
جعجع: الفساد يجب أن يُستأصل من المجالس البلدية
الاحداث - أكّد رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع أن "الآفاق اليوم أفضل من السابق، لكن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى بر الأمان. المنطقة تمر بمرحلة غليان، والأحداث تتسارع، ما يفرض علينا العمل بجدية لحماية وطننا وتعزيز سيادته".
كلام جعجع جاء خلال المؤتمر السنوي الأول الذي عقده المكتب التربوي في منطقة البقاع الشمالي تحت عنوان "التعليم المستدام: تحديات وفرص في بناء مستقبل المنطقة"، في صالة الشهداء في كنيسة مار نهرا في دير الاحمر، بحضور: راعي ابرشية بعلبك ودير الاحمر المارونية المطران حنا رحمه، عضو تكتل الجمهورية القوية النائب انطوان حبشي، رئيس المنطقة التربوية في بعلبك الهرمل حسين عبد الساتر، رئيس اتحاد بلديات منطقة دير الاحمر جان فخري وعدد من رؤساء بلديات المنطقة والمخاتير، رئيس مصلحة الاساتذة الجامعيين في الحزب زياد حرّو، مدراء مدارس المنطقة وهيئاتها التعليمية ولجان الاهل فيها، منسق البقاع الشمالي الياس بو رفول ورؤساء المراكز الحزبية ورئيس المكتب التربوي برنار جعجع واعضاء المكتب، ورؤساء المكاتب في المنسقية وحشد من الفعاليات الروحية والاجتماعية والاغترابية.
وتطرّق جعجع في كلمته للإنتخابات البلديّة المقبلة، وقال: "إن البلديات تشكل ركناً أساسياً في النظام اللبناني، حيث تُعد السلطة المحلية الفعلية عندما تُدار بشكل صحيح. فرئيس البلدية لديه صلاحيات لفرض رسوم وضرائب لتمويل مشاريعه، كما يمكنه لعب دور كبير في التنمية. إلا أن هذه الصلاحيات لا تنطبق بشكل كامل على منطقتكم نظراً لغياب المؤسسات الاقتصادية الكبرى ورجال الأعمال الكبار. ومع ذلك، يظل للبلدية دور محوري يجب التركيز عليه".
وأشار جعجع إلى أننا "شهدنا في السنوات الأخيرة، وبفضل التنسيق القائم بين منسقية "القوات اللبنانية" في منطقة بعلبك – الهرمل واتحاد البلديات، كيف تمكنت البلديات من مواجهة التحديات والتصرف بفعالية، وخصوصاً خلال الحرب الأخيرة، حيث استقبلت المنطقة عدداً يزيد أضعافاً عن عدد سكانها من دون حصول أي أزمات تذكر، وتم تنظيم الأمور بطريقة فعالة. وهذا دليل على أنه عندما تتوافر الإرادة، يمكن تحقيق الكثير. لذلك، أطلب منكم إعطاء أهمية قصوى للانتخابات البلدية، وألا تكون المعايير التقليدية كالانتماء العشائري أو العائلي هي المحددة لاختيار رئيس البلدية، بل يجب اختيار الشخص القادر على القيام بالمهمة بكفاءة، بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو الاقتصادية".
وشدد جعجع على ان "الفساد يجب أن يُستأصل من المجالس البلدية، لأن الفساد في المجتمعات كالسوس الذي ينخر الخشب، الذي يبدو سليماً من الخارج لكنه فارغ من الداخل. كما أن النقطة الثانية التي يجب التركيز عليها هي التوافق، لكن ليس التوافق الذي يؤدي إلى اختيار شخصيات ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. باعتبار أن رئيس البلدية هو سلطة تنفيذية، ويجب أن يكون قادراً على اتخاذ القرارات ومواجهة المخالفات واتخاذ الإجراءات المناسبة. لذلك، يجب أن يكون التوافق قائماً على اختيار الكفاءة وليس على الحلول الوسط التي تفرز قيادات ضعيفة".
