هوكشتاين: لسنا أصحاب قرار الحرب
الاحداث- كتب جوني منير في صحيفة الجمهورية يقول :" خلال زيارته الما قبل الأخيرة للبنان، وفي إطار جولته المكوكية الثالثة بين بيروت وتل أبيب، قال الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين في أحد لقاءاته الجانبية، إنّه يرجح حصول وقف إطلاق النار في غزة في الأيام الأولى لشهر رمضان، وهو ما سيسري على الوضع في جنوب لبنان، وأنّه حال حصول ذلك سيعود فوراً في جولة رابعة لإنجاز الاتفاق المطلوب بين لبنان وإسرائيل. وحين سأله المسؤول اللبناني عمّا سيفعله إذا لم يتحقق وقف إطلاق النار في غزة، كان جوابه بعد تنهيدة عميقة: «لا أتمنى أن يحصل ذلك لأنّ الصورة ستكون سوداوية وعندها قد لا أعود مرّة جديدة».
ولم تتحقّق آمال الموفد الرئاسي الأميركي، وعلى رغم من ذلك عاد مرّة رابعة، وهو يدرك سلفاً أنّ نجاح مهمّته ينحصر بخفض سقف الحماوة ومنع الأوضاع من الإنزلاق في اتجاه الحرب، لا ترتيب الاتفاق حول الوضع عند الحدود، وهي مهمّته التي كلّفه البيت الأبيض ايّاها من الأساس.
وعودة هوكشتاين تمّ ترتيبها سريعاً منتصف الأسبوع الماضي، وجاءت بناءً على طلب عاجل للرئيس الأميركي، وتلاها اجتماع حصل بين هوكشتاين ووزير الخارجية أنطوني بلينكن. كما أنّه استبق وصوله الى إسرائيل بتشاور مع المسؤولين الفرنسيين الكبار.
من الواضح أنّ ثمة مستجدات أقلقت الرئيس الأميركي العائد من قمّته مع نظيره الفرنسي، واعتُبرت خطيرة واستوجبت هذه الحركة السريعة. فعدا عن أنّ الإدارة الأميركية باتت تدرك أنّها استنفدت معظم أوراق ضغطها على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فهي باتت لديها شكوك كبيرة بأنّ نتنياهو إنخرط بطريقة أو بأخرى في المعركة الإنتخابية الرئاسية الاميركية الحامية، وأنّه يهدف لاستهلاك الوقت بالحرب لحرمان بايدن من أي إنجاز في المنطقة يمكن استثماره في حملته الإنتخابية.
وتردّد على نطاق ضيّق في الكواليس الديبلوماسية الأميركية خلال الأسابيع الماضية، وتحديداً بعد استيلاء الجيش الإسرائيلي على معبر فيلادلفيا، أنّ اسرائيل قادرة على تحقيق أهدافها الحربية الأساسية فوق الأرض في رفح خلال أسبوع، على أن تبقى المعارك الدائرة على مستوى الأنفاق والتي ستدوم أشهراً وربما سنوات. أي أنّ المقصود الإنتقال من مستوى الحرب الى مستوى مخفوض من القتال. لكن نتنياهو كان يتعمّد استهلاك مزيد من الوقت، وفي التقييم الأميركي أنّ الأهداف التي يصبو إليها تبدو غامضة وهنا مكمن الخطورة.
فبعد خروج بيني غانتس وغادي أيزنكوت من الحكومة، وإثر المسار السياسي الإسرائيلي الداخلي، يتصرّف نتنياهو وكأنّه «جريح سياسي». وثمة معلومات تتناقلها الأوساط الديبلوماسية عن انّه لم يتخذ قرار حل الكابينت الحربي إلّا بعد تأمين أكثرية في حزبه ضامنة له في أي قرار يتخذه في شأن غزة ولبنان. وهو ما يعني أنّه سيسعى للإندفاع الى الأمام أكثر فأكثر لينقذ رأسه وسمعته، وسط نزاع داخلي صاخب على مستوى دوائر صنع القرار ورهان خارجي على مستوى مسار الإنتخابات الرئاسية الاميركية.
ويدرك نتنياهو أنّ خصوم واشنطن على المسرح الدولي مثل بكين وموسكو، يلائمهم أيضاً أن تغرق أكثر في وحول الشرق الأوسط، وبالتالي فإنّ الظروف تلعب لمصلحة إطالة الحرب لا إقفالها على الأقل في المرحلة الحالية.
وعلى المستوى الداخلي، إذا كانت الإنقسامات عادت بسبب «وحول» غزة، فإنّ الحرب على «حزب الله» تعيد توحيد الصف الإسرائيلي، وهو ما يبدو واضحاً إن على مستوى المواقف أو على مستوى الإستطلاعات. أضف الى ذلك، أنّ «حزب الله» لا يحظى بشعبية متعاطفة على مستوى الرأي العام الأميركي والدولي، بخلاف ما هو حاصل الآن على المستوى الفلسطيني.
