مال وأعمال

الكلمة الكاملة لبيفاني: استقلت لأنني أرفض أن أكون شريكا أو شاهدا على الانهيار

الاحداث- أكد المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني في مؤتمر صحافي اثر اعلانه تقديم استقالته، انه اختار ان "يستقيل لأنه يرفض ان يكون شريكا أو شاهدا على الانهيار، ولم يعد الصبر يجدي اليوم"، وقال: "الجميع مطالب بموقف واضح وقد اتخذته بعدما استنفذت كل جهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

والقى كلمة في مستهل مؤتمره الصحافي جاء فيها:"ايتها اللبنانيات، ايها اللبنانيون ، بعد ان وصلنا الى الطريق المسدود، تقدمت اليوم باستقالتي، طالبا اعفائي من كل مهامي الموكلة الي بحكم وظيفتي في المديرية العامة في وزارة المالية. لقد امضيت عقدين من الزمن في الخدمة العامة، واقسمت 
على القيام بوظيفتي باخلاص ودقة وأن احترم القانون والشرف. وسعيت دائما للالتزام بهذا القسم في ظل 
نظام قائم لا يكترث كثيرا للقانون وربما للشرف وقد حملت المسؤولية ولا اتبرأ منها، وذلك بكل ما مارسته 
وطرحت حلولاً استباقية عديدة لم تر النور. وسبق لي ايضا ان قلت ما يجب قوله واكثر ، ولم يؤد ذلك الى 
أي شيء ملموس. لذلك وانطلاقا من هذا الالتزام أجد نفسي مضطرا لمصارحتكم بدوافع استقالتي واسبابها. 
بات شبه المؤكد ان المشروع الذي يفرض على اللبنانيين واللبنانيات بمرور الوقت هو الذي سيأخذ منهم مرة أخرى قدرتهم الشرائية وقيمة ودائعهم والاملاك العامة التي هي ملكهم وثروتهم. في حين انهم ينزلقون نحو المزيد من الفقر وتدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع البطالة وازدياد الانكماش الاقتصادي وتعمقه. 
كان من المفترض ان نكون اليوم بالذات منهمكين في عملية استرداد ما اخذ من الناس، احيانا بمخالفة القوانين وأخرى بمخالفة الحق والمنطق. احيانا بسرقة الأموال العامة، وأخرى بتخصيص البعض بأرباح وفوائد خيالية على حساب اكثرية الاسر المقيمة في لبنان. وكان من المفترض ايضا ان نكون منكبين اليوم 
على رسم معالم مرحلة جديدة عنوانها التوزيع العادل للخسائر وارساء عقد اجتماعي جديد ليكون الاساس الذي نبني عليه مستقبلا واعدا يعمه السلم الاهلي والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. 
لقد انتظرنا سنوات طويلة ان تأتي فرصة التغيير الجدي، وعملنا في الفترة الاخيرة على وضع برنامج انقاذي شامل قبل فوات الأوان، وحاولنا ان نستبق فيه ما وصلنا اليه اليوم وجهدنا لتفادي الاسوء باسرع ما يمكن. 
الا ان قوى الظلمة والظلم تكاتفت لاجهاض ما قمنا به ومارست اوسع عملية تضليل لحماية مصالحها على حساب مصالح المجتمع بكامله. 
نقف اليوم امام مرحلة مفصلية، وقد ظهرت فيها النيات بوضوح، وانكشف من يلهث خلف المكاسب الشخصية ومن يهرب من المسؤولية، ومن يسير بحسب قناعاته والتزامه بالمسؤولية. ولكن الانقسام الفعلي تخطى الانقسامات التقليدية وبات الصراع حاد جدا بين أصحاب المصالح وزبائنهم ومن استطاعوا تضليله من جهة ، وبين ضحايا هذه المنظومة والساعين الى التغيير والانطلاق نحو مجتمع متعاف من جهة أخرى.
نعم، نحن اليوم مشرفون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة، مع نتيجة معروفة مسبقا، وهي سحق الطبقة غير الميسورة، وتحميل فئات الدخل الادنى والمتوسط الاكلاف الباهظة، وتركها بين مطرقة عدم قدرتها على الحصول على ودائعها وتدهور عملتها الناتج عن عدم تلقف برنامج إصلاحي جدي يسمح بإعادة تدفق الدولار باتجاه لبنان، وبين سندان البطالة المستفحلة والتي سوف تتضاعف في حال الاستمرار في تأجيل الحلول وعدم امتصاص الخسائر من قبل من يجب ان يساهم في امتصاصها. 