أما في ما يخص الملف التربوي، فقد اعتبر جعجع أن هذا الملف في غاية الأهمية، وقال: "أشكر الدكتور حبشي وجميع المعنيين في هذا المجال، من راهبات ومديري مدارس ومديرات ولجان أهل وطلاب، على جهودهم في دعم القطاع التربوي. لكن دعوني أكون واضحاً: لا التربية ولا أي قطاع آخر يمكن أن ينجح إذا لم تكن هناك دولة فعلية قائمة. الدولة هي الأساس، وكل شيء آخر يتبع لوجودها الفاعل، سواء في التربية، أو التنمية، أو الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه".
وأوضح جعجع أن "معركتنا منذ عشرين سنة وحتى اليوم هي إقامة دولة فعلية، وليس لدينا أي هدف خاص سوى قيام هذه الدولة. فوجود دولة حقيقية هو لمصلحة الجميع، وهو لمصلحة آخر مزارع في الهرمل أكثر مما هو لمصلحة أول مواطن في جونيه أو جبيل. فقيام الدولة هو الضمانة الوحيدة لحياة كريمة لجميع اللبنانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم أو مناطقهم".
واستطرد جعجع: "إن مقومات الدولة معروفة وليست وجهة نظر، بل هي حقائق متفق عليها عبر التاريخ والتجارب العالمية. الدولة يجب أن تمتلك القرار الاستراتيجي، وأن تحتكر السلاح، فلا يمكن لدولة أن تكون فاعلة في ظل وجود مجموعات مسلحة خارج سلطتها، مهما كانت نوايا هذه المجموعات".
أما عن الوضع الحالي، فقد لفت جعجع إلى أن "لبنان دخل مرحلة جديدة مع العهد الجديد والحكومة الجديدة، وهناك تحسن واضح بالمقارنة مع الماضي، حيث لم نلاحظ حتى الآن أي ممارسات فساد كما كان الحال في الحكومات السابقة. وهذا تطور إيجابي، لكن الأهم هو استكمال بناء الدولة الحقيقية التي تحتكر القرار والسلاح وتفرض سيادتها على كامل أراضيها وحدودها. وهنا أطرح سؤالاً: لماذا لم تفرض الدولة سيطرتها الكاملة على حدودها حتى الآن؟ قبل فترة قصيرة، شهدنا دخول آلاف السوريين إلى لبنان من الحدود الشمالية من دون أي رقابة رسمية. هذا أمر غير مقبول، والدولة مطالبة بالسيطرة الكاملة على حدودها لمنع الفوضى وحماية البلاد. لدينا الإمكانيات كلها للقيام بذلك، سواء عبر التكنولوجيا الحديثة أو الدعم الدولي، لكن المطلوب هو قرار سياسي حاسم".
وكان جعجع استهل كلمته، بتوجيه التحيّة لأهالي منطقة البقاع الشمال كما أهالي البقاع الشرقي، وقال: "إن العنصر البشري في مجتمعنا هو الأساس، والإنسان بقيمه ومبادئه هو الذي يُحدث الفرق. فالله لم يمنح قدرة الصمود التي لديكم في هذه المنطقة لكثيرين كي يتمكنوا من أداء هذه المهمة الجسيمة التي تقومون بها جراء تجذركم في أرضكم".
وتابع: "ليس الفضل لأولئك القاطنين في بيروت، حيث كل شيء متوافر، ولا لأولئك الذين يعيشون في جونيه أو جبيل أو طرابلس، حيث يجدون كل ما يحتاجون بسهولة. فحتى في منتصف الليل، إذا احتاج أحدهم إلى علبة سجائر، ناهيك عن مستشفى أو طبيب، فبإمكانه العثور عليها خلال دقائق معدودة. أما في منطقتكم، فكثيراً ما يضطر الإنسان إلى الذهاب نصف ساعة أو أكثر للحصول على ما هو ضروري له. لذا، أهنئكم وأحييكم، لإن النموذج الذي تمثلونه هو النموذج الحقيقي للإنسان المكافح، المقاوم بالفعل، الذي يعيش إيمانه على رغم كل الظروف القاسية المحيطة به".
