باريس وواشنطن نحو استعادة “تفاهم 1559″؟
الاحداث- كتبت صحيفة "النهار": هل يقترب ملف الازمة الرئاسية في لبنان من استعادة تجربة التنسيق والتفاهم الوثيقين بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا اللذين أديا في عام 2004 الى صدور القرار الدولي 1559؟
السؤال لم يعد مستغرباً أمام الخلفيات الجديدة – القديمة التي تركها تحديد بيان سفراء دول المجموعة الخماسية، الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، الأسبوع الماضي لموعد اعتبر بمثابة “مهلة حضّ” على انتخاب رئيس الجمهورية العتيد قبل نهاية أيار الحالي. وبطبيعة الحال ستمضي هذه المهلة بلا انتخاب الأمر الذي يفسر مضي التحركات الديبلوماسية، إن عبر تحركات السفراء الخمسة في بيروت منفردين ومجتمعين في اتجاه القوى السياسية، وإن عبر ارتفاع معالم التنسيق الفرنسي – الأميركي حيال لبنان. ويبدو واضحاً ان باريس قررت مواكبة الجهد القوي الذي باشره السفراء الخمسة أخيراً من خلال إعادة تنشيط مهمة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت والذي مضت مدة طويلة على آخر جولاته العديدة التي قام بها في بيروت في اطار تكليفه بالمبادرة الفرنسية لحل الازمة الرئاسية.
وفي هذا السياق، أفادت مراسلة “النهار” في باريس نقلا عن مصدر فرنسي رفيع توقعه أن يزور لودريان لبنان الاسبوع المقبل من أجل مناقشة المراحل المقبلة في اطار الديناميكية التي دفعتها اللجنة الخماسية من أجل انتخاب رئيس خصوصاً قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا في احتفالات ذكرى النورماندي في 6 حزيران المقبل حيث أكد المصدر الفرنسي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينوي مناقشة الملف اللبناني مع ضيفه الأميركي.
وعلمت “النهار” أن الرئيس ماكرون أجرى اتصالاً بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وتناول الحديث ملفي لبنان وغزة، وعُلم أن ولي العهد وافق على توصيات ماكرون بالنسبة الى موضوع رئاسة الجمهورية لكن المصدر المعني رفض الخوض في هذه التوصيات وتحدث عن إمكانية القيام بزيارة فرنسية للسعودية.
وفي سياق التوضيحات لطبيعة تحرك السفراء الخمسة أخيراً أعلن السفير المصري في لبنان علاء موسى أن “المجموعة الخماسية ليست في طور تسمية المعرقلين (لانتخاب رئيس الجمهورية) بل تذليل العقبات وأي ضمانات يمكن أن تقدمها تحتاج بداية إلى التزام من الكتل”. وأكد موسى في مجال آخر أن “الدخول الإسرائيلي إلى رفح أضرّ كثيراً بالمفاوضات لكن جهود الوساطة مستمرّة لعلّ الأيّام المقبلة تشهد إعاد إطلاقها”.
في غضون ذلك لم تشهد الحركة السياسية تطورات تذكر فيما وصل رئيس مجلس النواب نبيه بري على رأس وفد ضم وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب وعضو هيئة الرئاسة في حركة أمل خليل حمدان، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب علي حمدان، لتقديم التعزية بوفاة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية حسين أمير اللهيان. والتقى بري والوفد المرافق لاحقاً المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الإيرااني بالوكالة محمد مخبر وقدموا لهما التعازي.
ومثل نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم حزبه في التشييع وستكون كلمة للسيد حسن نصرالله غداً في تأبين يقيمه الحزب للمسؤولين الإيرانيين الراحلين.
صندوق النقد والودائع
ومع انحسار الحركة السياسية برزت حركة مالية ومصرفية لافتة مع اللقاءات الكثيفة التي يجريها في بيروت رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان إرنستو راميريز والوفد المرافق مع مختلف المسؤولين المعنيين بالأزمة المالية والمصرفية، وكان العامل البارز الأساسي في هذه الجولة أن مسالة الودائع احتلت الواجهة فيها.
