سياسة

الراعي من سيدة ايليج: لولا استشهاد شباب المقاومة اللبنانية لما كان لبنان بصيغته الحالية

الاحداث - ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس" يوم الشهداء" في باحة كنيسة سيدة ايليج في ميفوق  بدعوة من رابطة سيدة ايليج، عاونه في الذبيحة الإلهية راعي أبرشية جبيل المارونيّة المطران ميشال عون ورئيس دير ميفوق الاب ناجي ابي سلوم ولفيف من الكهنة.

حضر القداس، النائبان د. سليم الصايغ ونديم الجميّل، وفاعليات سياسية. حزبية واجتماعية وأهالي الشهداء.

وبعد الإنجيل المقدس ، ألقى الراعي عظة بعنوان "أتت الساعة لكي يمجَّد إبن الإنسان" (يو 12: 23) .

وجاء في العظة:"1. سمّى الربّ يسوع موته وقيامته ساعة تمجيده. فبموته يمجّد الآب السماويّ بإتمام مشيئته الخلاصيّة. ذلك أنّه بموته يفتدي الجنس البشريّ، مائتًا عن خطاياهم، ومتمّمًا خلاص العالم، بانتصاره على سلطان الشيطان وقوى الشرّ. وبقيامته يمجّده الآب، رافعًا بشريّته إلى مجد السماء، مالكًا على العالم كلّه. ومن سرّ موته وقيامته وُلدت الكنيسة المتمثّلة بالبشريّة الجديدة. وهكذا المؤمنون والمؤمنات المولودون من المعموديّة أعضاءً في جسد المسيح السرّي هم مثل السنبلة المولودة من حبّة الحنطة التي تموت في الأرض.

2. إنّنا نحيي اليوم ليتورجيًّا عيد إرتفاع الصليب المقدّس علامة الرجاء بالإنتصار على الشرّ: إنتصار النعمة على الخطيئة، وانتصار الحقيقة على الكذب، والعدالة على الظلم، والحريّة على الإستعباد، والمحبّة على البغض، والسلام على النزاع.

يرقى هذا العيد إلى سنة 330، عندما ظهرت علامة الصليب للملك قسطنطين الكبير في معركته ضدّ مكسنسيوس في روما، وظهرت معه كتابة: "بهذه العلامة تنتصر". ويرتبط العيد أيضًا بسنة 326 عندما اكتشفت أمّ قسطنطين هيلانة الملكة خشبة الصليب، أثناء زيارتها للأراضي المقدّسة. فأخذت جزءًا منها لإبنها الملك، وشيّدت ثلاث كنائس فوق قبر المسيح، ومكان صعوده إلى السماء، وفوق مغارة بيت لحم. ثمّ تجّدد العيد سنة 628 مع الإمبراطور هرقل وبطريرك أورشليم زكريّا، عندما استعاد الإمبراطور ذخيرة الصليب التي كان قد استولى عليها كسرى ملك الفرس بعد دخوله إلى أورشليم منتصرًا، وأسر العديد من المسيحيّين، وعلى رأسهم البطريرك زكريّا. وكان قد احتفظ بها 14 سنة.

3. كما نحيي اليوم ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، مع رابطة سيّدة إيليج التي تنظّم هذه الذكرى السنويّة، وتسهر على غابة أرز الشهداء، ونقدّم معها هذه الذبيحة الإلهيّة مع سيادة أخينا راعي الأبرشيّة المطران ميشال عون ولا سيما رئيس وجمهور دير سيدة ميفوق وجمنور دير مار شليطا القطارة وجمهور دير والآباء وهذا الجمهور المصلّي من أهالي الشهداء وأصدقائهم، لراحة نفوس آلاف الشهداء الذين قدّموا ذواتهم على مذبح الوطن، ولشفاء الشهداء الأحياء حاملي إعاقة في أجسادهم، وهم ذاكرتنا. فلولا استشهادهم لما كان لبنان في صيغته الحضاريّة، ولما كنّا هنا لبنانيّين أحرارًا، وأصحاب كرامة. أجل استشهدوا وماتوا لكي نحيا نحن، ولكن لكي نحيا بثمن دمائهم بالولاء للبنان وحده، الوطن النهائيّ لجميع أبنائة، وطن الولاء له دون سواه.

وقد اختارت رابطة سيّدة إيليج شعار الوعد لشهداء المقاومة اللبنانيّة، المعروفين والمجهولين: "أن ننسى ... لن ننسى". فيبقى ذكرهم حيًّا هنا في كنيسة سيّدة إيليج، سلطانة الشهداء، في ميفوق القطّارة مع كلّ الذكريات. وجسّدت الرابطة هذا الشعار بكلمة "كفى" تقولها للجميع.

