سياسة

خيرالله في رياضة الصوم للسياسيين: لدعوة اللبنانيين إلى حوار في المحبة لتنقية الذاكرة والمصالحة الوطنية الشاملة

الاحداث- ألقى راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله في رياضة الصوم  2025 التي أقيمت برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بيت عنيا في حريصا، كلمة تحت عنوان "ما أجمل أن يجتمع الاخوة"، وشارك فيها عدد من النواب الموارنة من كل الكتل السياسية وذلك للسنة الثانية على التوالي. 

وقال المطران خيرالله في كلمته بعنوان"المسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة": "شرّفني صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلّي الطوبى وانتدبني لألقي كلمة في اللقاء السنوي للسادة النواب المسيحيين حول تنقية الذاكرة في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب في لبنان وفي سنة يوبيل الرجاء. 

خرج اللبنانيون، ولا سيما المسيحيون منهم، بعد سنوات الحرب الطويلة (1975-1990)، منهكين، بائسين، يائسين، منقسمين بين مواقع سياسية وسياسات متناقضة، لا حيل لهم ولا قوة على استعادة بناء مجتمعهم ووطنهم لبنان الذي كان يحمل لقب « سويسرا الشرق »، وحمّله القديس البابا يوحنا بولس الثاني لقب  « الوطن الرسالة »، مثبتًا ما كان قد قال عنه المكرّم البطريرك الياس الحويك لدى إعلان دولة لبنان الكبير أنه « نموذج للشرق كما الغرب في خصوصية العيش المشترك واحترام التعددية ». 

لذا كان لا بدّ من دعوة اللبنانيين إلى حوار في المحبة وقول الحقيقة ما يقضي بتنقية الذاكرة ويفضي إلى المصالحة الوطنية الشاملة. 

 

أولاً، دعوة القديس البابا يوحنا بولس الثاني إلى سينودس خاص من أجل لبنان (1991-1997)

أمام هذا الواقع المأساوي، وحرصًا منه على الحفاظ على لبنان « وطنًا رسالة » وعلى إعادة بنائه في دعوته التاريخية، اتخذ القديس البابا يوحنا بولس الثاني المبادرة لدعوة البطاركة الكاثوليك في لبنان إلى روما، وأعلن معهم في 12 حزيران1991، « على الكنيسة جمعاء الدعوة إلى جمعية خاصة لسينودس الأساقفة من أجل لبنان ». 

وقال: « سيكون مجمعًا راعويًا تطرح فيه الكنائس الكاثوليكية في لبنان، أمام الرب، أسئلة على ذاتها وعلى أمانتها للرسالة الإنجيلية وعلى مدى التزامها بعيش هذه الرسالة بصدق وانسجام. والكنيسة كلها مدعوة إلى أن تعيش هذه المبادرة بروح عميقة من التضامن مع آباء المجمع والكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين اللبنانيين الذين سيدخلون في فترة تفكير عميق بغية تجديد جماعاتهم تجديدًا روحيًا. وستكون فترة تسعى فيها كل القوى الحية لدى الكنائس الكاثوليكية في لبنان إلى اكتشاف جذور الإيمان والبحث عن أصدق الطرق للشهادة له في مجتمع مزّقته ست عشرة سنة من الحرب ».

والهدف الأخير من السينودس هو: « استجماع كل الطاقات والأمكانات والإرادات الخيّرة لإعادة بناء مجتمع جديد جديرٍ بدعوة لبنان التاريخية ».

ولتحقيق هذا الهدف « إن اللبنانيين الكاثوليك مدعوون بصورة خاصة إلى تطهير القلبْ وتنقيته تنقيةً حقيقية، ما يعنيالإسهام الأثمن الذي يمكن لكل لبناني أن يقدمه لمواطنيه ووطنه » (رسالة البابا المتلفزة، 11/7/1991). 

انعقد السينودس في روما من 16 تشرين الثاني إلى 15 كانون الأول 1995 برئاسة البابا ومشاركة البطاركة والأساقفة الكاثوليك ورهبان وراهبات وعلمانيين ومندوبين عن الكنائس المسيحية الأخرى والطوائف الإسلامية. وفي نتيجة المسيرة المجمعية والمداولات والمناقشات، أصدر البابا يوحنا بولس الثاني إرشاده الرسولي « رجاء جديد للبنان »، وجاء شخصيًا إلى لبنان في 10 و11 ايار 1997 لتوقيعه وتسليمه إلى للبنانيين.

