من الصحف

طبول الحرب تشغل الدولة عن واجباتها: لا هيكلة للمصارف ولا تفاوض على اليوروبوندز

الاحداث- كتبت سابين عويس في صحيفة النهار تقول:"على خطورة الأوضاع السياسية والعسكرية نتيجة التطورات الدراماتيكية جنوبا، في ضوء التهديدات ال#إسرائيلية المتنامية، لا تشكل هذه الصورة عذراً للدولة بمختلف أجهزتها وسلطاتها للتلكؤ عن القيام بواجباتها ولا سيما في الملف المالي المأزوم. ولم يعد خافياً أن ترك الأمور على غاربها، بات من السمات الأساسية للعمل الحكومي، عن قصد أو عن غير قصد، لكن بنتيجة واحدة في كلا الحالين، تتمثل في استمرار التعطيل لأي مسار إصلاحي يؤدي إلى استعادة الانتظام إلى الأوضاع المالية والنقدية والمصرفية. 

فمشروع قانون هيكلة #القطاع المصرفي لا يزال قد الدرس والإعداد في الدوائر الحكومية بعد ملاحظات الوزراء التي لا تزال تخضع للدرس والتمحيص منذ أسابيع، ولم يتمكن الفريق العامل على درسها من فك طلاسمها، وهو ما يؤشر إلى أن لا حلول قريبة للأزمة المصرفية، بل هناك إمعان في تكريس العمليات غير المباشرة لشطب الودائع عبر اقتطاعات قسرية تخضع لها. 

أما على الضفة الأخرى من الأزمة، والمتصلة بالديون السيادية للدولة، فالصمت المطبق هو سيد الموقف، رغم كل التسريبات عن مصير سندات #اليوروبوندز، نتيجة قرب انتهاء المهلة المتاحة أمام حملة السندات لمقاضاة الدولة حول الحق في الفوائد المتراكمة. 

في توقيت مريب غير واضح الأهداف، جرى تداول معلومات عن اعتزام حملة السندات التحرك في الأشهر القليلة المقبلة الفاصلة عن آذار ٢٠٢٥، تاريخ انتهاء مهلة السنوات الخمس الممنوحة لهؤلاء لمقاضاة الدولة بسبب امتناعها عن دفع الفوائد المترتبة عليها. 

لم يصدر أي تحرك أو مبادرة في هذا الاتجاه عن الجهات الأساسية التي تحمل غالبية الأسهم، وهما شركتا "اشمور" و"بلاك روك"، إلى جانب عدد من ال#لبنانيين في الداخل والخارج، والمصارف، الأمر الذي يؤكد صحة المعلومات المتوافرة لـ"النهار" أن لا نية لدى هؤلاء لرفع دعاوى قضائية ضد الدولة، باستثناء تدابير احترازية يجري درسها بتروٍ لحفظ الحق، وذلك لأسباب يدركها المسؤولون اللبنانيون، ولهذا لا يعيرون الموضوع الأهمية المطلوبة. أبرز هذه الأسباب كما يعددها وزير مال سابق أن الدائنين يدركون أن أي دعوى قضائية يحق لهم التقدم بها أمام محاكم نيوريوك لن تؤدي النتيجة المطلوبة منها في تحصيل الأموال من دولة أشهرت إفلاسها، علما أن أي دعاوى محتملة اليوم سترفع من أجل تحصيل الفوائد المتراكمة لا أصل الدين، باعتبار أنه بانقضاء آذار ٢٠٢٥ يفقدون تدريجاً حقهم في الفائدة المستحقة وهو ما يصادف خمس سنوات بعد قرار التعثر عن الدفع المتخذ في آذار ٢٠٢٠، مع الاشارة الى أن أصل الدين يصبح لاغياً بعد عشر سنوات. ولا بد من التذكير هنا بأن استحقاق آذار ٢٠٢٥ هو واحد من أصل ٣٢ استحقاقاً، ذلك أن السندات التي استحقت تعود إلى الأعوام ٢٠٢١، ٢٠٢٢، ٢٠٢٣ و ٢٠٢٤، فيما هناك استحقاقات أخرى تمتد على السنوات المقبلة لم يحن أوانها بعد. 

وفي رأي هذا الوزير أن لا إمكان للحجز على الذهب لأنه ملك المصرف المركزي ويخضع لحصانة القانون القاضي بعدم المس به. ولا مجال للحجز على طائرات "الميدل إيست" لأنها ملك المركزي أيضاً. كما أن الدولة ليس لديها اي ممتلكات في الخارج باستثناء السفارات، وهي تتمتع بالحصانة. أما التفكير في الدعاوى فيعود إلى رغبة حاملي الأسهم في حفظ حقوقهم ومنع سقوطها بفعل مرور الزمن. 

مصدر وزاري يؤكد لـ"النهار" أن الأمر غير مطروح اليوم على طاولة البحث، لا من ناحية فتح باب التفاوض مع حاملي الأسهم، ولا من ناحية السير بخيار طُرح سابقاً ويقضي بشراء الأسهم بأسعار بخسة جداً تتيح للدولة شطب جزء كبير من ديونها (٦ سنت للسهم الواحد). ويكشف المصدر أن الحكومة في صدد البحث في إمكان تمديد مهلة السنوات الخمس لتخفيف قلق المستثمرين من الوقت الضاغط. ويجري العمل مع دوائر قانونية من أجل إيجاد الصيغة الملائمة لهذا الموضوع. 
وبالفعل، كان هذا الأمر موضوع تقرير لمصرف "بنك أوف أميركا" الذي استبعد أن تقوم السلطات اللبنانية بإعادة شراء السندات في المستقبل القريب، مشيراً الى أن الطبقة السياسية ترى في قرار كهذا ممارسة منعزلة وليس جزءاً من خطة شاملة، كما يمكن هذا القرار أن يثير معارضة شعبية تقلل الدعم السياسي له. 

في الموازاة، تستبعد مصادر قانونية أن يلجأ حاملو السندات إلى التحرك اليوم، كاشفة عن نية هؤلاء في شكل عام التريث وعدم التسرع في اتخاذ أي خطوة تعرضهم لخسارة حقوقهم. وتقول إن هؤلاء اعتمدوا سياسة التريث، وقد مضى على ذلك خمس سنوات بحلول آذار المقبل، لأكثر من سبب، أولها أنهم كانوا يتوقعون أن تعمد الدولة إلى فتح باب التفاوض، خصوصاً في ظل الأجواء الإيجابية التي سادت إبان توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث كان الكلام على إمكان التفاوض على استرداد ما نسبته ٢٠ إلى ٢٥ في المئة من قيمة السند الواحد. ومع تأخر البرنامج مع الصندوق وتعثر المفاوضات معه، تحول الاهتمام إلى المجلس النيابي، حيث كان البحث يجري في مشاريع قوانين تحمّل الدولة مسؤولية خسائر المصرف المركزي، بحيث تتيح قوانين مماثلة فتح ثغرة يمكن الولوج منها إلى المقاضاة والحجز على أصول المركزي وممتلكاته بعد دمجه مع الدولة. لكن تلك القوانين لم تصدر بدورها.

يبقى التوقع للمرحلة الفاصلة عن آذار المقبل أن تعمد الحكومة فعلاً إلى تمديد تلك المهلة، على نحو يتيح المزيد من الوقت لحملة الأسهم، وإلا فإن الأشهر القليلة الفاصلة عن آذار اعتباراً من تشرين الثاني المقبل ستحمل تطورات قد لا تكون في حسابات الدولة!