ولأجل كل ما سبق، تخشى الأوساط الديبلوماسية أن يكون نتنياهو يسيل لعابه ويحضّر لاندفاعة متهورة في اتجاه لبنان. ومن يراقب الإعلام الإسرائيلي يلمس وجود تحضير في هذا الإتجاه. لكن أكثر ما أقلق الإدارة الأميركية قد تكون تلك المعلومات الواردة من إسرائيل، والتي أشارت الى أنّ الجيش الإسرائيلي أجرى تدريبات لوحدات خاصة مهمّتها التوغل داخل الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود، وإثر الدروس التي اكتسبتها من حرب غزة، وأنّ قيادة الجيش باشرت تركيز هذه المجموعات في مناطق غير بعيدة من الحدود. وقد تكون واشنطن لهذا السبب سارعت الى إصدار تحذير لإسرائيل بعدم الذهاب الى الحرب المفتوحة في لبنان، كون ذلك سيؤدي الى تدخّل مباشر من جانب إيران.
وفي وقت قرأ المراقبون إغتيال القيادي الكبير في «حزب الله» طالب سامي عبد الله في إطار التسجيل المتبادل للنقاط بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت للأوساط الديبلوماسية قراءة أبعد. فهي رأت فيها خطوة متعمّدة تهدف إلى دفع «حزب الله» الى الثأر بردّ على مستوى الحدث، وبالتالي انزلاق الوضع الى مستويات متقدّمة. ذلك أنّ نتنياهو يدرك بأنّ نزاعه القائم مع إدارة بايدن لن يقف في وجه اضطرار واشنطن بالوقوف عسكرياً إلى جانب إسرائيل في حال توسعت دائرة الحرب. ذلك أنّه وفي هذه الحال ستدخل اسرائيل في «مغطس» غير مضمون، ولن تستطيع الخروج منه بلا تدخّل أميركي فاعل، وهذا ما يقلق البيت الأبيض قبل 5 أشهر من الإنتخابات.
ولنتنياهو تجربة حديثة في هذا المجال، وهي عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق حيث سقط ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني. يومها كانت إيران ملزمة بردّ على المستوى نفسه، وفي المقابل كانت واشنطن ملزمة بدورها بتنظيم مظلّة جوية دفاعية. هذا مع العلم أنّ هنالك من يعتقد أنّ رفع مستوى الاستهداف الإسرائيلي ليصل إلى مقرّ السفارة الإيرانية إنما يخفي في مطاويه سعياً إسرائيلياً للتشويش على المفاوضات غير المباشرة التي كانت قائمة سراً في سلطنة عمان. فحماية إسرائيل تبقى في طليعة الأهداف الاستراتيجية الأميركية، فهي أهم بكثير وتتخطّى العلاقة السياسية المتوترة بين البلدين.
وعدا عن أنّ التورط الأميركي في وحول لبنانية سيجد ترحيباً ضمنياً لدى خصوم الأميركيين، فإنّ رئيس أميركا، على بعد أشهر معدودة من فتح صناديق الإقتراع، يصبح أكثر ضعفاً وأقل تأثيراً، فكيف مع نزاع حاد كما هو حاصل، ومع شكوك بوجود تفاهمات سرّية مع غريمه دونالد ترامب.
لأجل كل ما سبق، سارع بايدن الى إرسال موفده إلى المنطقة في مهمّة ليست مضمونة النتائج. وبدا هوكشتاين وكأنّه يخفي وراء ابتسامته التي اشتهر بها قلقاً عميقاً من التعقيدات الموجودة. وكان لافتاً قوله أنّ لدى اللبنانيين انطباعاً خاطئاً بأنّ قرار الحرب على لبنان هو في يد الأميركيين. وهذه العبارة تخفي وراءها جبل التعقيدات في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.
وثمة أسئلة جديدة تزيد من غموض الوضع عند الحدود اللبنانية، كمثل: ماذا لو توقف القتال في رفح من دون اتفاق، وبالتالي من دون إعلان وقف لإطلاق النار إن من جانب إسرائيل أو خصوصاً من جانب «حماس»، عندها هل سيتوقف إطلاق النار عند الحدود اللبنانية؟ لا أحد يضمن ذلك، وغالب الظن أنّ المطلوب اتفاق يواكب الإعلان عن وقف إطلاق النار وليس فقط توقف العمليات الحربية.
وفي المقابل، كان «حزب الله» يتوقع مسبقاً فحوى مهمّة هوكشتاين لجهة التحذيرات التي سيحملها، فجهّز رسالة «الهدهد» والتي تضمنت وقعاً قوياً. ففيما الموفد الرئاسي الأميركي يجول في بيروت كان «حزب الله» يفجّر مفاجأة عسكرية طاولت العمق الاسرائيلي في حيفا، وحملت صوراً للميناء والمطار والقاعدة العسكرية ومصنع رفاييل وغيره... وبعيداً من أسرار رحلة «الهدهد» وطريقة حصولها، فإنّ الرسالة كانت واضحة لجهة القول إنّ لـ«حزب الله» مفاجآت كثيرة، وأنّ ذراعه قادرة على أن تطاول العمق الاسرائيلي، وأنّه جاهز للحرب لا للتنازلات.
في السابق، كان المقياس الزمني عن أشهر مقبلة خطرة، أما اليوم فالمقياس بات يتحدث عن أسابيع خطرة وربما أيام. ما من شك أنّ الظروف صعبة.