إيران ليست مكلّفة التفاوض عن لبنان
الاحداث- كتبت روزانا بو منصف في صحيفة النهار تقول:"
أكثر ما توقفت عنده الأوساط السياسية على اختلافها في زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي غداة إعلان عين التينة الذي طالب بوقف النار وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية، إعلانه أن زيارته هي لدعم "حزب الله" واشتراطه ربط وقف النار في لبنان بوقفه في غزة. أهمل الوزير الإيراني أي إشارة الى القرار 1701 ولكنه أعلن أنه سيقوم "بحملة ديبلوماسية لدعم لبنان، كما قال، وطلب عقد اجتماع لمنظمة المؤتمر الإسلامي". قادته الحملة الديبلوماسية الى زيارة كل من الأردن في أول زيارة ديبلوماسية إيرانية منذ 2014 وزيارة مصر في أول زيارة منذ 2013، وهو في مسعى لتظهير إيران غير معزولة سيشارك في قمة 3+3 في إسطنبول.
رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف الذي بدا مخففاً من وطأة كلام عراقجي في بيروت قال بدوره "من هنا سأنطلق الى جنيف وسأحمل معي قضايا الشعبين اللبناني والفلسطيني المظلومين". بدا لافتاً جداً قيادة إيران حملة انفتاح ديبلوماسية تسويقاً لرؤيتها للحلّ في لبنان في الوقت الذي لا يمكن فيه تجاهل استمرار عرقلة أو منع انتخاب رئيس للجمهورية يفترض أنه هو من يجب أن يتولى ذلك عربياً أو دولياً وليس إيران التي لا يمكنها ولا ينبغي أن تتحدث بالنيابة عنه. فلا أحد أوكل إليها بذلك ويصعب الاقتناع بأنها تعمل لمصلحة لبنان لا لمصالحها المباشرة فحسب فيما هي تعرقل اتجاهات أهل السلطة في لبنان العاجزين عن اقتناص موقف داعم من الحزب ينهي كارثة لحقت بالبلد. والمؤشرات على سعي إيران لأهداف أخرى واضحة على سبيل المثال في إعلان الملك الأردني عبدالله الثاني أنه لن يسمح باستخدام الأردن في الصراع الإقليمي.
وبدا لافتاً تزامناً مع هذه الديبلوماسية الإيرانية التي تغتنم مأساة لبنان كذريعة لمطالبة دعم الدول العربية بعدم إتاحة المجال أمام إسرائيل لاستخدام أجوائها فيما تعتزم هذه الأخيرة توجيه ضربة لإيران رداً على قصفها بالصواريخ قبل أسبوعين وأيضاً بالتدخل لدى واشنطن للحؤول دون ذلك أو تخفيفه، انعقاد قمة خليجية أوروبية مهمة في بروكسل لم تهمل المطالبة بوقف النار في غزة ولبنان ودعم أهمية تنفيذ القرار 1701. هذا القرار لم يرد على ألسنة المسؤولين الإيرانيين ولا كذلك "حزب الله" الذي أوكل الى رئيس مجلس النواب العمل لوقف النار فحسب.
تحاول إيران أيضاً تعزيز موقفها في المفاوضات الرامية إلى وقف النار وتطبيق القرار 1701 وحتى انتخاب رئيس للجمهورية. فحتى لو أنها وافقت عبر الحزب على هذا القرار، فإن شروط تطبيقه مختلفة في ظل مستجدين أساسيين أولهما سعي إسرائيل الى تحقيق أو فرض واقع أمني جديد تبدو فيه متفوقة الى حد بعيد على رغم محاولات "حزب الله" إعادة تثبيت قوته وقدراته وهذا ما يشجعها تالياً على الاعتقاد بأنها قادرة على انتزاع اتفاق أكثر ملاءمة، ولو أن الشروط الدقيقة لمثل هذا الاتفاق المحتمل غير واضحة بعد في انتظار جلاء غبار الحرب المستمرة، ويرجح أنه يتعدى إشعار المدنيين الإسرائيليين بالاطمئنان عند العودة إلى مستوطناتهم وما الذي قد يستتبعه أو يعنيه ذلك، إذ إنه قد تكون لديها أهداف أكبر فيما يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيدمّر "كل البنية العسكرية للحزب التي بناها خلال عقدين". وثانيهما أن إيران التي انكشف تورطها العملاني الى جانب الحزب في لبنان مع مقتل مسؤولين إيرانيين الى جانب قادة الحزب، اضطرت الى التدخل على نحو مباشر لإعادة ترتيب أموره بعد الضربات التي تلقاها وهي تالياً تحاول أخذ زمام التفاوض بالنيابة عنه وتالياً عن لبنان في ظل تجاهل كلي من جانبها لما يلحق باللبنانيين عموماً وبالبيئة الشيعية خصوصاً، في مسعاها لتقييد الضربة الإسرائيلية المعتزمة ضدها.
كان البعض من الدول ولا يزال ينصح لبنان بانتخاب رئيس للجمهورية من أجل أن يمثل لبنان نفسه في أي تفاوض سيُطرح في الوقت المناسب لوقف الحرب وما بعدها ولا يزال يحصل دفع في هذا الإطار. ولكن حتى الآن لا يبدو أن هناك إرادة حقيقة في هذا الاتجاه والعجز الداخلي فاضح، بما أن استمرار الحرب لأسابيع إضافية قد يلحق بلبنان أضراراً إضافية ما دام يعتقد كثر في الخارج بأنها فرصة تاريخية لتقليص نفوذ "حزب الله" في الواقع السياسي اللبناني، ما يوفر لإسرائيل الغطاء للمضيّ قدماً في حربها.
وتالياً يُفترض أن يكون هناك حدّ أدنى من موقف لبناني حازم يجري السعي إليه مع البيان الذي صدر عن الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي مع الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الذي تصدى لما قاله عراقجي في بيروت، وذلك على رغم المحاذير التي أثارها اللقاء الثلاثي، فيما البيان الصادر عن القمة الروحية مفيد ولكنه غير كافٍ وغير حاسم أيضاً. ويظلّ مستغرباً هذا المقدار من الشيء نفسه من الجميع تقريباً على رغم الكارثة التي تعصف بالبلد.