من الصحف

ما تبقّى من مهلة الـ ـ60 يوماً كافٍ للانسحاب الإسرائيلي بقرار سياسي؟!


 الأحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"على مسافة 4 أيام من نهاية مهلة الـ60 يوماً التي حدّدها تفاهم 27 تشرين الثاني، من أجل انسحاب إسرائيل من القرى الجنوبية المحتلة، تعاظمت المخاوف من وجود رغبة لدى تل أبيب بتجاوزها. ومردّ ذلك إلى عدم حصول اللجنة الخماسية العسكرية في آخر اجتماع لها يوم الاثنين الماضي، أي ضمان إسرائيلي باستكمال انسحابها، وهو ما أدّى إلى عدم صدور أي بيان أميركي - فرنسي مشترك في نهايته كما درجت العادة. وعليه، ما الذي يوحي به هذا التصرّف؟
تعدّدت السيناريوهات التي تحاكي الأيام الأخيرة من مهلة الأيام الـ60 التي تنتهي الأحد المقبل، كما حدّدها اتفاق تجميد العمليات العسكرية قي جنوب لبنان، لينتقل البحث إلى المراحل اللاحقة المؤدّية إلى إمساك الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" بأمن منطقة جنوبي الليطاني وإخلائها من الوجود المسلح غير الشرعي أياً كانت هوية المسلّحين، تمهيداً لولوج المرحلة النهائية المؤدّية إلى تظهير الحدود مع فلسطين المحتلة، بالعودة إلى مضمون اتفاقية الهدنة عام 49، وتأكيدها على الاعتراف الدولي والإسرائيلي بالحدود كما تمّ ترسيمها في العام 1923 وتسجيلها بكامل إحداثياتها الجغرافية في دوائر الأمم المتحدة. بانتظار التثبّت من لبنانية تلال ومزارع في شبعا وكفرشوبا عند مثلث الحدود اللبنانية - السورية مع فلسطين المحتلة، والفصل النهائي بين كونها أراضي سورية ينطبق عليها عمل فريق مراقبة الهدنة "الأوندوف" وفق القرار 242 الذي ألحقها بأراضي الجولان السوري المحتل، أو ضمّها إلى مقتضيات القرار 425 لوضعها في عهدة "اليونيفيل" عملاً بمضمون القرار 425.
ليس في هذه المقدّمة ما يوحي بالإشارة إلى أنّ النقاش حول مصير النقاط الحدودية الـ13 المحتلة المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل قد انتهى. لا بل هو جدل يتجدّد الحديث عنه في الأيام المقبلة، بمجرّد إتمام الإجراءات الحدودية التي تمّ التوصّل إليها بضمانات أميركية لا نقاش فيها، وتكافل وتضامن فرنسي بمساعدتها، وقبول لبناني - إسرائيلي لإنهاء العمليات العسكرية جنوب لبنان وإعادة الأمن والاستقرار إلى جانبَي الحدود. وعليه، فإنّ مدى الإلتزام بما تقرّر يبدو أنّه سيكون مسؤولية أميركية بالدرجة الأولى، ولا يمكن التلاعب بها أو القبول بأي خللٍ يمسّ مواعيدها المحدّدة سلفاً، أياً كانت الحُجَج الإسرائيلية لتبرير تمديدها ولو لأيام معدودة كما يعتقد البعض.
وعليه، فإنّ المراجع الديبلوماسية تتطلّع إلى الأيام الأربعة المقبلة بكثير من القلق، وهي تحصي ساعاتها واحدة بعد أخرى، بانتظار موقف أميركي صارم يشبه إلى حدٍّ بعيد ما فرضته على إسرائيل من إجراءات سريعة لجأت إليها في ساعات قليلة في قطاع غزة لإنهاء الحرب هناك رغماً عنها، أياً كان الثمن الذي يمكن أن تدفعه القيادة العسكرية الإسرائيلية التي بدأت تشهد مسلسل الاستقالات بدءاً من رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي ومعه قادة أجهزة الاستخبارات المختلفة التي أقرّت بمسؤوليّتها عمّا حصل في 7 تشرين الأول العام 2023 من تقصير في مواجهة الخرق الفلسطيني لغلاف قطاع غزة وصولاً إلى عمق المستوطنات الإسرائيلية. وهو أمر يمكن أن ينعكس أيضاً على مصير حكومة بنيامين نتنياهو التي بدأت تهتزّ باستقالة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير من منصبه التي دخلت حيّز التنفيذ صباح أول أمس الثلاثاء، من دون أن يستكملها بأي خطوة لنزع الثقة عنها منعاً لوقوعها كاملة.
على هذه الخلفيات توقفت مراجع ديبلوماسية أمام حجم القلق الذي عبّرت عنه أوساط قيادة "اليونيفيل"، التي ترصد بقوة وبطريقة علنية حجم الخروقات الإسرائيلية لتفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، تنديداً بالممارسات الإسرائيلية نتيجة استمرار العمليات الهندسية لجهة تدمير المنشآت المدنية التي نجت من العمليات العسكرية. وهي تتكئ بمواقفها المميّزة والجريئة على نسبة من الغضب الأميركي على خلفية المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ بنود الإتفاق والتزامها بالمراحل المقرّرة للانسحاب من الأراضي اللبنانية قبل 27 الجاري. وهو ما عبّر عنه الجانبان الأميركي والفرنسي بقرارهما عدم الإعتراف بما انتهى إليه الإجتماع الثالث للجنة الخماسية المكلّفة الإشراف على الترتيبات العسكرية، عندما اجتمعت في مقرّها الدائم في منشآت قيادة "اليونيفيل" في الناقورة يوم الاثنين الماضي، ورفض إصدار بيان درجت عليه السفارتَان بعد كل اجتماع على هذا المستوى.
وجاء هذا الموقف الذي عُدَّ سلبياً تجاه الموقف الإسرائيلي المتردّد وغير المُسهّل لبنود الإتفاق، نتيجة عدم حصول اللجنة في اجتماعها على أي تعهّد إسرائيلي بتنفيذ خطط الانسحاب ممّا تبقى من أراضٍ محتلة في القطاعَين الأوسط والشرقي، بعدما كانت قد أخلت في ساعات قليلة القطاع الغربي قبل يومَين على جلسة انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني الجاري، وسمحت بانتشار الجيش فيها.
وعليه، فقد نقل رئيس لجنة الإشراف الخماسية الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز، يرافقه عضو اللجنة الجنرال الفرنسي وفريق عمل اللجنة، هذه الأجواء إلى قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن حسان عوده، في الاجتماع معه أمس في مكتبه في اليرزة، والذي خُصِّص للبحث في تطوّرات الوضع في الجنوب ومراحل تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، والذي انتهى إلى تعهّد من الجانبَين بممارسة الضغوط القصوى لترجمة المراحل المتبقية من الانسحاب في الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية المهلة وهي كافية. ففي اعتقاد مختلف الأطراف أنّ مدة الانسحاب من هذه المناطق كافية متى صدر القرار السياسي، وهي عملية تساوي الوقت الكافي لعبور الآليات من دبابات ومجنزرات إسرائيلية من حيث هي اليوم في الأراضي اللبنانية، المسافة الفاصلة عن حدودها الدولية في ساعات أربع أو خمس على الأكثر. فليس لدى قوات الاحتلال أي منشآت لوجستية أو ثكنات تريد نقلها إلى أراضيها متى تقرّرت هذه الخطوة التي يمكن أن تحصل بين ليلة وضحاها.