يقول فيه البابا القديس: 

« إن هذا السينودس هو رجاء جديد للبنان وُلد في أثناء جمعية سينودس الأساقفة الخاص. إن الرب يدعو كاثوليك هذه الأرض المقدسة إلى أن يعيشوا في الرجاء الذي لا يخيّب صاحبه. فيصبح المؤمنون بالمسيح في لبنان شهود محبّته لدى جميع إخوتهم ».

« لبنان بلدٌ طالما اتجهت إليه الأنظار. ولا يمكننا أن ننسى أنه مهدُ ثقافة عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسط. وهو مكوَّن من جماعات متنوعة تمثّل ثروة وفرادة وعقبة في آنٍ. غير أن إحياء لبنان، بالنسبة إلى جميع سكان هذه الأرض، إنما هو مهمّة مشتركة ». (المقدمة، عدد 1). 

لذا دعا البابا جميع اللبنانيين إلى إعادة بناء لبنان، بيتهم المشترك. وحدّد الوسائل التالية:

تغيير الذهنيات والحوار الحقيقي وتنقية الذاكرة:

1- تغيير الذهنيات للعمل معًا من أجل التجدّد على مستوى الأشخاص والمؤسسات. 

2- الحوار: الحوار بين المسيحيين- الوحدة في التنوع (أعداد 1-17)؛ الحوار بين المسيحيين والمسلمين (عدد 92)؛ المسيحيون والمسلمون في لبنان مدعوون للانفتاح على الحوار والتعاون مع المسلمين في سائر البلدان العربية، ولبنان جزء لا يتجزأ منها (عدد 93).

الهدف من الحوار: بناء المجتمع والبيت المشترك في المشاركة في توزيع المسؤوليات، وفي تجاوز السلوك الأناني والمصالح الشخصية من أجل الصالح العام، لترسيخ روح المواطنة، والمصالحة والعدالة الاجتماعية والسلام.  (أعداد 94-95). 

3- « وهذا يفترض، بعد السنين الماضية التي انطبع فيها لبنان بمحنة الحرب، تطهيرًا حقيقيًا للذاكرات والضمائر » (عدد 97). 

ثم عاد وطلب، لمناسبة السنة اليوبيلية المقدسة، سنة 2000، سنة الفداء، من جميع الكاثوليك في العالم ومن المسيحيين أن يقوموا بعملية تنقية الذاكرة ويعيشوا الصفح والمغفرة في سنة اليوبيل التي هي سنة توبة ومصالحة. والصفح والغفران مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحيث ينبعان من مسيرة تنقية الذاكرة ويفضيان إلى المصالحة. وقام هو بنفسه بمبادرة جريئة تُعتبر الأولى من نوعها بأنه صفح عن الذين أساءوا إلى الكنيسة وأبنائها في الألفي سنة الماضية، وطلب المغفرة من جميع الذين أساء إليهم أبناء الكنيسة. 

 

ثانيًا، كيف تعاملت الكنائس في لبنان مع هذه الدعوة ؟ 

الكنيسة المارونية، التي كانت بدأت مسيرة مجمعية بهدف التجدّد سنة 1985 مع الأب العلاّمة يواكيم مبارك، قبل انعقاد السينودس الخاص بلبنان، وتابعتها بعده، عقدت المجمع البطريركي الماروني (2003-2006)، ونشرت نصوصه مع التوصيات التي تعود في مراجعها إلى تعاليم الكنيسة وإلى الإرشاد الرسولي رجاء جديد لبنان. والفضل الكبير في هذه المسيرة يعود إلى المثلث الرحمة المطران يوسف بشاره، مطران انطلياس الأسبق.

