رحلة البحث عن "حسّان دياب ماروني"
الاحداث- كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن تقول:"في الشكل، لا متغّير جوهرياً على لعبة الشطرنج الرئاسية: لا يزال ترشيح سليمان فرنجية ثابتاً، مرتكزاً على اصطفاف متماسك يشكّل الثنائي الشيعي عموده الفقري. كما قال رئيس «المرده» أمام سفراء الخماسية. بدا الرجل وكأنه أنجز كلّ استعداداته الموسّعة من خلال تقديم إجابات متكاملة أوحت وكأنه يستعرض برنامجه الرئاسي ومقارباته حيال كل الملفات الدقيقة، مذكرّاً بسجّل مواقفه لا سيما تجاه دول الخليج. اذ حرص فرنجية على التأكيد أنّه محصّن بدعم حلفائه وهؤلاء بلوك متراص يصعب خرقه، وكأنّه بذلك يلمّح إلى أنّ محاولات فرز الثنائي الشيعي عن بعضهما البعض صعبة.
في الشكل أيضاً، بات هناك شبه قناعة أنّ مساعي فصل الحرب الدائرة في الجنوب عن الاستحقاق الرئاسي، صعبة ومعقدة وغير قابلة للمعالجة، وبالتالي لا كلام جدياً في مصير الرئاسة اذا لم تتوقف لغة الحديد والنار. فرضت التطورات المتسارعة في المنطقة، والتي بات لبنان جزءاً من حراكها «الاشتباكي»، أجندة رئاسية يصعب عزلها عن محيطها السياسي والعسكري، انطلاقاً من قاعدة أنّ ميزان الربح والخسارة الذي ستنتهي إليه التطورات في الخارج، هو الذي سيتحكّم بهوية الرئيس المقبل ودوره. ولهذا يسود الاعتقاد أنّ كلّ المساعي الحاصلة ليست سوى من باب تقطيع الوقت.
ولكن في العمق، يبدو أنّ شيئاً ما حصل، وهو بصدد التبلور، وقد يفضي إلى إحداثيات جديدة في الملف الرئاسي... والإشارة أتت هذه المرة من عند السفيرة الأميركية ليزا جونسون. يقول مواكبون لحراك سفراء الخماسية إنّه، وخلافاً للقاءات سابقة، أبدت السفيرة الأميركية خلال الجولة الأخيرة للسفراء اندفاعة ملفتة في مبادرتها على التقاط الحديث نيابة عن بقية زملائها المشاركين، من باب الدفع باتجاه تشجيع القوى اللبنانية على إجراء الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد.
وفق هؤلاء، لا يمكن تجاوز إصرار ممثل الدبلوماسية الأميركية على إنجاز الاستحقاق، وكأنه لم يحصل، لكونه يحمل رمزية لها دلالاتها. صحيح أنّه سبق لأكثر من مسؤول أميركي أن أعلن بشكل واضح وصريح وحاسم أنّه على القوى اللبنانية المسارعة لانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن بالنسبة لمواكبي حراك الخماسية، لهذه الجولة مقتضياتها واعتباراتها المستجدة.
يشير هؤلاء إلى أنّ الدفع الأميركي الجديد يتزامن مع معطيَين اثنين طارئين:
- الأول هو مشهد التوتر الذي سيطر على الداخل اللبناني بعد حادثة مقتل باسكال سليمان وما تبعه من سجالات سياسية حملت منحى طائفياً، فيما صبّ عامل النزوح السوري الزيت على النار، ليجعل منه بركاناً مشتعلاً يمكنه أن ينفجر في أي لحظة ويطيح ما تبقى من هيكل الدولة والاستقرار الأمني.
- الثاني هو الرحلة المفاجئة التي قام بها المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان إلى واشنطن للقاء مسؤولين أميركيين ومنهم آموس هوكشتاين، حيث كان الملف الرئاسي في صلب المحادثات من باب العمل على تنسيق الجهود والمساعي في الملف الرئاسي.
ويرى المتابعون أنّ الخضّة الأمنية - السياسية التي تعرّض لها لبنان خلال الأيام الماضية، والتي أثبتت بـ»الوجه الشرعي» أنّ الوجود السوري عامل مفجّر قد يقلب الطاولة رأساً على عقب، دفعت بباريس تحديداً إلى دقّ ناقوس الخطر أمام الأميركيين لإقناعهم بالتحرك سريعاً لتطويق الوضع بعدما بلغ حافة الانهيار الفعلي بدرجات متقدمة، من خلال العمل جدياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، لا سيما وأنّ المعلومات تشير إلى أنّ مسؤولين أميركيين تدخّلوا بشكل مباشر وحاسم إثر وقوع حادثة سليمان من باب التهدئة ومنع انفلاش حالة التوتر.
وفق هؤلاء، هذا لا يعني أبداً أنّ رئيس المجلس نبيه بري سيسارع إلى فتح أبواب البرلمان لاستئناف الجلسات الانتخابية المتوقفة منذ 14 حزيران الماضي، ولكنه قد يعني أنّ ثمة دينامية جديدة قد تلجأ إليها واشنطن، بالتنسيق مع باريس لترتيب اتفاق اقليمي - محلي يفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. صحيح أنّه قد يكون من الصعوبة انجاز الملف المعلّق منذ أكثر من 18 شهراً، من دون انقشاع رؤية الاشتباك الحاصل على الحدود وخلفها، ولكن يبدو أنّ قطار الرئاسة انطلق بدفع أميركي هذه المرة، ولو أنّه يحتاج المزيد من الوقت والجهود لكي يصل الى وجهته. وما تقوم به الخماسية في هذه الأثناء، هو بمثابة تحضير الأرضية وتعطيل بعض الألغام.
ويؤكد هؤلاء أنّ كلّ الإشارات تدلّ على أنّ هذا الدفع سيصبّ في مصلحة مرشح ثالث. من هنا يتركز البحث عن مرشح بمواصفات رئيس الحكومة السابق حسان دياب، بمعنى أن يكون مقبولاً من كل القوى السياسية، ولا يشكّل خطراً على القوى المسيحية.
ويشير هؤلاء إلى أنّ اهتمام «الخماسية» لا ينحصر بالملف الرئاسي فقط، وإنما يتوسّع ليشمل الحكومة، رئاسة ودوراً، لكونها ستقود المشروع الإصلاحي - الإنقاذي المفترض أنّه سيكون على متن التسوية السياسية. ولذا يجب أن تتوفر سلسلة مواصفات برئيس الحكومة المقبل، كأن يكون قريباً من دول الخليج وغير معادٍ للثنائي الشيعي، وغير منغمس بالفساد، منخرط في العمل السياسي، ولكن يتعامل مع موقعه من منطلق إداري وليس زعاماتيّ بمعنى لا يسعى إلى أي زعامة، ليقود حكومة قادرة ومدعومة من القوى السياسية.