سياسة

طار الدولار .... وطيّر معه القليل المتبقي في جيوب الناس

الاحداث- ها هي السلطة على عادتها، تأتي متأخّرة، فقرّرت ان تشّمر عن سواعدها وتنزل الى ساحة المعركة، وخصّصت ‏اجتماعاً لمجلس الوزراء اليوم لبحث الازمة الاقتصادية والمالية، وهو عنوان أقلّ ما يُقال فيه إنّه أقبح من ذنب، ‏فماذا ستبحث بعدما وقعت الواقعة وانهار البلد؟ وعلى ما يقول أحد كبار المسؤولين بحسب "الجمهورية": "الآن استفقتم لبحث الأزمة، ‏‏"يطعمكم الحجّة والناس راجعة"، الناس شبعت اجتماعات، خذوا قرارات بحجم الأزمة ونفذوها، واشعروا الناس ‏بقليل من الأمان‎"! 
ويضيف: "لقد تجاوزت التشاؤم الى ما هو أبعد وأسوأ، ولا انتظر من سلطة لا تملك شيئاً ان تعطي شيئاً، ‏والتجربة معها تجعلنا متيقنين بأنّ جلسة مجلس الوزراء اليوم ليست سوى محطة اضافية لتضييع الوقت، وبالتالي ‏ليست اكثر من حلقة جديدة تُضاف الى مسلسل الاجتماعات اللاانتاجيّة التي تُعرض بنجاح منقطع النظيرعلى ‏الشاشة الحكوميّة‎".‎ 
بالأمس طار الدولار الى ما فوق الـ8000 ليرة، وطيّر معه القليل المتبقي في جيوب الناس، فماذا بعد؟ هل ستتمكّن ‏السلطة من اللحاق به؟ وهل هي بادرت ولو من باب رفع العتب الى محاولة لجم السوق السوداء، او كبح مواقع ‏التواصل الاجتماعي المُسَخّرة لضرب الليرة، أو ردع "غروبّات الواتساب" التي تمعن في التخويف ورمي ‏الارقام من 10000 و 11000 و12000 ليرة للدولار؟ والأهم، هل بادرت الى تعقّب، أو ترصّد تلك الغرف ‏السوداء التي تبث الشائعات ومنع اللبنانيين من التنعم ولو ببارقة امل صغيرة، على ما حصل في الترويج المشبوه ‏عشية فتح المطار عن منع ادخال اي مسافر يأتي الى لبنان اكثر من 2000 دولار. وهو امر وصفه مسؤول كبير ‏بقوله لـ"الجمهورية": "هذا امر بالغ الخطورة ومخرّب، ليس بفعل مراهقين، بل بفعل منظّم ومدروس، القصد منه ‏تخويف المغتربين الراغبين بالمجيء الى لبنان، وحرمان اللبنانيين مما قد يأتي به هؤلاء من اموال الى لبنان، الذي ‏هو بأمسّ الحاجة الى الاوكسيجين الذي قد يوفّره المغتربون لأهلهم وبلدهم في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية ‏الخانقة‎".‎ 

كيف يمكن للسلطة ان تلحق بالدولار او السوق السوداء او مروّجي الشائعات التخريبية، طالما أنّها ما زالت في ‏مرحلة تشخيص الأزمة، وتبحث عن حلول لا تجدُها؟ وكيف يُعوّل عليها في هذه الحالة، طالما انّها تجهل كيف ‏تبني الجبهة الدفاعية عن الدولة والناس، وأقصى ما تقدّمه تعويضاً عن هذا الجهل، هو بيع العواطف الفارغة الى ‏الناس، ودعوتهم الى الصبر وإجلاسهم على جمر وعود كاذبة، وتوكل الى "حراس السلطة" وجوقة الزجالين، ‏إكمال مسلسل الكذب والدجل، والتطبيل لإنجازات لم ترقَ لأن تصبح حتى ورقيّة؟ 

هذا هو لسان حال الناس الذين سئموا التجارب الفاشلة، وسلطة اللاّفعل واللاّمبادرة واللاّمسؤولية، وصاروا ‏يجاهرون علناً وبكل جرأة: لو كانت هذه السلطة تحترم نفسها لكانت أوقفت سيرك التهريج السياسي والكوميديا ‏السوداء التي تمعن في عرضها على مسرح الأزمة، وحزمت حقائب فشلها، وخرجت بلا تردّد و"طبشت" الباب ‏خلفها، وغادرت الى لا رجعة‎!‎