وأطلقت بعد سنة 2006 مسيرة التطبيق لتوصيات المجمع، ومن ضمنها توصيات الإرشاد الرسولي، في عملية التجدّد في الأشخاص والمؤسسات وبُنى الشراكة الكنسية والاجتماعية والوطنية، بقيادة المثلث الرحمات البطريرك نصرالله صفير ثم غبطة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي، الذي كان من أعضاء اللجنة الأسقفية التي أطلقت أعمال المجمع مع المثلثي الرحمة المطرانين يوسف الخوري ويوسف بشاره، والذي حدّد مشروع بطريركيته بتطبيق المجمع البطريركي الماروني، وأصدر وثائق عدة تساهم في تطبيق توصيات الإرشاد والمجمع؛ ومن أهمها: «شرعة العمل السياسي » (2009)، « مذكّرة وطنية » (2014)، «الميثاق التربوي الوطني الشامل – شرعة الأجيال اللبنانيةالجديدة » (2020)، « مذكّرة لبنان والحياد الناشط » (2020). 

أما الكنائس البطريركية الكاثوليكية، وعلى مستوى مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، فقد قامت بخطوات جبّارة على مستوى تجدّد الأشخاص والمؤسسات وبنى الشراكة الكنسية والاجتماعية والوطنية. لكنها وجدت نفسها مقصِّرة في مجالات عدّة، لا سيما في ما يتعلق بالحوار الوطني وتنقية الذاكرة. والأسباب تعود إلى الأزمة السياسية التي راحت تتفاقم مع مرّ السنين في المقاطعة والعرقلة والفساد والفراغ المؤسساتي. 

انتهت الحرب نظريًا سنة 1990 بالتوقيع على وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف والدستور الجديد. والبنود الأساسية في الاتفاق والدستور لم تطبّق. 

فتفاقمت الأوضاع سياسيًا واجتماعيًا ووطنيًا. 

بينما كان المطلوب القيام بحوار شامل بين اللبنانيين – حوار المحبة والحقيقة والمصارحة والمغفرة والمصالحة من دون مساومات ولا تسويات (إرشاد رسولي رجاء جديد للبنان عدد 36 و92 والمجمع البطريركي الماروني النص التاسع عشر الذي يوصي بالتمسك بالعيش المشترك والعمل معًا على بناء دولة حديثة والمشاركة في إدارة الشأن العام وتعزيز ثقافة الحوار والممارسة الديمقراطية والمواطنة). 

وهذا الحوار يفترض عملية تنقية الذاكرة من قبل جميع الأطراف اللبنانيين، أي أن يقوم كل طرف بفحص ضمير عميق، وفعل توبة صادق، وقراءة نقدية لمسيرته السياسية، فنصل جميعًا إلى الاعتراف بالأخطاء، وطلب المغفرة، والصفح، وفتح الطريق أمام المصالحة الشاملة. 

تناول سينودس أساقفة الكنيسة المارونية موضوع الحوار الوطني وتنقية الذاكرة في المجمع السنوي المنعقد في بكركي في حزيران 2022. 

كما تناول الموضوع مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في دورتين متتاليتين في تشرين الثاني 2021 وتشرين الثاني 2022. وفي الدورة الأخيرة وضع الآباء خطة عمل أكّدوا فيها على النقاط التالية: 

ا. رجاءٌ جديد للبنان هو رجاء يتجدّد كل يوم ويُبنى على المسيح المصلوب والقائم من الموت، وهو رجاء لا يخيّب. من هنا واجبنا أن ننقل هذا الرجاء إلى شعبنا، وإلى شبابنا بنوع خاص، بالرغم من الأوضاع المأساوية التي نمرّ بها، وندعوهم ليصمدوا هم أيضًا في الرّجاء.

ب. يتعرّض لبنان اليوم لأزمة خطيرة تهدّد كيانه وهويته، لكن لا خوف عليه لأنه حقيقة حيّة في التاريخ ولأن جميع اللبنانيين باتوا يعترفون أنه وطن حرّ مستقل ونهائي لجميع أبنائه، ولأن العالم يعترف له أنه مهد حضارة عريقة وبلد التعددية وأمّة حوار وعيش مشترك. إنه أكثر من وطن، إنه رسالة حرية وتعددية للشرق كما للغرب. ولكن من واجب كل المواطنين الولاء لهذا الوطن النهائي. « الولاء للوطن قبل الولاء للطائفة »، كما كان يردّد البطريرك الحويك مع إعلان دولة لبنان الكبير.

