باسكال سليمان الذي عاد من سوريا مستشهداً
الاحداث- كتب نجم الهاشم في صحيفة نداء الوطن تقول:"قد يكون من قدر منسّق «القوات اللبنانية» في جبيل، باسكال سليمان، أن يدخل إلى سوريا مقتولاً ومخطوفاً في سيارته، ليل الأحد 7 نيسان الحالي، وأن يعود منها شهيداً. لم يسبق أن استطاع أي قيادي أو أي منتمٍ إلى «القوات» الدخول إلى سوريا حيّاً والعودة منها حيّاً. كان الإنتماء إلى «القوات» تهمة جاهزة للإعتقال والدخول إلى السجون السورية. وكان الخروج من هذه السجون بمثابة حياة ثانية تكتب لمن يقع في قبضة المخابرات السورية.
قد يكون يوم 15 كانون الأول من العام 2000 آخر تاريخ أطلق فيه النظام السوري الدفعة الأخيرة من المعتقلين اللبنانيين في سجونه، ومن بينهم متّهمون بالإنتماء إلى «القوات». ربّما حصل بعد ذلك أن تمّ إطلاق موقوفين بشكل إفرادي، ولكن سياسة تعاطي النظام السوري مع معارضيه اللبنانيين والسوريين لم تتبدّل. بعد تلك الدفعة بقي مصير نحو 630 معتقلاً في تلك السجون مجهولاً، ولا يزال البحث عن مصيرهم مستمراً لأنّ النظام لا يعترف أصلاً بوجودهم فكيف سيعترف بقتلهم؟
النظام السوري والجريمة
لم يكن باسكال سليمان ليفكّر بالذهاب إلى سوريا في أيّ حال من الأحوال. ولكن لم يخطر في باله وفي بال أحد أنّ الذين خطفوه وقتلوه سينقلونه إلى داخل سوريا عبر أحد المعابر التي يسيطرون عليها. ولم يكن باستطاعة المخابرات السورية أن تلقي عليه القبض بعد قتله، وربّما لم يكن باستطاعة النظام السوري أن يخفي الجريمة والجثّة، وأن يمتنع عن إعادة سليمان إلى لبنان وتسليمه إلى الجيش في مهمة تولّى الصليب الأحمر القيام بها.
ربّما لم يكن النظام السوري على علم بهذه الجريمة. وربّما تفاجأ أيضاً بحصولها وبأنّ سليمان صار داخل سوريا مقتولاً. وربّما لا يسيطر النظام السوري على كل المعابر البرية بين سوريا ولبنان. وهذا الأمر يعكس الثغرات الكبيرة الموجودة في نظام لا يمكنه أن يسيطر حتى على مناطق محسوبة عليه في دولة باتت مفكّكة ومقسّمة بين جيوش وميليشيات عديدة. وهذا ما يجعله مقرّاً آمناً لعصابات كثيرة تنتقل بين البلدين بحكم وجود معابر خاصة بها، أو أخرى يستخدمها «حزب الله» بتسهيل من النظام نفسه نظراً لحاجته إلى دعم «الحزب». وهو لذلك يترك له ولإيران حرية العبور جوّاً عبر المطارات، وبرّاً عبر الحدود وصولاً إلى لبنان في عمليات نقل الأعتدة والأسلحة والصواريخ والمساعدات.
طريقة تصرف النظام السوري في قضية باسكال سليمان تترك خلاصات عديدة. من الأرجح أن النظام لم يكن على علم بهذه العملية على رغم مشاركة عدد من السوريين بها، إلى جانب عدد من اللبنانيين. دور هذا النظام تظهّر في أكثر من مستوى: الأول الوصول إلى المكان الذي ألقيت فيه جثة سليمان وتصويرها وتوزيع الصور والفيديو. والثاني تسهيل تسليم المتّهمين السوريين الثلاثة إلى الجيش اللبناني، والثالث تسليم جثة سليمان بواسطة الصليب الأحمر وكل ذلك حصل من خلال التواصل الأمني، وعلى رغم معرفة النظام بانتماء سليمان إلى «القوات اللبنانية» وبتفاصيل عملية خطفه وقتله.
سيارة الموت ومركب الموت
في الأساس لم يبدّل النظام السوري من عاداته القديمة. في 21 أيلول من العام 2022 كان مركب ينقل مهاجرين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين من شمال لبنان في اتجاه قبرص، ولكنّه غرق مقابل طرطوس في سوريا وتمكّن عدد من الناجين من الوصول إلى الشاطئ السوري حيث نقلوا إلى المستشفيات. أحد هؤلاء، فؤاد حبلص، اختفى من المستشفى وتبيّن لاحقاً أن المخابرات السورية ألقت القبض عليه بتهمة دعمه سابقاً للمعارضة السورية، وحوّلته إلى فرع الأمن العسكري في دمشق. ولكن بعد المراجعات والوساطات الرسمية والشخصية أفرج النظام عن حبلص في 21 تشرين الثاني حيث تسلمته السلطة اللبنانية عبر معبر العريضة.