وأشار جعجع إلى أنني "عايشت العديد منكم، سواء من الراهبات، أو مديري المدارس، أو مديري المؤسسات التعليمية الأخرى، الذين واصلوا نضالهم وجهودهم للحفاظ على مؤسساتهم، على الرغم من الغياب شبه التام للدولة، وخصوصاً في السنوات الخمس أو الست الأخيرة. لقد استمروا في العمل لضمان استمرار مؤسساتهم، سواء كانت عامة أم خاصة، في ظل أوضاع صعبة للغاية".
ولفت إلى أن "منطقتكم تواجه تحديات كبيرة، من بينها أزمة إعادة التوطين، التي بدأت كنعمة لكنها تحولت إلى نقمة بسبب الظروف المصاحبة لها، فضلاً عن مجموعة من المشكلات الأخرى. لذا، أكرر لكم شكري وتقديري، وأؤكد أن هذه ليست مجرد كلمات تقال، بل هي تقدير حقيقي لمجهوداتكم في ظل هذه الظروف الصعبة".
وشدد جعجع على أن "الأهم الآن هو الاستمرار، فبالرغم من أن الأوضاع الحالية أصبحت أخف وطأة مما كانت عليه في السابق، إلا أننا يجب أن نظل مصممين على المضي قدماً في الاتجاه الصحيح. وإذا شاء الله، سنتمكن في المرحلة المقبلة من تحقيق إنجازات تفوق ما تحقق في الماضي".
وختم جعجع بالقول: "التزامي تجاه هذه المنطقة هو التزام شخصي وعام في آن واحد، وأنا معكم وسأظل معكم، لأنني مؤمن بكم وبقدرتكم على الصمود والتطور. شكرًا لكم جميعًا، وأتمنى لكم دوام القوة والعزيمة".
وكان قد استهل المؤتمر بالوقوف دقيقة صمت عن ارواح الشهداء ثم النشيد اللبناني ونشيد القوات اللبنانية، بعدها القى المطران رحمه كلمة شدّد فيها على اهمية وضرورة هذا المؤتمر بالنسبة للمنطقة. قائلا: "اليوم مع عصر التكنولوجيا وعصر القارة الرقمية والذكاء الاصطناعي، يجب ان يكون التعليم مستداما، كي نواكب التطور وآخر مستجدات التكنولوجيا، لذلك يجب ان يكون لدينا العلم والمعرفة. إن عالم المعلوماتية واسع ويشمل عددًا كبيرًا من الاختصاصات، لذلك لم يعد كافيًا اليوم الحصول على شهادة فحسب، بل يجب متابعة اكتساب المعرفة.
وحذر رحمه من ان الذكاء الاصطناعي اليوم اصبح يدخل في تفاصيل الحياة اليومية كلها للشعوب، لذلك علينا ان نربي اولادنا على ألّا يكونوا مستعبدين للألة، بل ان يكونوا هم اسيادها واسياد المعرفة، وان يكونوا حكّام هذه المعلومات بقبولهم او رفضهم لها، من خلال تشكيل رأس التلميذ بعيدًا عن حشوه بالمعلومات كي يعرف ان يختار الصح من الخطأ.
بدوره القى حبشي كلمة اكّد فيها ان القطاع التربوي يعاني الكثير من المشكلات، ابتداءً من وضع المعلمين، مرورًا بالقانون 515 الذي هو بحاجة الى تعديل، وصولًا الى المدارس الخاصة والرسمية والازمات التي تعاني. واعتبر ان خطورة هذه المشكلات تتمثل بربطها بالأزمة المالية من قبل كثيرين، ورأى أن هذه الازمة هي "القشة التي قصمت ظهر البعير"، ولأن الازمة التربوية في لبنان قديمة، علينا ان نفكّر بشكل بنيوي كي نجد حلًا حقيقيًا ومستدامًا للتعليم والتربية.