ج. بعد مرور خمس وعشرين سنة على صدور الإرشاد الرسولي، رأينا أنه من الضروري أن تقف كنيستنا في لبنان بشجاعة وجرأة وتواضع أمام التاريخ وأمام الضمير وأمام الله لتقوم بفحص ضمير عميق وبفعل توبة صادق وبتنقية حقيقية للذاكرة، فتطلب المغفرة عن الأخطاء التي ارتكبها ويرتكبها أبناؤها، وتصفح عن الإساءات والإهانات التي ارتُكبت بحقها وبحق أبنائها، وتكثّف الشراكة في ما بين رعاتها ومؤمنيها وتكون قدوةً في الشهادة للرسالة الإنجيلية وفي الالتزام بعيشها بصدق وانسجام على الصعيد الروحي والاجتماعي والوطني. ثم تدعو المواطنين اللبنانيين، وبخاصة المسؤولين السياسيين والكتل النيابية، إلى فعل مماثل.

د. إن مرور خمس وعشرين سنة على صدور الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان يضعنا وسائر المسيحيين أمام واجب وطني يلزم ضمائرنا بإيجاد الوسائل الناجعة على الأصعدة كافة لكي يدخل الجميع في مسيرة تطبيق توصيات الإرشاد الرسولي؛ ولا سيما تغيير الذهنيات وتنقية الذاكرة. 

ه. عملية تنقية الذاكرة، التي كان من المفترض أن تحصل بين اللبنانيين بعد اتفاق الطائف لتضع حدًّا نهائيًا للحرب، لم تحصل لأن المسؤولين عنها لم يستشعروا الحاجة إلى مراجعات ذاتية نقدية ترقى إلى فحص ضمير ومحاسبة وتوبة وطلب معذرة وغفران للوصول إلى حوار حقيقي وإلى مصالحة، باتت اليوم ضرورة ملحّة لأن لبنان يمرّ في أخطر مرحلة من تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمالي.  

و. إن تنقية الذاكرة والضمائر هي الشرط الذي بدونه لا مكان لإجراء حوار صريح وبنّاء بين المسيحيين والمسلمين من جهة، وبين الأحزاب والكتل النيابية من جهة أخرى، وذلك لكي تسلم المؤسسات الدستورية وحقيقة الحياة معًا المنظمة بنصوص الدستور والذي يشكّل الميثاق الوطني الذي توافق عليه اللبنانيون سنة 1943، وجدّدوه في اتفاق الطائف سنة 1989 بحيث يعطي الشرعية لكل سلطة سياسية لا تخالف مبدأ العيش المشترك. 

ومن أجل ضمان نجاح عملية تنقية الذاكرة، وهي مسيرة طويلة الأمد، والوصول الى الحوار الحقيقي فإلى المصالحة الشاملة وبناء حضارة المحبة والسلام، أعاد سينودس أساقفة الكنيسة المارونية طرح الموضوع في المجمع العام المنعقد في حزيران 2024، « ونظرًا إلى دور بكركي الوطني الجامع والحريص على لبنان الوطن الرسالة والنموذج »، تمّ تأليف « لجنة أسقفية، تضم إليها حكماء، لتعمل على التواصل مع جميع الأطراف اللبنانيين، دينيين وسياسيين، وتهيئة الأجواء لإطلاق المسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة » تمهيدًا للدعوة إلى الحوار، وذلك باتباع الخطوات التالية:

- خلق مساحات واسعة للتلاقي والتشديد على الإصغاء والانفتاح باهتمام على الآخر؛

- حسن إدارة الوحدة في التنوع بحيث الوحدة لا تعني الذوبان والانصهار، ولا التنوّع يعني التفكك والانفكاك، بل الحفاظ الكامل على الخصوصيات؛

- تنقية الذاكرة لدى اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، من مغالطات سياسية وثقافية موروثة من ثقافة الحرب، في سبيل تسهيل حوار العقل والمحبة والارتقاء بثقافة التواصل وكسر البنية الانغلاقية وتجديد الطاقات الروحية والنفسية والعقلية وإخراج الذات من أزماتها الوجودية وصراعاتها الداخلية وانكساراتها التاريخية ومن مآويها الانكفائية.

- الارتكاز على النظام العائلي والنظام التربوي ووسائل الإعلام لتنشئة الأجيال الطالعة على التحاور بانفتاح واحترام وتقويم السلوكيات وتشكيل قناعات مشتركة ترسّخ منهج الحياة معًا.

