شورى الدولة يوقف تنفيذ استدعاء القنصل: القضاء التركي يغرّم «الخارجية»
الاحداث- كتبت ندى أيوب في صحيفة الاخبار تقول:"وسط أزمة مالية حادّة دفعت بوزارة الخارجية والمغتربين إلى اعتماد خطةٍ تقشّفية استُغني فيها عن موظفين، وتتضمّن خفض عدد البعثات الدبلوماسية، صدر حكم قضائي تركي بتغريم الوزارة «نحو 50 ألف دولار»، وفق مصادر في الوزارة، و«5 آلاف دولار لا غير» وفق مصادر مطّلعة (!)، وذلك لمصلحة موظّفٍ تركي سابق في قنصلية لبنان في إسطنبول.واللافت أن الحكم ما كان ليصدر على هذا النحو، ربما، لو أنّ القضية المرفوعة منذ عشر سنواتٍ على القنصلية حظيت بالمتابعة اللازمة، إذ تبيّن إهمال مراسلات عدة حول القضية وصلت إلى السفارة اللبنانية في أنقرة والقنصلية في إسطنبول. وعليه، بدأ تقاذف المسؤوليات، إذ أصدر الأمين العام للخارجية السفير هاني شميطلي قراراً باستدعاء قنصل لبنان في إسطنبول مازن كبّارة إلى بيروت، ما يعني عملياً إعفاءه من مهامه رئيساً للبعثة، فيما تقدّم كبّارة بدعوى أمام مجلس شورى الدولة لإبطال الاستدعاء. وأصدر «الشورى»، في آذار الفائت، قراراً مؤقتاً بوقف تنفيذ الاستدعاء لثلاثة أشهرٍ (حتى حزيران)، لمزيدٍ من درس الملف، وطلب مستنداتٍ إضافية من «الخارجية» لإثبات اتهام شميطلي لكبّارة بـ«الإهمال الوظيفي المتعمّد، وعدم استحقاق مصلحة الدولة». علماً أنّ القضية مرفوعة منذ 11 عاماً، عندما كان شميطلي قنصلاً في إسطنبول، على أن يصدر «الشورى» لاحقاً قراره النهائي في ما إذا كان كبّارة قد ارتكب مخالفةً تستوجب استدعاءه. وإلى حينه، سيستمر الأخير في مهامه.
وتعود القضية إلى عام 2013، عندما رفع موظف تركي بعد استقالته من القنصلية دعوى أمام محكمة العمل التركية ضد البعثة لعدم تسجيله في الضمان الاجتماعي منذ بداية عمله فيها في التسعينيات. وكلّفت «الخارجية» آنذاك شميطلي بتوكيل محام، وتفيد مصادرها بأنّه «بالتنسيق مع المحامي، جرى العمل في مرحلة أولى على رد الدعوى في الشكل لأن المحكمة أرسلت التبليغ مباشرة إلى القنصلية، وطلب التبليغ وفق الأصول الدبلوماسية. وإلى أن غادر شميطلي المنصب عام 2017، لم يكن التبليغ قد تمّ وفقاً للأصول، فأعطى توجيهاته بعدم التبلّغ إلا في حال سلكت الأمور المسار الدبلوماسي، ليتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، أي البحث في المضمون، وتقديم ما لدى القنصلية من أجوبة وأدلة».
ومنذ ذلك الوقت، لم تصل إلى الإدارة المركزية في بيروت أيّ مراسلة متعلقة بالقضية، حتى كانون الأول 2023، حين راسل كبّارة شميطلي (بصفته الأمين العام) يبلغه بالحكم النهائي الصادر عن محكمة العمل التركية بدفع مستحقاتٍ مالية للموظف وغرامة للضمان الاجتماعي التركي. عندها، انتدبت «الخارجية» سفيراً أجرى تحقيقاً مسلكياً، ووفق مصادر الوزارة «رفع تقريراً ليس في مصلحة كبّارة الذي تبيّن أنه أهمل مراسلاتٍ وصلت إلى القنصلية في شباط 2022، تتضمّن تقديراً لما سيتوجب على القنصلية دفعه، مع مهلة أسبوعين للرد عليها، وتحديد جلسة في حزيران 2022، واعتبار عدم الرد بمثابة موافقة». عندها كلّف شميطلي المستشار كريم خليل بالتوجه إلى إسطنبول لتسلّم شؤون القنصلية من كبّارة الذي صدر قرار باستدعائه. وبسبب تجميد «الشورى» للاستدعاء، بقي خليل في تركيا يهتم بالملف القضائي تحديداً تمهيداً لاستئناف الحكم، وفي حال حكم «الشورى» بالسير في الاستدعاء، يتولى خليل رئاسة القنصلية.
بعدما أوقف «شورى الدولة» مؤقّتاً استدعاء القنصل يوجد في إسطنبول اليوم قنصلان
في المقابل، تشدّد مصادر مطّلعة على أنّه «بخلاف ما يشيعه شميطلي، فإنّ التعويض المحكوم به هو نحو 5 آلاف دولار فقط لا غير»، واضعةً «التضخيم» في سياق «الإيحاء بارتكاب كبّارة لمخالفة كلّفت الدولة مبلغاً كبيراً، ما يستدعي معاقبته باستدعائه إلى بيروت». وتؤكّد المصادر أنّ كبّارة الذي تسلّم مهامه القنصلية عام 2019 «لم يتبلّغ بأيّ مستند مرتبط بالقضية عام 2022، بسبب حفظ الموظفين للمراسلات القضائية في الأرشيف نزولاً عند التوجيهات السابقة لشميطلي». وتوقّفت عند طريقة تعاطي الأمين العام مع الدبلوماسيين مثل «الطلب من كبّارة تقديم دفاعه عن نفسه خلال ثلاثة أيام، ومن ثم حسم 7 أيام من راتبه، وأخيراً استدعاؤه إلى بيروت التي كان يفترض أن يحضُر إليها بحسب قرار شميطلي بحلول 15 آذار».
ولأن الاستدعاء وفق نصّ المادة 26 من نظام الوزارة يتحدّث عن «استدعاء للتشاور لمدة أقصاها شهر وتمهيداً لنقل الدبلوماسي إلى مكان عملٍ آخر»، تقدّم كبّارة بطلب الإبطال وحصل على قرار مبدئي مؤقّت من «الشورى». ووصفت المصادر قرارات الاستدعاء الكثيرة الصادرة عن «الخارجية» بحقّ دبلوماسيين جرى الإبقاء عليهم في الوزارة في بيروت، بـ«البدعة والتحايل في تفسير النصّ». إضافة إلى أن «تكليف المستشار خليل بالبقاء في إسطنبول، سيكّلف الوزارة بدل مهمةٍ تتخطّى قيمته مجمل التعويض المحكوم بتسديده للموظف».
كغالبية إدارات الدولة المهترئة، تعاني وزارة الخارجية من مشاكل غير بسيطة تترك أثرها على سير العمل، وعلى الجانب المالي. لكنّ خصوصية «الخارجية» تُضفي على ملفاتها حساسية كبرى. وبعيداً عمّا سيكون عليه قرار «الشورى»، وعلى من سترسو المسؤولية عن هذا «التخبيص»، يُلاحظ تكرار تعرّض البعثات الخارجية لإشكاليات مرتبطة بقوانين العمل في دول الاعتماد، وهو ما يؤّثر على سمعة لبنان التي يفترض أن السفراء يُبعثون في العادة لتلميعها.