سياسة

المرتضى: لبنان تنبّه لبنودٍ حمّالة أوجه والعدو يطمح لخرقٍ مستديم للقرار ١٧٠١
8 أكتوبر كان استباقاً لعدوان كان سيستهدف لبنان لا محالة بإسنادٍ أو من دونه

الاحداث ـ أكّد وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن الورقة التفاوضية التي حملها هوكستين تضمّنت بنودًا مفخّخة. ولبنان الحريص على مصالحه الوطنية محّصها بدقة وأعاد صياغتها بما يتناسب ومصلحته وحفظ سيادته".

كلام المرتضى أتى في خلال مقابلة أجرتها معه قناة ال NBN أدلى فيها بأن "لبنان أعلن ثوابته التي لن يحيد عنها وهي وقف فوري لإطلاق النار و تطبيق كامل للقرار الدولي 1701 من الطرفين معاً، وهذا ما أعلنه دولة الرئيس بري والحكومة وبقية القوى السياسية".

وردًّا على سؤال حول تجاوب لبنان شدّد المرتضى على أنه "انطلاقاً من المصلحة الوطنية فإن لبنان مستمر في إبداء تجاوبه حتى على مستوى التدقيق في التفاصيل المتعلقة بمصطلحات حمّالة أوجه قطعاً لأي نزاع مستقبلي" مضيفًا أن الرئيس بري شخصية سياسية استثنائية واعية رشيدة وثابتة على احترام الثوابت الوطنية، ومنفتحة في الآن ذاته على التجاوب مع المسعى الدولي. فإذا قدر الله ولو لم يُقيّض لهذا المسعى أن ينجح فعند ذلك لن تقع المسؤولية المعنوية وغير المعنوية على لبنان، بل على الطرف المعرقل، وهو الطرف الإسرائيلي الذي حتى الآن لم يوافق رغم كل التجاوب من قِبلنا".

وقال: "قبل اسابيع طُرِحَتْ فكرةٌ سوّقَ لها وزير الخارجية الأميركي، مفادها أن يعلن لبنان وقف إطلاق النار من جانب واحد، فرفض لبنان هذا الطرح من أساسه. وبالتالي فإن موقف لبنان الرسمي وموقف المقاومة من خلفه، أننا بعد كل التضحيات التي بُذلت لا مجال لأي رضوخ ولا قبول لأي مس بسيادتنا الوطنية والمطلوب من إسرائيل هو تنفيذ القرار الدولي 1701 وهو قرار صدر عن مجلس الأمن وكان ثمرة جهود دولية وتدخل من جامعة الدول العربية وجهات دولية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها".

وأضاف المرتضى: "نص القرار 1701 واضح وصريح لا يحتمل التأويل وهو وحده فقط لا غير بيننا وبين اسرائيل. ولن يستطيع العدو على هامش المفاوضات وتحت النار أن يستصدر من لبنان مواقف تختزن تعديلاً لهذا القرار أو مساسًا بالسيادة اللبنانية. هذا مرفوض من جميع اللبنانيين. مع الإشارة إلى أن الإسرائيلي يطمح في الحقيقة، لا إلى تعديل القرار فحسب بل إلى الاستمرار في خرقه كما دأب عليه منذ صدوره، فحين يسعى إلى خلق صيغة ما تجيز له التدخل العسكري حين يشاء فهذا يعني عمليًّا إيجاد تبرير قانوني لاستمرار خرق هذا القرار الذي ينص بوضوح على وقف إسرائيل لكافة العمليات العسكرية الهجومية ضد لبنان".

وأردف أن "لا مجال قطعاً لأي تنازل عن سيادتنا بطبيعة الحال فكيف لنا القبول بأي نص أو بند أو عبارة جديدة في الاتفاقية العتيدة يشكل خرقاً للقرار 1701؟"

أضاف: "القرار 1701 بممهداته وأسبابه الموجبة يفرض على إسرائيل أن تمتنع امتناعاً تاماً عن أي عمل عدواني ضد لبنان يستبطن خرقاً للسيادة اللبنانية".

وعن الالتباس الذي شهدته جبهة إسناد غزة قال: "إسرائيل كانت ستفتح حرباً على لبنان فور انتهائها من حرب غزة، و هذه حقيقة ثابتة في مسار الأمور، وبالتالي فإن 8 أكتوبر كان استباقاً لعدوان كان سيستهدف لبنان لا محالة بإسنادٍ أو بدونه "

