من الصحف

انتخاب الرئيس من «حوار» برّي لا من «تشاور» الخماسية

الاحداث- كتب نقولا ناصيف في صحيفة الاخبار يقول:"غزة ثانية وُلِدت. سيُقال قريباً ان انتخاب الرئيس سيطول اشهراً اضافية لانشغال ايران، احد ابرز المؤثرين فيه، بعد مصرع رئيسها بالانتقال الداخلي للسلطة وانتظار انتخابها رئيساً جديداً تعود بعدذاك الى ملفاتها الاقليمية والدولية، منها انتخاب رئيس للبنان ليس في اولوياتها

اكثر من تفسير أُعطي لبيان اجتماع سفراء الدول الخمس الخميس الفائت، لم يرسل اي منها اشارات ايجابية جدية الى قرب انتخاب رئيس للجمهورية. وجد فيه بعضٌ اول إشهار عجز السفراء الخمسة عن إحداث خرق في المأزق والشغور المستمر، فشهدوا في ما ادلى به البيان بما يملكون ان يفعلوا. بعضٌ ثان رأى فيه توجيه اصابع اتهام الى الثنائي الشيعي واحراجاً موجّهاً الى رئيس البرلمان نبيه برّي على انه الفريق الذي يعرقل الاستحقاق. بعضٌ ثالث لاحظ ان البيان اكتفى بما عنده دونما إبراز مقترحات جديدة على غرار ما فعل قبلاً، عندما لمّح مرة الى عقوبات على المتسببين بعرقلة انتخاب الرئيس ومرة الى مواصفات وثالثة الى الايحاء بمرشح مستقل. خامس اجتماعاتهم اكمل دورة التناوب على استضافتهم في مقارهم تباعاً ليس الا.اما المحسوب في مرحلة ما بعد بيان الخميس، فلا يختلف عما رافق الاستحقاق في الاشهر الطويلة المنصرمة من الشغور:
1 - لا اجتماع وشيكاً للسفراء الخمسة من الآن الى 15 حزيران على الاقل، ريثما تعود السفيرة الاميركية ليزا جونسون الذاهبة في اجازتها السنوية الى بلادها.
2 - برّي جاهز لتوجيه دعوة الى حوار بالشروط التي سبق ان حددها مراراً وبمواصفات الحوار: انعقاده في ساحة النجمة، تتمثل فيه الكتل بممثل او اثنين عنها، توجّه الدعوة اليه من الامانة العامة للمجلس، يترأسه رئيسه الا اذا اراد اخلاء مقعده لنائبه الياس بو صعب.
3 - الموقف المعلن يومياً لدى كتل المعارضة، ونوابها فرادى، انها لا تشارك في حوار بالمواصفات التي يدعو اليها برّي. تقبل بأقل من نصفه: تشاور لا حوار، تقترن الدعوة اليه بتحديد جلسة بدورات متتالية - لا جلسات بدورات متتالية - يصير على الاثر الى انتخاب الرئيس اياً يكن مآل التشاور الذي يسبقه.
4 - على طرف نقيض مما تدلي به المعارضة، ليس الحوار الذي ينادي به برّي الا ما يعنيه المصطلح في ذاته: حوار، لا تشاور في قاعات جانبية وصالونات سياسية متفرقة. جلوس الافرقاء جميعاً الى طاولة واحدة للخوض الجدي في الاستحقاق. ما يقوله رئيس المجلس انه لا يمانع في استبدال كلمة «حوار» بكلمة «تشاور». على ان المقصود اولاً واخيراً هو الشروط والمواصفات المطبقة على هذا وذاك.
5 - جدول اعمال الحوار الذي يدعو اليه برّي يقتصر على الخوض في سبل التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية بخياريْن على الاقل: مرشح متوافق عليه او مرشحان يتنافسان من ضمن معايير الاطمئنان التي يطلبها كلا الاصطفافين المتناقضين.
يؤول ذلك الى وضع هذا الحوار في سياق الانقسام الحالي:
فريق كالثنائي الشيعي وحلفائه يقول انه يريد رئيساً يطمئن اليه في المهمة المنوطة به وهي ان لا يطعن المقاومة في ظهرها، ويعيد تصويب العلاقات اللبنانية - السورية لا سيما ما يرتبط بوجود النازحين السوريين في لبنان، والاستراتيجيا الدفاعية، انتهاء بالمعالجات الاقتصادية. لذا يتمسك بترشيح رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية على انه الوحيد الذي يبعث فيه الاطمئنان في مقاربة حلول المعضلات هذه.
فريق ثان يغلّب المواصفات على المهمة والاسم هو بعض سفراء الدول الخمس خصوصاً الفرنسيين الذين يوكلون المواصفات هذه الى الموفد الرئاسي الخاص جان ايف لودريان على انه اول مَن اطلق الدعوة اليها واجرى مشاورات عدة في بيروت بناء عليها.
فريق ثالث يغلّب الاسم على المهمة والمواصفات كالذي تمثله كتل المعارضة المسيحية باقتراحها في العلن على الاقل، مذ جلسة 14 حزيران 2023، الوزير السابق جهاد ازعور مرشحاً توافقياً او منافساً لفرنجية، وتقارب انتخاب الرئيس على انه استحقاق دستوري في ذاته منفصل عن اي اجراء آخر الى ان يُنجز.