مَثَل حبلص لا يشبه مَثَل باسكال سليمان الذي لم يكن هناك أي مبرر لدى هذا النظام لاعتقال جثته أو لإخفاء العملية كلّها وعدم الإعتراف أصلاً بوجوده في سوريا أو بدخوله إليها في سيارة الموت. وهذه نقطة ضعف أخرى تضاف إلى نقاط ضعف النظام الذي لا يسيطر على معابره ولذلك لم يعد من المستغرب كثيراً وجود هذا الإختراق الإسرائيلي الكبير للأمن السوري في كل سوريا، وهو اختراق يستهدف القوات الإيرانية في سوريا وميليشيا «حزب الله»، من دون النظام ورئيسه، وليست عملية قصف القنصلية الإيرانية في دمشق أول هذه الإختراقات وقد لا تكون آخرها.
جريمة باسكال وجريمة أنصار
تشبه عملية الكشف عن قتل باسكال سليمان وظروف تسلّم عدد من المشاركين في العملية ظروف جريمة أنصار في الجنوب التي قُتلت فيها الأم باسمة عباس وبناتها منال، وتالا، وريما صفاوي في 2 آذار 2022 بعد استدراجهنّ من منزلهنّ قبل أن تنقطع أخبارهنّ لتظهر بعد ذلك حقيقة الجريمة التي ارتكبها حسين فيّاض بمساعدة شريكه السوري حسن الغنّاش. اذ قاما بقتل النسوة الأربع ودفنهنّ في مغارة. وفي حين لم تتحرّك الأجهزة الأمنية والقضائية فوراً لكشف ملابسات اختفاء الأربع وعدم توقيف فيّاض على رغم الإشتباه بعلاقته بالجريمة، تمكّن الأخير من الإنتقال إلى سوريا بعدما كان سبقه إلى هناك شريكه السوري.
ولكن مخابرات الجيش تمكّنت من توقيف فيّاض الذي تعرّض لعملية سرقة أوراقه الثبوتية وأمواله، لدى انتقاله إلى داخل سوريا عبر أحد معابر التهريب، وهذا الأمر ساهم في أن يقنعه شقيقه بأن يعود إلى لبنان حيث ألقي القبض عليه في 21 آذار، وخلال التحقيق معه اعترف بمجريات الجريمة. لاحقاً، بعد ثمانية أيام، تمكّنت مخابرات الجيش أيضاً من استدراج السوري حسن الغنّاش، وتوقيفه. إلقاء القبض على فيّاض وغنّاش حصل نتيجة تعاون «مخبر» يعمل مع العصابات التي تستخدم هذا المعبر بعدما تعرّف إليهما عند دخولهما إلى سوريا وسهّل عملية استدراجهما واعتقالهما بعدما كانت اكتشفت عملية القتل.
الفارق بين جريمة أنصار وجريمة سليمان أنّ الأولى كانت محدودة نُفِّذت بدوافع شخصية، والثانية كانت منظّمة ومخطّطة وكاملة شاركت فيها مجموعة من الأشخاص الذين لم يتمّ توقيفهم جميعاً بعد. والجامع بينهما أن المنفّذين انتقلوا إلى سوريا بالطريقة نفسها، وربّما من المعبر نفسه. والجامع أيضاً التمكن من استعادة المنفذين بالطريقة نفسها. في قضية باسكال ثمّة مخبر أيضاً ساعد في الكشف عن الجناة. وعلى رغم تكرار هذه العمليات، لم يتم إغلاق هذه المعابر غير الشرعية. وهنا يأتي السؤال عمّا إذا كانت هذه المعابر هي بخدمة العصابات التي يحكى عنها فقط. ولو كانت كذلك فلماذا لا يتم إقفالها والإمساك بالحدود الخارجة عن السيطرة في لبنان وفي سوريا أيضاً.
إذا كان عدم الكشف المبكر عن جريمة أنصار مكّن المنفذين من اللجوء إلى سوريا، فإنّ قتل سليمان ونقله إلى هناك جاء في ظروف مختلفة. على رغم أنّ الكشف عن عملية الخطف والقتل تمّ في اللحظات الأولى لحصولها إلا أن الأجهزة الأمنية لم تنجح في التحرك بسرعة لتعقّب الخاطفين والقتلة، الأمر الذي سمح لهم بالإنتقال بسيارته من جرد جبيل إلى طرابلس ثم إلى عكار والهرمل والحدود مع سوريا والدخول إليها عبر ذلك المعبر الفالت.