وتابع:" القرار 1701 صدر رغماً عن إسرائيل وليس برضاها . قبل صدوره كان ثمة مبادرة أوروبية أميركية تبدأ بالطلب بسحب سلاح المقاومة وتفكيك بنيتها العسكرية جنوب لبنان، وهو الأمر الذي قوبل برفض قاطع من لبنان فأجهضت هذه المحاولة. ثم جاءت القمة العربية التي صدرت عنها قرارات جيدة، وتم إيفاد وفد من الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة لمواكبة المداولات و الدفع باتجاه إصدار القرار ، جميعنا نذكر كيف هرع الإسرائيليون وأيقظوا وزير خارجية قطر من نومه ليبلغوه موافقتهم على وقف الحرب، طبعاً كان ذلك التغيير في الموقف الإسرائيلي كان بعد ما حققته المقاومة في ميداني بنت جبيل ووادي الحُجَير من انتصارات ساحقة. و بالتالي ما ارتضته اسرائيل بالقرار 1701 كان بالإكراه رغماً عن إرادتها، وهي منذ اليوم التالي لصدور القرار بدأت خرقه بأشكال وأعداد هائلة من الخروقات. وقانونًا، عندما يخل أحد طرفي الاتفاق بموجباته يجوز للطرف الآخر التفلت من التزاماته. إذن ما جرى في 8 أكتوبر ليس سبباً لعدوان إسرائيل بل هو واجب لبنان في استباق عدوانها المرتقب و المؤكد. مضيفًا أن " حصر القضية بتاريخ 7 و 8 وأكتوبر هو أمر محدود التفكير ، فالقضية بدأت منذ تاريخ زرع الكيان في منطقتنا أنا هنا لن أتحدث عن موقف وعن كلام المقاومة وأدبياتها بل عن أدبيات اليمين اللبناني منذ ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين، ما قبل و ما بعد تأسيس الكيان، ما قاله شارل مالك يتجاوز بكثير من تقوله المقاومة اليوم، و ما كتبه ميشال شيحا عن وجوب مقاومة مشروع إسرائيل التي وصفها بأنها مشتل العنصرية المزروع في منطقتنا، وهذا المشتل العنصري أقنع العالم بقدرته على البقاء و الحياة وبحقه في تدمير ما حوله وقتل من حوله ليبقى، وبحقه في التوسع على حساب جواره، حتى يستوعب لاجئي الشتات اليهودي. ولكن لنترك الشخصيات التاريخية ونأتِ إلى حاضرنا اليوم ونقرأ ونسمع ما يقوله الدكتور عصام خليفة وهو أكاديمي موثوق وباحث ومؤرخ مشهود له، يقول: إن الفكر الإسرائيلي المهيمن على الحكومة المتشددة الحالية يؤمن بأن لا بقاء لإسرائيل قبل القضاء على الصيغة اللبنانية النقيضة لفكر الكيان والمهددة لبقائه". 

واعتبر المرتضى أنه "بعد ما حققته إسرائيل على صعيد اغتيال قادة المقاومة والضربات القاسية التي وجهتها، سيطرت عليها نشوة الانتصار فبدأت بإفشاء مكنون سياستها التوسعية" وعن الدور الأميركي في ظل الإدارة الجديدة قال المرتضى:"لطالما جاهر ترامب علناً بأنه يرى إسرائيل صغيرة المساحة على الخريطة وينبغي توسيعها. وهو من وافق على نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل. وقد تسرب عن لسانه خلال بعض لقاءاته، قوله أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون خارج جغرافيا إسرائيل، وبالتالي لا لزوم للضفة التي ينبغي ضمها إلى الكيان الإسرائيلي. وهذا غير مستغرب من ترامب".

وذكّر المرتضى بأنه "في سنة 1948 قررت منظمة اليونسكو أن يكون اجتماعها التالي في بيروت عاصمة لبنان، لما يمثله وطننا من تنوع حضاري وثقافي. فكان هذا الاجتماع الأول خارج المقر الرئيسي لليونسكو. يومذاك وافق الجميع باستثناء إسرائيل التي عارضت الطرح. لماذا؟ لأن لبنان بتنوعه يناهض الفكرة العنصرية التي يقوم عليها كيان عنصري لا يمكنه القبول بأن يكون على حدوده تماماً وطن حضاري متنوع الثقافات والمذاهب. وعن الموقف الفرنسي قال المرتضى: "بالأمس القريب شهدنا ما جرى مع الرئيس الفرنسي حين انتقد كلامياً، وفقط كلامياً، العدوان الإسرائيلي فتم توبيخه في اليوم التالي من قبل نتانياهو فاضطر لتعديل موقفه وتأييد العدوان". 