حينذاك فقط يستعيد اللبنانيون قدرتهم على الإبداع الفكري والثقافي والسياسي والإنمائي، فيعود الاخرون إلى الإقرار لهم بالخصوصية الحضارية وإلى أن يجدوا فيهم جدارة الاحترام والإقتداء. 

وختم:"إذا كان صاحب الغبطة والنيافة انتدبني، فذلك لأنه يعرف أني أحمل منذ صغري مشروع المغفرة والمصالحة وتنقية الذاكرة. ففي عمر الخامسة، إذ كنت مع إخوتي الثلاثة الأطفال في ليلة عيد الصليب سنة 1958، دخل رجل إلى بيتنا وقتل بطريقة شنيعة والديّ. جاءت خالتي الراهبة اللبنانية في دير مار يوسف جربتا المقابل لبيتنا وأخذتنا نحن الأربعة إلى الدير لنصلّي أمام يسوع المصلوب والقائم من الموت وبالقرب من ضريح القديسة رفقا. وقالت لنا: صلّوا معي إلى الله، ليس فقط من أجل والدَيْكم، بل خاصة من أجل الذي قتلهما، ونحن نعرفه غير مسيحي وغير لبناني، لكي يَهديه الله وينير طريقه إلى التوبة والخلاص. ثم تركت لنا وصية: تابعوا صلاتكم عندما تكبرون واغفروا لأنكم مؤمنون بالمسيح الذي طلب أن نصلي من أجل أعدائنا ومضطهدينا. 

وفي سنة 1977، اخترت 13 أيلول لرسامتي الكهنوتية لأشهد أنالمسيح كان « حبّة الحنطة التي تقع وتموت في الأرض لتعطي ثمارًا كثيرًا » (يوحنا 12/24)، كذلك كان والديّ حبة الحنطة وكهنوتي هو من ثمار شفاعتهما من السماء. وشعاري سيكون المغفرة والمصالحة. 

وفي أسبوع الآلام 1978، وفيما كنت أتكلّم عن سرّ التوبة والمصالحة، سألني أحد شبابنا المسلّحين، وكنا بعد في أوائل الحرب: إذا جاءك قاتل والدَيْك وجثا في كرسي الاعتراف وطلب المغفرة، هل تغفر له ؟ عندها فهمت أن مغفرتي لم تكن كاملة لأني غفرت من بعيد. أما الآن فأدركتُ كم هي صعبة المغفرة ! ولكنها ليست مستحيلة. المغفرة الحقيقية هي التحدّي الأكبر لكل مسيحي منّا يريد أن يشهد للمسيح. 

أراد صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي أن يُطلق، معكم أيها السادة النواب الأحباء، ومن خلالكم مع جميع اللبنانيين، ومن هنا من مزار سيدة لبنان، المسيرة الوطنية لتنقية الذاكرة في هذا اليوم الأول من أسبوع الآلام وعلى رجاء القيامة، قيامة السيد المسيح وقيامتنا، وفي خلال السنة اليوبيلية المقدسة التي أعلنها قداسة البابا فرنسيس سنة « الرجاء الذي لا يخيّب »، وهي السنة الخمسون على اندلاع الحرب في لبنان. 

وانه يعطي بذلك رجاءً جديدًا لجميع اللبنانيين بأن لبنان سيتعافى بهمّة جميع أبنائه وبتعاونهم وتضامنهم ووحدتهم وبحوارهم الصادق والصريح للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة. 

رجاؤنا كبير أن شبيبة لبنان، وهم الغد الواعد، سيعملون على إقامة الحوار الحقيقي والصادق في ما بينهم، ويقومون معًا بتنقية الذاكرة التاريخية، وسيجمعون كل طاقاتهم وإمكاناتهم في سبيل إعادة بناء لبنان، الوطن الرسالة، في دعوته التاريخية، رسالة في الانفتاح واحترام الآخر، والتنوّع في الوحدة الوطنية، والحياة معًا. 

وثقتنا كبيرة أنهم سينجحون، بقيادة أبينا وراعينا ومرجعناالبطريرك مار بشاره بطرس الراعي، في رفع هذا التحدي بتلبية نداءات القديس البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر وقداسة البابا فرنسيس ونداءات كنيستهم في لبنان."