انقسام مصرفي حول شطب الودائع والدولة تتفرج!
الاحداث- كتبت سابين عويس في صحيفة النهار تقول:"في الوقت الذي كان يعوّل فيه على أن تكون زيارة وفد من صندوق النقد الدولي لبيروت مناسبة لتحريك الجمود الحاصل على صعيد إقرار التشريعات الإصلاحية المطلوبة من أجل دخول الاتفاق الأولي الموقع قبل عامين، حيّز التنفيذ، شكّل الغداء الذي أقامه مصرف عودة أول من أمس على شرف الوفد مادة انقسام كشفت التباينات الحادة الحاصلة بين المصرفيين حيال مقاربة طرح شطب الودائع الملحوظ ضمن الإجراءات المقترحة لردّ الودائع في مشروع قانون هيكلة المصارف. ويبدو الانقسام واضحاً بين المصارف الكبرى، بين من قرر السير في اقتراح ردّ الودائع دون الـ١٠٠ ألف دولار، وبين من يرفض الاقتراح، رافضاً تحميل المسؤولية حصراً للمصارف، وتنصّل الدولة من مسؤوليتها تجاه القطاع من خلال المصرف المركزي. واللافت أنها قد تكون المرة الأولى التي يقف فيها المودعون ضد هذا المشروع، فيما تتولى بعض الجهات الترويج أن موقف المصارف المعترضة يعود إلى أن سعيها إلى تحميل الدولة المسؤولية سيتيح لها الحفاظ على مكتسباتها، من دون الأخذ في الاعتبار أوضاع هذه المصارف ومدى قدرتها، خلافاً للمصارف الأخرى، على الدخول في مسار سداد الودائع حتى 100 ألف دولار، وهي في مجملها تلك التي تحمل محفظة الودائع الصغيرة والمتوسطة، أي التي ستكون الأكثر تأثراً بالإجراء.
ينبع جزء كبير من الاعتراض على أن الدولة تسلك الطريق السهل، مدركة تماماً أن الإجراء الآخر المتمثل بإنشاء صندوق استرداد الودائع سيشكل لها المخرج لترحيل المشكلة لعقود مقبلة.
والسؤال يكمن في تحديد ما إن كانت المشكلة اليوم في مجموعة من المصارف ومدى التزامها بقرار الشطب أو عدمه، أو في العودة إلى الجوهر لتحديد مكمن الأزمة وما إن كانت الودائع أو ما بقي منها بعد عمليات التذويب الجارية منذ خمسة أعوام، قد تبخرت فعلاً أم انتقلت من حساب إلى آخر، أي من الحسابات الدفترية للمودعين إلى أصحاب منافع ونفوذ أنفقوا الأموال في غير محلها، واستهلكوها وأهدروها وبات عليهم اليوم أن يعيدوها وأن يتحمّلوا مسؤليتهم في هذا الشأن.
لا تخفي جمعية صرخة المودعين خشيتها من أن تكون المصارف الخمسة التي اجتمعت بوفد صندوق النقد وأولمت على شرف أعضائه (عودة، لبنان والمهجر، بنك ميد، بيبلوس، واللبناني الفرنسي) "قدمت رشى إلى الصندوق لتسويق خطتها التي تشطب قسماً من أموال المودعين"، كما جاء في تغريدة للجمعية على حسابها، كاشفة أن هذه المصارف "طلبت من الصندوق ممارسة الضغوط على القوى السياسية للقبول بخطة دفع 100 ألف دولار وشطب كل مبلغ يفوقه من ميزانية المصارف". واللافت أن اجتماع وفد الصندوق برئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان أطاح في جانب منه الطرح السابق، لجهة اشتراطه أن أي اتفاق مع الصندوق يجب أن يقوم على "ايجاد حل لمشكلة الودائع ومعالجتها بشفافية ووضوح لا من خلال التعمية أو محاولة شطبها"، محمّلاً مسؤولية ضعف الموقف اللبناني للحكومة والمصارف، داعياً أيّ "خطة حكومية تتعامل مع الودائع إلى اعتبارها التزامات لا خسائر وتحديد طرق استرجاعها والجدول الزمني لذلك".
أمام هذه المعطيات المقلقة التي لم يخرج أي مسؤول لينفي صحتها، تبرز مجموعة من الملاحظات والتساؤلات الموضوعة في رسم الفريق المفاوض مع صندوق النقد من جهة والفريق الحكومي العامل على تعديل مشروع قانون الهيكلة من جهة أخرى، لما للإجابات عنها من أهمية في تحديد مصير الودائع في الدرجة الأولى، ومدى جدية الحكومة والمجلس النيابي والتزامهما فعلاً لا قولاً بردّها، كما قال رئيس المجلس نبيه يري أول من أمس لناحية أن المدخل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي والنظام المالي يكون في ضمان إعادة الودائع كاملة لأصحابها مهما تطلب ذلك من وقت.
وأول هذه التساؤلات: إلامَ يستند بري في موقفه، والمجلس النيابي هو الجهة الوحيدة اليوم القادرة على إصدار التشريعات التي تؤمن تحقيق هذا الهدف؟
• هل ستكون عملية رد الودائع ضمن رزمة متكاملة من الإجراءات المدرجة في قانون أم ستقتصر فقط على إسكات صغار المودعين عبر رد مبلغ 100 ألف دولار إذ تشطب الودائع الأخرى من التزامات المصارف، كما تطلب المصارف الخمسة المشار إليها؟
• إن كان الهدف من هذا الإجراء استعادة الثقة بالمصارف، فهل يكفي ردّ 100 ألف دولار لاستعادة هذه الثقة، أم يمعن مثل هذا الإجراء بضربها وضرب ما بقي من القطاع المصرفي؟
• هل ستلتزم الدولة تحمّل مسؤوليتها تجاه المودعين أم ستستمر في سياسة المماطلة وشراء الوقت حتى تذويب ما بقي من أموال المودعين، تحت ستار التعطيل السياسي الذي يحول دون إقرار القوانين المطلوبة؟
في الخلاصة، لا يمكن أن تستقيم هذه الأزمة ما لم تعمد الدولة بمؤسساتها المعنية إلى التزام مزدوج، من أجل إعادة جدولة ديونها من جهة، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي من جهة!