وذكّر بعدوان تموز قائلًا: "منذ عدوان 2006 و بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي أعلنت كونداليزا رايس ولادة الشرق الأوسط الجديد! إذن المسألة سابقة وقديمة، مشروعهم واضح ومعلن لا يرتبط بأي حرب أو بأي قرار تتخذه المقاومة، ولا ينتظر أي ذريعة والمقاومة التي اجهضت مشروعهم في العام ٢٠٠٦ ثم تنامت بعد ذلك تشكل حجر عثرة لمعاودتهم محاولة تنفيذ ذلك المشروع فكانوا سيستهدفونها في جميع الأحوال" مكررًا بأنه" علينا الانطلاق من التاريخ، اليوم نسمع أصواتاً تطالب المقاومة بعدم الاستمرار في الحرب، كذلك سنة 2006 سمعنا أصوات مماثلة. و قيل يومها كيف يمكن للبنان الصغير جغرافياً مقاومة اسرائيل بجيشها الذي لا يقهر، بيد أن المقاومة أثبتت قدرتها على إجهاض المشروع الذي كان يرسم للبنان والمنطقة، وتسريبات ويكيليكس تشهد لذلك. كما تشهد عن الأصوات والاشخاص التي طالبوا اميركا بأن لا تسمح لاسرائيل بوقف الحرب قبل القضاء على المقاومة".

واستشهد المرتضى بالأب جورج حبيقة " الذي لا ينتمي لمحور المقاومة، لكن ثمة أناساً لا يريدون الاستماع. والأخطر هو الضخ الاعلامي للتعمية على الحقائق، فالمقاومة ردة فعل على الاحتلال وليست هي الفعل المسبب للمشكلة، اليوم وأمس وغداً ليس الشيعي هو المستهدف بل الصيغة اللبنانية بمجملها، بمسيحييها و مسلميها" داعيًا للنظر في تناقص أعداد المسيحيين من فلسطين إلى العراق وسوريا، و هم أصل المنطقة مناديًا بالحفاظ "على التنوع الغني في لبنان لأنه رمز صيغتنا ورسالتنا".

وتساءل المرتضى: "أليست تضحيات المقاومة في صلب مشروع حماية الوطن بتنوعه وحماية الشعب بأكمله وبكل أطيافه؟ مضيفًا "صحيح أن البعض لا يقر بأننا حققناَ انتصارًا سنة 2006، وهذا مؤسف، في حين أن الأميركي والإسرائيلي عبر تقرير لجنة فينوغراد أقرا بانكسار إسرائيل. وللتاريخ أقول: نحن لم نقف لنعلن حرباً بل لنمنع حرباً علينا، وكلنا اقتناع بأن مقاومتنا ستعيد الإسرائيلي ومن خلفه على أعقابهم. 

وأضاف: المقاومة أجهضت المشروع الإسرائيلي سنة 2006، فعاودت الكرّة اليوم، وهو مصر على المتابعة مرة بعد أخرى على أمل تحقيق هدفه بإنجاح مشروعه التوسعي، فهل نتعظ ونقتنع بأن هذا العدو يستهدف المسيحي قبل المسلم؟ وبأنه لولا المقاومة لما تحررت أرضنا سنة 2000 ؟ وبأنه لولا المقاومة لما أجهض مشروع الشرق الأوسط الجديد سنة 2006 ...

بعض الناس يرددون أن العدو لا يريد استهداف لبنان بل ضمان أمن الكيان المحتل فقط. ولهؤلاء نقول ععودوا إلى ما فعلت اسرائيل في غزّة التي دمّرتها بغاراتها الجوية ومع ذلك حشدت 80 ألف جندي على تخوم غزة، أليس لاجتياحها برياً، تماماً كما تفعل عندنا؟ 

وختم المرتضى متحدثًا عن أهمية دور الرئيس بري في التفاوض مشيرًا إلى "إن ما ينظم علاقة لبنان بإسرائيل هو القرار 1701 و لذلك نشهد حرص الرئيس بري على تثبيت هذا الواقع و عدم السماح بتعديله و ذلك حفظاً للبنان . وأعود إلى وثيقة الوفاق الوطني التي تنص حرفياً على حق لبنان باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي ، و هذا ما يبرر عمل المقاومة. كما من المهم لفت النظر إلى أن الجيش اللبناني كان قبل العدوان الأخير منتشراً على طول حدودنا الجنوبية وعلى النقطة صفر مع فلسطين المحتلة، والرائد الشهيد البطل محمد فرحات دفع حياته ثمن وقفته على الحدود بوجه العدوان الإسرائيلي. وثيقة الوفاق الوطني كذلك تنص على إعداد القوات المسلحة وتجهيزها كي تكون قادرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي. 

وبكلمتين عن اليونيسكو وقرارها، قال المرتضى: لدى إسرائيل مشكلة مع معالمنا الأثرية التي تعبر عن ارتباطنا التاريخي بالأرض، والتي هي منائر حضارتنا ومصدر ثراء اقتصادي و سياحي وثقافي حضاري، اليوم حميناها نظرياً والعبرة في التزام إسرائيل بتنفيذ قرارات اليونيسكو".