وهو التقى امس رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان وشكّل الاجتماع استكمالاً للمباحثات التي كان اجراها كنعان مع بعثة الصندوق في واشنطن، حيث جدد تأكيد “أن الاتفاق مع صندوق النقد قائم، وأن الأساس هو العمل على ايجاد حلّ لمشكلة الودائع ومعالجتها بشفافية ووضوح لا من خلال التعمية أو محاولة شطبها”. وأكد كنعان “ضرورة توحيد الكلمة في لبنان ليكون لها وقعها مع المرجعيات الدولية، وهو ما تسعى اليه لجنة المال والموازنة منذ اليوم الأول للانهيار”، لافتاً الى أن “ما من شيء أثر على ضعف الموقف اللبناني وتأخّر انجاز اتفاق عادل يتضمن معالجة الودائع، إلاّ أن الانقسام الحاصل، وبرأيي مسؤولة عنه الحكومة والمصارف”.
كما التقى رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان بعثة صندوق النقد الدولي وقال: “ككل مرة كنا واضحين بأن أي اتفاق قد يبرم مع صندوق النقد من غير الممكن أن يحصل إلا إذا وضعنا حلاً واضحاً وشفافاً وواقعياً ومبرمجا لموضوع المودعين ورد ودائعهم”. واعتبر “أن أي خيار لا يعالج هذه المسألة لا يكون قد وجد الحل للمشكلة، وبالتالي لن يحصل”، مشددا على “أن تأمين الحل لهذه المشكلة واضح وفق خارطة الطريق التي تقضي وبوضوح بتحديد المسؤوليات بالنسبة للديون والالتزامات، أي تحديد مسؤولية الدولة بالأرقام وكذلك مصرف لبنان وكذلك المصارف، وبعد ذلك يقول كل فريق وكل مؤسسة كيف ستتم عملية إيفاء هذه الديون والالتزامات وضمن أي مهلة زمنية”. وشدد على “أن لا أحد يريد أن يبيع أصول الدولة، لكن لن نقبل ان يستمر الهدر والفساد والتهرب والتهريب الجمركي والضرائب، فالدولة نفسها لا تجبي كما يجب ولا تدخل ما يجب أن تدخله من أصولها”.
ثم عقدت الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق محمد شقير، اجتماعاً مع البعثة وتركز النقاش حول متطلبات التوصل الى إتفاق نهائي على برنامج التعافي المالي والاقتصادي وإعادة الهيكلة. وبعدما عرض ريغو موقف ورؤية صندوق النقد حول مختلف النقاط التي تحيط بملف التفاوض مع لبنان، لفت الى “تسجيل بعض المرونة من قبل الاطراف اللبنانية المعنية حيال النقاط العالقة”.
وشدد على “أهمية التقدم وإتخاذ القرارات المناسبة، “لأن الأمور باتت واضحة ولا بد من التلاقي للتوصل الى إتفاق نهائي”.
تزامنت الجولة مع اعلان بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس أن المؤشرات الاقتصادية في لبنان “تظهر بعض علامات الاستقرار، على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها البلاد حاليا”. وقال البنك في تقرير إن الاستقرار في العملة في أعقاب خفض قيمتها وتوحيد سعر الصرف العام الماضي ساهم في تخفيف الضغوط التضخمية الداخلية وأن خفض قيمة العملة ساهم أيضاً في تحفيز تدفقات تحويلات العاملين في الخارج والحد من الواردات وتحسين ميزان المدفوعات وأدى إلى زيادة طفيفة في احتياطي النقد الأجنبي. غير أنه قال إن التحديات الاقتصادية بصفة عامة لا تزال كبيرة، مشيراً إلى استمرار التأثير السلبي للحرب في قطاع غزة على تدفقات السياحة، التي انخفضت بمقدار الثلث تقريباً عما كانت عليه قبل تشرين الاول الماضي.
وقال البنك إن التقدم لا يزال بطيئاً صوب بلورة صفقة مع صندوق النقد الدولي رغم مرور عامين على توقيع اتفاق على مستوى الخبراء تضمن عدداً من الشروط، منها موافقة مجلس الوزراء أو البرلمان على استراتيجية لإعادة هيكلة البنوك ووضع تشريع تمكيني. وقال إنه مع عدم احتمال قيام الحكومة بإعادة رسملة البنوك، تظل كيفية توزيع الخسائر بين المودعين والبنوك والحكومة قضية سياسية شائكة.