الخماسية معلقة الاجتماعات الى ما بعد عودة جونسون من اجازتها


6 - من السذاجة الاعتقاد ان رئيس المجلس سيوجّه دعوة الى جلسة ليس معروفاً سلفاً مَن يُنتخب للمنصب. ذلك المقصود بالاصرار على الحوار على انه مدخل الى انتخاب الرئيس. بذلك تصبح المدة المخصصة للحوار ثانوية. خلافاً لما اورده بيان السفارة الاميركية باسم السفراء الخمسة عندما تحدث عن «مشاورات محدودة النطاق والمدة»، يقف الحوار الذي يطالب به برّي في مقلب معاكس: ليس حواراً شكلياً ولا عابراً تبريراً لانعقاد جلسة الانتخاب بدورة او اكثر، بل قاعدة الاتفاق على الرئيس المقبل توافقاً او انتخاباً. ذلك ما يفرّق الحوار عن التشاور.
7 - في الاشهر الماضية من الشغور الرئاسي تيقن الافرقاء جميعاً ان اياً منهم، في ظل موازين القوى القائمة حالياً، لا يملك ان يُحْدث خرقاً يكسر شروط الآخر ويرغمه على الذهاب الى جلسة انتخاب مرشحه. السفراء الخمسة بدورهم، دونما ان يتوهموا بما يمكنهم ان يفعلوا، تحققوا هم ايضاً من عدم قدرتهم على إحداث الخرق بما في ذلك استنباطهم الكلام عن مرشح ثالث يصير الى التوافق عليه. ليس لهم ان يرشحوا احداً وأظهروا اخفاقهم في تبريد الرؤوس الحامية في الاصطفافين المتناقضين إما بحمْل الثنائي الشيعي على التخلي عن رئيس تيار المردة او حمْل خصومه على القبول به. للسفراء الخمسة ايضاً مآزقهم الوافية بما لا يحيلهم كتلة واحدة متراصة متماسكة مهابة: فيهم مَن يتحدث مع الافرقاء جميعاً كالفرنسيين والقطريين والمصريين، وفيهم مَن لا يتحدث مع حزب الله والتيار الوطني الحر كالاميركيين، وفيهم مَن لا يتحدث مع حزب الله وفرنجية كالسعوديين. لكل مَن هؤلاء نزوع الى مرشح دون آخر، من دولهم ايضاً دخلت في السباق الرئاسي اسماء جديدة.