"الدولار المصرفي" مجزرة مستمرّة
الاحداث- كتب غسان عياش في صحيفة النهار يقول:"التأخّر في إقرار قوانين الإصلاح المصرفي ليس عفويا، بل هو سياسة متعمّدة من قِبل السلطات بقصد تمرير سنوات طويلة يجري خلالها تذويب الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية. يتمّ التذويب عن طريق هرطقات التعاميم وبدعة "الدولار المصرفي" المخالفة للدستور والقانون والقواعد السليمة في إدارة الشأن المالي.
ومن حسن حظّ هذه السلطات أن ظروفا غير منتظرة تحدث في لبنان أو في محيطه تعطي الحكومة ومجلس النوّاب الحجج والذرائع لتأجيل سنّ القوانين واتّخاذ القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة. ففيما كان المودعون ينتظرون تحديد ما ليس بحاجة إلى تحديد، وهو "الدولار المصرفي"، اندلع أوّل صراع عسكري مباشر بين #إسرائيلو#إيران. وبين الردّ الإيراني والردّ الإسرائيلي المحتمل، تأخذ الحكومة ومجلس النوّاب فرصة طويلة لتأجيل القرارات الملحّة، على حساب المودعين.
خلافا لتسميته "لبنان الكبير" عند إنشائه، قبل قرن ونيّف، بات لبنان اليوم بلدا صغيرا، تتلاعب به الرياح في منطقة تتميّز بقوّة الأعاصير التي تعصف بها من كل حدب وصوب.
ليلة الصواريخ البالستية والمسيّرات نقلت الصراع الإقليمي إلى مستوى جديد، ورفعت الستارة عن فصل جديد في المنطقة وهو الحرب المباشرة بين أكبر قوّتين عسكريتين في الشرق الأوسط. لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن نتائج هذا التطوّر المدمّر ما دام جزءٌ منه مرتبطا مع إيران بحلف وثيق، معزّز بالمال والسلاح والعقيدة الدينية.
عاملان بإمكانهما الحدّ من مخاطر الجغرافيا السياسية على وجود الكيان اللبناني وديمومته، وهما وحدة الشعب وقوّة الدولة، إلا أن كل التطوّرات الوطنية تسير بعكس هذا الاتّجاه فتعزّز انقسام الشعب وتفكّك الدولة. النموذج اللبناني لانحلال الدولة لا يقتصر على انقسامها على نفسها وشللها وعجزها عن إدارة الشؤون والمرافق العامّة، كما هو واقع الحال، بل يتعدّى ذلك إلى انحراف أخلاقي خطير.
السلطات العامّة تتآمر، وهي بكامل وعيها، لكي تحرم اللبنانيين من ودائعهم المصرفية وحقوقهم المشروعة. فالتأخير في صياغة وإقرار برنامج للإصلاح المصرفي بقصد سدّ الفجوة الكبيرة في النظام المالي لم يعد، بعد خمس سنوات، مجرد إهمال أو تقصير، بل غدا إمعانا من الدولة وبعض المصارف في دفع المودعين لخسارة أموالهم عن عمد.
بإجبار المودعين على تحويل أموالهم بأسعار صرف بخسة وظالمة يكون شطب الودائع قد تحقّق برضا المودعين ولو بالقهر، وتصبح الحكومة في حِلّ من وضع قوانين جائرة تعرّضها لسخط الشارع وغضب الرأي العام.
أشهر عدّة انقضت قبل تحديد سعر الصرف الذي سيُعتمد في تحويل أجزاء صغيرة من الودائع باللولار إلى #الليرة اللبنانية، وقد تردّد كثيرا أن السعر المنتظر سيكون في حدود 25 أو 30 ألف ليرة. إلا أن المراجع المعنية تردّدت في توقيع القرار لعلمها أن تحديد هذا السعر بأقلّ من 89 ألف ليرة هو مجزرة جديدة بحقّ المودعين وظلم يقع عليهم من دون مسوّغ. فليس من حقّ الحكومة أو وزير المال أو مصرف لبنان تحديد سعر صرف اعتباطي لليرة. فمنذ صدور قانون النقد والتسليف، اعتُبر سعر الليرة هو ذلك الناتج يوميا عن العرض والطلب.
إن أي قرار مخالف، من حيثما أتى، يُعتبر مذبحة جديدة للمودعين، بتوقيع الدولة هذه المرّة، لأن العُرف المستمرّ من أكثر من نصف قرن يعتبر ان العرض والطلب في سوق القطع هما اللذان يحدّدان سعر الصرف، من دون تدخّل أو قرار من أي مرجع كان.
من جهة أخرى، فإن قرار مجلس شورى الدولة في شباط الماضي أبطل نصّا ورد في ما سُمّي "استراتيجية النهوض بالقطاع المالي" يقضي بإلغاء قسم من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف، وتبعا لذلك شطب قسم من الودائع بالعملات الأجنبية. فتحديد سعر الدولار المصرفي بسعر يقلّ عن السعر المعلن يؤدّي بشكل من الأشكال إلى شطب قسم من الودائع.
ومن المفيد التذكير بأن تعميم مصرف لبنان رقم 167 نصّ على ضرورة إعادة تقييم موجودات المصارف ومطلوباتها على سعر صرف الدولار المعتمد في السوق أي 89500 ليرة، ولا يجوز إخضاع الودائع بصورة اعتباطية لسعر مختلف.