وتابع حبشي: "إن اي قانون يوضع مهما كان بسيطًا بدءاً بسلسلة الرتب والرواتب، التي هي حق للمعلم كي لا يكون لديه هاجس ما اذا كان راتبه سيكفيه كي يصل الى المدرسة لممارسة عمله ام لا، وصولًا الى المناهج التي وضعنا لها اكثر من حجر اساس ولكنها لم تظهر لغاية اليوم".
وتساءل حبشي عن المبادئ والقيم التي تقوم عليها التربية في بلد كلبنان؟ مجيبًا أن لبنان هو بلد متعدد وطبيعة هذا التعدد هو ايماني، له انعكاسات على المشارب الثقافية للمجموعات فيه، والتي تستطيع العيش مع بعضها ويمكنها ايجاد طريقة لإدارة تعددها كي يصبح غِنى. إن الدستور اللبناني كفل حرية التعليم، وبذلك فهو يعطي كل مواطن الحق، بأن يختار المدرسة التي تعبّر عن مشرب ثقافي يُحب ان ينهل منه، ليشكل هويته الثقافية.
وتطرق حبشي الى مشكلات وزارة التربية، مشددًا على إنها مشكلات متراكمة، عمرها من عمر الحرب اللبنانية، ولكنها كانت تعالج بطريقة "الترقيع" ما زاد من حدتها، داعيًا الى حوكمة سليمة في القطاع التربوي، كي تتمكن المناطق مثل منطقة بعلبك الهرمل والبقاع الشمالي من التموضع في الصورة الكبيرة، وكي تبني تعليم مستداما على أساس بناء تنمية مستدامة في المناطق الريفية تسمح للناس بالبقاء في ارضها.
بعدها تم عرض نتائج استبيان وثلاثة فيديوهات عن هواجس الطلاب والمعلمين ولجان الاهل في مدارس المنطقة، ليصار بعدها الى فتح باب النقاش حيث كان هناك مداخلات لعدد من المشاركين من مدراء مدارس ومعلمين واهالٍ.
ثم عرض منسق المنطقة بو رفول التوصيات الصادرة عن المؤتمر والتي تضمنت: تحسين جودة التعليم والتوجيه الأكاديمي من خلال تطوير المناهج الدراسية، توجيه الطلاب إلى التخصصات المواكبة لاحتياجات سوق العمل، تعزيز التوجيه الأكاديمي نحو التخصصات التربوية والصحيّة، تعزيز التعليم المهني والتقني، توفير دعم مالي مستدام للمدارس، دعم الطلاب ذوي الصعوبات التعليمية، تحسين أوضاع المعلمين وتطوير مهاراتهم، تعزيز النشاطات اللاصفيّة وتطوير البيئة المدرسية، الحد من نزوح الطلاب وإستقرار الشباب في المنطقة، إعداد خطة شاملة للتنمية المستدامة على مدى 6 سنوات، تنمية القطاعات الاقتصادية المساندة من سياحة وزراعة والتوجيه الصناعي، تنسيق الجهود بين البلديات من خلال اتحاد البلديات المقبل لتحديد أولويات المنطقة وتنفيذ مشاريع مشتركة، العمل على تأليف لجنة منبثقة عن هذا المؤتمر من اجل متابعة المقررات مع الجهات المعنية، وتبني البيانات الصادرة كبرنامج عمل لإتحاد بلديات منطقة دير الاحمر للسنوات المقبلة.
وفي الختام تم تقديم دروع تكريمية عربون شكر وتقدير لدعم القطاع التربوي لعدد من الجمعيات والفاعليات الاجتماعية والاغترابية. وإنتقل بعدها الحضور الى قطع قالب الحلوى والكوكتيل الذي أقيم للمناسبة.
وقدم المؤتمر الاستاذ ايلي سعادة الذي القى كلمة الافتتاح وعرض فيها الواقع التربوي في المنطقة ومشاكله.