4. لقدّ حدّد الربّ يسوع النهج المسيحيّ بنهج حبّة الحنطة، نهج الموت عن الذات من أجل حياة جديدة، إذ قال: "من يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها لحياة أبديّة" (يو 12: 25). وأضاف: "من يخدمني فليتبعني. من يخدمني يكرمه الآب" (يو 12: 26).

أمّا الخدمة فهي مثلّثة:

1. خدمة البعد النبويّ وهي التفاني في نشر كلمة الله بالكرازة والتعليم، وعيشها كما تعلّمها الكنيسة، وجعلها ثقافة حياة تطبع بمبادئها الحياة العائليّة والكنسيّة والاجتماعيّة، وتطبع كلّ نشاط زمنيّ على المستوى الاقتصاديّ والسياسيّ، تشريعًا وإدارةً وقضاء.

2. خدمة البعد الكهنوتيّ وهي التفاني في تقديس الذات بالممارسة الأسراريّة، وإحياء الحياة الليتورجيّة والمشاركة فيها، وجعل أعمالنا الخيّرة ومبادراتنا الحسنة ونشاطاتنا البنّاءة، وآلامنا وتضحياتنا وأفراحنا "قرابين روحيّة" نضّمها إلى قربان يسوع المسيح في ذبيحة القدّاس.

3. خدمة البعد الملوكيّ وهي التفاني في مكافحة الشرّ وإحلال الخير، والظلم وإحلال العدالة، وفي مكافحة النزاعات والانقسامات بشدّ أواصر الوحدة والمصالحة. بهذه الخدمة الملوكيّة ننتصر على الخطيئة، التي تفرّق، بالنعمة والحقيقة اللتين تجمعان. إنّها خدمة بناء جماعة المحبّة.

5. في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، لا بدّ من وقفة فحص ضمير وطنيّ، فنقول: هناك مكوّنات تريد لبنان الكبير أرضًا شاغرة لمشاريعها، ومن دون دولة ونظام ودستور وقانون. تفضّله مساحة تُفرز عقاريًّا، لا وطنًا يضمّ وجدانيًّا. هناك فرق كبير بين الإعترافِ بلبنان والإيمان به. فالإعتراف هو أخذ العلم بوجود لبنان، بينما الإيمان هو أخذ لبنان بجوهره وهوّيته ونظامه وقيمه ورسالته. وهناك فارق بين معيار الولاء للبنان وما نتمثّل فيه: ففي الحالة الأولى إيمان مطلق بلبنان في ما يمثّل بحدّ ذاته، وفي الحالة الثانية حساب ربح وخسارة. وهذه بكل اسف حالتنا في لبنان.

دافعنا جميعًا عن لبنان بمقدار ما نحن موجودون فيه، لا بمقدار ما هو موجود فينا. وحين كلّ مكوّن لبنانيّ بدأ يشعر أنّ لبنان هو لمكوّن آخر – وهذا منطق تقسيميّ وامتلاكيّ – لم يعد لبنان لأحد، فتوزّعت المكوّنات بقاياه كالغزاة الذين ينهبون بلدًا لا يملكونه ويضطهدون شعبًا اجتاحوه. أجل، إنّ اللبنانيّين يتعرّضون لغزو أسوأ من الإحتلال. هذه الحالة الغريبة والفريدة أضعفت إيمان اللبنانيّين بوطنهم. فالذين هاجروا غادروا لعدم إيمانهم بمستقبل لبنان.

بقاء لبنان رهن بتغيير المسار الإنحداريّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعود بنا إلى جوهر الشراكة الوطنيّة، واعتبار دولة لبنان الكبير هي المنطلق وهي مرجعيّة أي تطوّر وطنيّ. غريب الّا تعتبر الدولة اللبنانيّة ذكرى تأسيسها في أوّل أيلول 1920، عيدًا وطنيًّا. فأيّ تاريخ أعزُّ من هذا التاريخ؟ بدونه لا استقلال، ولا شراكة، ولا صيغة، ولا ديمقراطيّة. أليس تجاهُل هذا التاريخ تعبيرًا عن عَطَبٍ في الإعتراف به ونقصٍ في الإيمان؟

6. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، لأن تكون دماء شهداء المقاومة اللبنانيّة، حافزًا لنا للإيمان بلبنان، والمطالبة الحثيثة بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعيد لجميع اللبنانيّين الشراكة والوحدة اللبنانيّة. فلله وحده كلّ مجد وشكر وتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.