تخضع للوصاية والاحتلال الأميركي»، محذراً «نحن نصبر ولكن للصبر حدود ولن نقبل أن يصبح الوطن في القبضة الأميركية والإسرائيلية»، مضيفاً «لا يجوز لهذه الدولة أن تقبل بالإملاءات الإسرائيلية والأميركية (…) والقرار بمنع الطائرة الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت هو إهانة للدولة والأجهزة الأمنية (…) والمقاومة لن تخضع وستواجه وتقاوم وترفض الإذلال».
«حزب الله»… رسائل وأكثر
وتعاطتْ أوساطٌ سياسيةٌ مع الحركة الاعتراضية من «حزب الله»، سواء التي تنصّل منها الجمعة بوصفها من قبل قريبين منه «عملاً مشبوها من فعل ملثمين» أو التي رعاها رسمياً أمس، على أنها «من دفاتر» 7 مايو 2008 ولكن هذه المرة ضد «الدولة اللبنانية» ورسالة لمَن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، على مرمى 7 أيام من التشييع الجماهيري للسيد حسن نصر الله، بأن الحزب «مازال هنا»، وبأن زيادة الضغط عليه من خلال «المساهمة» في خنْقه مالياً سيتسبب بمزيد من الفلتان لمجموعاتٍ «غير منضبطة» قد تنفّذ حتى عملياتٍ أمنية واغتيالات كما لوّح محسوبون عليه عبر الإعلام.
وفي رأي هذه الأوساط أنّ الحزب، الذي لم يُعد قادراً على مهاجمة إسرائيل أو الردّ عليها، هي التي تهدّد مطار بيروت وتنفذ اتفاق وقف النار بالنسخة التي تراها (بما في ذلك تنفيذ غارات شمال الليطاني تصدياً لما تعتبره خطراً وشيكاً أو في طور التشكل)، يجد نفسه «يندفع» في اتجاهاتٍ داخليةٍ، في محاولة لاستعادة مكانةٍ تراجعت تحت وطأة نتائج حرب الإسناد التي زجّ لبنان فيها والمتغيرات الإقليمية، معتبرةً أن هذا السلوك يعكس ممانعةً عن التسليم بالوقائع الجديدة واعتقاداً أن من الممكن العودة إلى الوراء في الوقت الذي باتت الوقائع تؤشر إلى أن ما كُتب قد كُتب وأن أي «حَفْر» جديد لن يؤدي سوى إلى تعميق الحفرة التي بات الحزب أسيرها رغم سعيه إلى التنصل من مناصرين له بحجة «كلما ضغطتم على بيئتنا خرج غاضبون أو مشاغبون أو ملثمون» في «تطوير» لأسلوب «كتيبة الأهالي».
ولم تُسْقِط هذه الأوساط من الاعتبار أن يكون هدف هذه الاعتراضات الخشنة محاولة التأثير على سقف البيان الوزاري الذي ستقره حكومة سلام غداً وتحديداً في البند المتعلق بمسألة سلاح الحزب والناظم لمعالجته في ضوء الإشارات المتقاطعة إلى اتجاه لنزع «الشرعية» عنه والتي كان يوفّرها إدراج عبارة «المقاومة» في البيانات السابقة.
وبرز في هذا الإطار إعلان مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، في تصريح لقناة «الميادين» أنّ «ما حصل مع اليونيفيل على طريق المطار أمر غير مقبول»، مشدداً على أنّ «الحزب ليست له علاقة بما حصل مع اليونيفيل وهو على علاقة جيدة معها والتنسيق بينهما كامل والحزب يحترم القرار 1701».
ولفت إلى أنّه «يجب أن نفرق بين اعتصام سلمي نعبر فيه عن رأينا ضد قرار منع الطائرة الإيرانية، وبين ما حصل من اعتداء على اليونيفيل»، مشيراً إلى «أننا نقول للسطة والجيش انظروا إلى وضع الناس ولا تضغطوا عليهم أكثر».
وكان مناصرون لـ «حزب الله» قاموا مساء الجمعة بتحطيم موكب تابع لليونيفيل ويعود لنائب رئيس البعثة وحرقوا إحدى الآليات، ما أدى إلى إصابة الأخير وضابط، قبل أن يقوم محتجون بقطع طريقي جسر الرينغ وسليم سلام بالإطارات المشتعلة، ليتدخل الجيش اللبناني ويحتوي الوضع.
وفيما عاد قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن حسان عوده أمس في مستشفى الروم – بيروت نائب قائد اليونيفيل وأحد ضباطها، واطلع على وضْعهما الصحي متمنياً لهما الشفاء العاجل، ومشيداً بـ «الدور الأساسي لليونيفيل في جنوب لبنان»، ومشدداً على «رفض قيادة الجيش لأي اعتداء على عناصرها»، نفذت وحدات من القوة الضاربة في الجيش مداهمات واسعة في الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله) لتوقيف متورطين في اعتداءات الجمعة.
وسيّر الجيش اللبناني دوريات مؤلّلة في مختلف أرجاء الضاحية ضمن تدابير استثنائية ستستمر في الأيام المقبلة بعد الأحداث التي شهدتْها طريق المطار.