من الصحف

هل يفتقد المسيحيون... والمسلمون البطريركين المعوشي وصفير؟

الاحداث- كتب سركيس نعوم في صحيفة النهار يقول:"لا يستطيع أي متابع من قرب للوضع في #لبنان وتحديداً بعد انتخاب #الأساقفة و#المطارنة #الموارنة زميلهم #بشارة بطرس الراعي بطريركاً للموارنة على أنطاكيا وسائر المشرق إلا أن يتساءل عن دور الكنيسة المارونية في لبنان. علماً بأن منافسه يومها لخدمة موارنة لبنان والاغتراب والمنطقة العربية كان مطران بيروت بولس مطر. لم تتسرّب في حينه معلومات عن دور رسمي وأساسي للكرسي الرسولي في #الفاتيكان في الإنتخاب المذكور أعلاه. 

هذا أمرٌ كان يحصل في السابق ولكن على نحو محدود لأن الطائفة المارونية كانت تتمتع ولا تزال باستقلالية معيّنة بسبب مشرقيتها، ولأن التدخل كانت تفرضه عند حصوله ضرورات كنسية وسياسية باعتبار أن للموارنة وجوداً ودوراً مؤثرين في المنطقة. غنيّ عن القول أن لبنان كان المكان الأول للوجود الماروني المسيحي الفاعل في محيطه والمتفاعل معه منذ مئات السنين. علماً بأن ذلك لم يحل دون أن يمر الموارنة ومحيطهم القريب والأبعد في المنطقة بمراحل خلافية شديدة أدّت أحياناً الى الاقتتال وسفك الدماء وخصوصاً عندما كان الإقليم في حينه واقعاً تحت سلطة "سلطانية" شرق أوسطية ومعرّضاً باستمرار لتدخل أمبراطوريات ودول كبرى غربية في أوضاعها وشؤونها مباشرةً وبواسطة "أبناء كنائسها" من مواطني تلك "السلطنة". 

مناسبة هذا الكلام اليوم هي وصول مسيحيي لبنان، بقيادة الموارنة، الى وضع صعب يُسأل عنه زعماؤهم السابقون والحاليون وسياسيوهم. علماً أنهم كانوا قبل ذلك أصحاب الدور الأول في تأسيس لبنان الكبير بمساعدة فرنسا ولم يكونوا خائفين من إسلامية غالبية الأقضية الأربعة التي ضُمّت إليه، والتي قد تُهدّد دورهم فيه لاحقاً من جرّاء هجرتهم المتنوّعة الأسباب ووفرة الولادات عند إخوانهم المسلمين. فهؤلاء لم يقوموا بما عليهم لجعل لبنان دولة وطنية فعلاً لا اسماً الأمر الذي دفع مواطنيهم المسلمين الى العودة الى شعارات سياسية وقومية ودينية ومذهبية تتجاوز لبنان وتعبّر عن عمق انتماءاتهم الدفينة. يُسأل عن الوضع نفسه أيضاً سلكهم البطريركي الضارب في القدم.

لكن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأنهم ضحّوا من أجل بقاء "شعبهم" في لبنان أيام "سلطنة" الخمسمئة سنة ونيّف وأيام "السلطنات" السابقة الأقل عمراً، وبأن من عاصروا مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ركّزوا اهتمامهم على إقامة دولة لوطن اسمه لبنان أبناؤه مسلمون ومسيحيون على تنوّع مذاهبهم، وذلك رغم وجود سياسيين دعوا في حينه الى لبنان مصغّر غالبية شعبه مسيحية منطلقين من شعار يقول "أن لبنان يعتز كلما صَغُر ويهتز كلما كَبُر".

مناسبة هذا الكلام أيضاً الاشتباك السياسي والطائفي بين غالبية القيادات المسيحية والطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان منذ سيطرة "ثنائيتها" التي تضم "حزب الله" و"حركة أمل" على طائفتهما، ومنذ صارت لها الكلمة الأولى داخله بعد حصولها على دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما منذ تعسكرها المحترف والكبير الذي تجاوز لبنان الى #سوريا ودول عربية أخرى.

لم تغب البطريركية المارونية عن الاشتباك المذكور وتحديداً خلال حرب الـ15 سنة التي شملت المسلمين كلهم والمسيحيين فمزّقت الجغرافية الوطنية وفرّقت الشعب وقضت على الدولة وفتحت الباب أمام انقسام عمودي لا وحدة ممكنة في ظله. ومكّنت القوى الكبرى في الإقليم بتناحرها الدائم وبتقاتلها عبر اللبنانيين من ضرب مقوّمات وجوده ووحدته ودولته و...

لكن مناسبته الأخيرة والحديثة هي دخول بطريركية بشارة الراعي على خط الخلافات المهدِّدة بالحروب وتحوّلها طرفاً فيها. علماً بأن هذا ليس أمراً جديداً إذ مارسه بطريركان سابقان في لبنان الحديث. الأول البطريرك المعوشي الذي اختلف مع "شعبه" المسيحي الذي كان يواجه "ثورةً" وطنية وعربية معظمها إسلامي عليه وعمل مع أقطاب المسلمين لحماية لبنان من حرب دينية. 

الثاني #البطريرك صفير الذي شدّ أزر المسيحيين وعدد من المسلمين وقادتهم كانوا يقولون له "اصمد يا سيدنا" كي تبقى منطقتكم خارج سيطرة سوريا وتؤسِّس للبنان جديد يحكمه أبناؤه لا أشقاؤهم. لكن الفرق بين دخول المعوشي وصفير ودخول الراعي على خط التعاطي بل العمل السياسي كان وطنياً فقط وليس فيه أي شيء من الشخصانية والمصالح، كما اعترف لهما الجميع بالثبات على المواقف. وهذا ما أنقذ لبنان في المرحلتين السابقتين. أما سيدنا البطريرك الراعي فقد أصاب تدخله أو عمله السياسي الى جانب الديني قادة الشعوب اللبنانية كلها بالحيرة. 

فهو انفتح عند بداية بطريركيته على الشيعة بثنائيتها فزار الجنوب، وعلى سوريا فزار دمشق، ثم انتقل بعد ذلك الى المحور اللبناني المناهض لكليهما. وأعطى لنفسه دوراً قيادياً قبله على مضض القادة السياسيون المسيحيون لأنهم كانوا منقسمين بعضهم على بعض في الأهداف وفي التحالفات السياسية وفي المصالح. 

علماً بأن نجاح بكركي يُصبح فشلاً ذريعاً عندما يصبح سيدها زعيماً سياسياً. وزعماء السياسة تأتي مصالحهم قبل الأهداف الوطنية. فما هي مصالح رجال الدين وقياداتهم ولا سيما عند المسيحيين الذين هم رجال دين لا رجال دنيا ودين كما هي الحال عند الديانات الأخرى وتحديداً عند المسلمين. 

هل يمكن أن ينجح الفاتيكان و#البابا فرنسيس وهو "القديس" قبل وفاته في إنقاذ المسيحيين من أنفسهم وفي إقامة صيغة عيش مشترك فعلي في لبنان ودولة السلطة فيها للدستور وللقوانين لا لسلاح غير شرعي ولا لانتماءات مذهبية ودينية؟