مال وأعمال

القانون 55 والتعميم 154... هكذا ستتم إستعادة الأموال

الاحداث- كتب انطوان فرح في صحيفة الجمهورية يقول:"بانتظار أن تتبلور عملية تشكيل الحكومة الجديدة،  تبرز أهمية وزارة المال في الفترة المقبلة، لتنفيذ مندرجات خريطة الطريق التي تم التوافق عليها مع الرئيس الفرنسي، والتي تتضمّن سلسلة من الاجراءات والاصلاحات تلعب فيها وزارة المالية  الدور الاساس. وأبعد من مسألة التوقيع الثالث،  تبرز أهمية هذه الوزارة في التعاطي مع ملفات حسّاسة، لعلّ ابرزها ما يُعرف باستعادة الاموال.

منذ فترة، تتكدّس في ملفات وزارة المالية معلومات تتعلق بحسابات مصرفية للبنانيين في الخارج. هذه المعلومات تأتي تباعاً،  ومن دون أن يطلبها أي طرف لبناني، بناء على تنفيذ اتفاقية تبادل المعلومات الضريبية التي وقعها لبنان قبل بضعة أشهر، ودخلت حيز التنفيذ. وهذا يعني ان الوزارة ستمتلك مع الوقت كل البيانات حول ما يملكه أي لبناني في مصارف خارجية، باستثناء من لديه جنسية ثانية الى جانب جنسيته اللبنانية.

هذه المعلومات يُفترض أن يُستفاد منها في مكافحة التهرّب الضريبي، وتحسين ايرادات الخزينة. لكنها معلومات قيّمة وحسّاسة  ويمكن ان  تكون مفيدة في عملية استعادة الاموال أيضا. حتى الان، لم  يتم استخدام هذه المعلومات، لكنها ستكون قابلة للاستخدام  الايجابي في حال قيام حكومة مستقلة، قادرة على التحرّك من خارج اطار المنظومة السياسية القائمة. ورغم ان حكومة من هذا النوع ستبقى مقيّدة بمجلس نيابي تتحكّم فيه الطبقة السياسية الحاكمة، إلا أن تعطيل أي اجراء اصلاحي تتخذه حكومة مستقلة من قبل النواب، لن يكون سهلا في ظل الرقابة الدولية على ما يجري، وضمن المتابعة اللصيقة التي ستقوم بها السلطات الفرنسية المفوّضة من المجتمع الدولي إنجاح تجربة وقف الانهيار بانتظار الاتفاق السياسي الشامل.

الى جانب وزارة المالية يبرز دور مصرف لبنان  والقطاع المصرفي. وهو دور تكاملي مع وزارة المالية. وقد أثبتت المصارف سابقا انها جاهزة للتعاون في ملف مكافحة الفساد من خلال التقيّد الطوعي السريع مع متطلبات تبادل المعلومات الضريبية (CRS) الذي تقف وراءه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE).  ولاحقاً، صدر قانون " تبادل المعلومات لغايات ضريبيّة " تحت الرقم 55 ونُشر في الجريدة الرسمية في 27 تشرين الاول 2016. متضمّناً صيغة الاتفاقية المتعدّدة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي باللغتين الفرنسيّة والإنكليزية (MAC & MCAA).

وفي السياق، يمكن إدراج التعميم 154 الذي أصدره مصرف لبنان، لاستعادة نسبة من الاموال التي خرجت من البلد بدءاً من منتصف العام 2017. يستهدف هذا التعميم وفق تقديرات اولية غير رسمية، استرجاع ما بين 5 و6 مليارت دولار. هذه الاموال ستكون ضرورية لتحسين ملاءة  المصارف، وللصمود في المرحلة الانتقالية ما بين تنفيذ الاصلاحات وبين الانتقال الى إنجاز اتفاق سياسي شامل. ومع الاعتراف بصعوبة استعادة أي قرش خرج من لبنان، إلا أن الاستعانة بمندرجات القانون 55 مضافاً اليه التعميم 154، تصبح القدرة على "الإقناع" أكبر.

هذه الاموال المُستعادة قد تشكّل البديل لانفاق ما تبقى من ودائع في مصرف لبنان. وبهذه الطريقة يمكن الحفاظ على الاحتياطي، واستخدام الـfresh money العائدة الى القطاع المصرفي في تلبية حاجات اصلاحية، من ضمنها إقرار قانون كابيتال كونترول تستطيع المصارف تنفيذ متطلباته، إذ سبق أن اصطدمت مشاريع القوانين المقترحة بعجز قسم من المصارف عن الالتزام بمندرجاتها. ومن المؤكد ان المصارف، ومن خلال ضخ هذه الاموال في صناديقها لن تكون قادرة على استخدامها في الداخل. لا لجهة تحرير جزء من الودائع بالدولار، ولا لجهة ممارسة دورها السابق في تمويل القطاع الخاص، لسببين: اولا، لأن الاقتصاد لا يسمح بأي تمويل مُجدٍ في هذه الظروف، وثانياً، لأن اسعار الفوائد التي قد تُدفع على هذه الاموال المُستعادة ستكون مرتفعة بحيث لا يمكن اعادة استخدامها في الاقراض الآمن.

لكن، وفي المقابل،  يمكن الاستعانة بهذه الاموال لتمويل الاستيراد الضروري المدعوم. وقد يتم هذا الدعم من خلال تولي المصارف عملية تمويل الاستيراد، مقابل حصولها على اموال نقدية بالليرة من البنك المركزي تستطيع أن تستخدمها في حجز مؤونات لتغطية الخسائر المرتبطة باليوروبوند، وبالقروض الهالكة للقطاع الخاص.

كل هذه السيناريوهات لا توصل الى حل نهائي، بل انها بمثابة اجراءات تمهيدية تساعد على الصمود وتحضير الأرضية، خصوصا خلال استعادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. بالاضافة الى الموضوع المنسي والمُهمل المتعلق ببدء التفاوض مع الدائنين الخارجيين والمحليين لاعادة جدولة استحقاقات اليوروبوند. الى ملف انجاز خطة انقاذية بديلة، يُفترض أن تُضاف اليها الخسائر الناجمة عن انفجار المرفأ. كلها استحقاقات ثقيلة، تحتاج في المرحلة المقبلة الى تعاون وثيق بين وزارة المالية ومصرف لبنان والقطاع  المصرفي، وعلى هذا الاساس ينبغي تحديد هوية وزير المالية المقبل، وليس على أي أساس آخر.

===========