علينا اليوم الاستماع الى صوت الناس، وعلينا ايضا مصارحتهم. هذه المرة، كانت الفرصة حقيقية وقريبة المنال نسبيا، إذ أن لبنان انتج خطة مقبولة من المجتمع الدولي ومؤسساته المالية، وابدى رغبة في تحديد مكامن التعثر في اقتصاده ونظامه، وبالتدقيق بها لحلها بأسرع  ما يمكن. واصبح من الواضح ان هذه المرة، لا يمكن الحصول على التمويل "ببلاش"، دون عملية إصلاحية كبيرة. كان بالامكان كسر الحلقة المفرغة، وكان من الممكن تهدئة الأسواق وتصحيح المسار لو تحركنا بسرعة، وقد وضعت الخطة بسرعة قصوى، والتشخيص بشكل دقيق، وكان الباب مفتوحا لمناقشة الحلول، الا ان حالة الانكار والتسويف من جهة، والحملات التضليلية والتخوينية من جهة أخرى، وعدم التنفيذ من جهة ثالثة، ضربت المسار، ووصلنا اليوم الى طرح المسائل التي ترضي من استفاد ويستفيد من النظام 
القائم، ويحمل المواطنين الخسائر، ولا يأتي بالحلول، ويسحق الإنتاج والعمل والعملة، ويفقد لبنان قدرته على التفاوض مع المؤسسات الدولية لتأمين تدفق العملة الصعبة. 
من ناحية، ندعي اننا نريد برنامجا مع صندوق النقد الدولي، الا اننا نقوم بكل ما يمكن لإفشال المشروع التغييري، وهذا ما يفقدنا مصداقيتنا الضرورية، سواء مع الصندوق او من دونه. وندعي اننا ملتزمون بالخطة التي تحافظ على أموال الناس، الا اننا نرضخ للمصالح الضيقة، ونقوم بما سيؤدي الى التفريط 
بحقوق الناس واموالهم. 
اليوم تأكد ان ارقامنا صحيحة، وأن مقاربتنا صحيحة، لكن تسرع البعض بالخوف، تحت وطأة الحملة المجرمة التي ضللت الناس وشتمت وهددت، فارتعب الناس والمسؤولون معا، فانكروا الأرقام على الرغم من معرفة الجميع بصحتها، وحرفوا الاجراءات لتظهر على غير حقيقتها، فاستاء الصندوق والمانحون. 
لقد انهمكوا بتقصي حقائق الخسائر على الرغم من انها حسمت مرارا من قبل كل الجهات المختصة، 
أضيعت الأسابيع بجدل عقيم، والمفارقة ان ذلك حصل ونحن ما زلنا لا نعرف ما تبقى لنا من احتياطي للحفاظ على لقمة عيش الناس، وما زلنا دون التدقيق المحاسبي الذي اقره مجلس الوزراء، وهو شرط أساسي لأي برنامج مع صندوق النقد، وشرط لإظهار الحقيقة. أين الكابيتال كونترول مثلا؟ فيما اللبنانيين يتعرضون لهيركات دائم. 
سميت الخطة "خطة الهيركات"، وهذا كذب، وتم استهداف من جهد في إعدادها بشتى الوسائل المقرفة التي تظهر بوضوح نوعية هؤلاء ومن يختبئ وراءهم، ولا عجب في ان يصل المستوى الأخلاقي في لبنان الى ما هو عليه مع هكذا نخب. 
ان المرتكب أو سيء النية لا يناقش بشكل حضاري وعلمي، بل يشتم ويحوّر ويزوّر الوقائع. نعم غاظهم أن نضع خطة وتشخيصًا حظيا بتنويه شركائنا في العالم، فلجأوا الى شتمنا امام اللبنانيين، والى نكران الوقائع. 
لقد قمت في المرحلة الأخيرة بالمشاركة، بناء لطلب معالي وزير المالية والحكومة اللبنانية، في وضع تصور يكون المنطلق للنقاش مع الدائنين والمؤسسات الدولية كخطوة أولى على طريق وجود الحلول مع الدائنين لخفض مستوى الدين العام، والحلول للاقتصاد والقطاع المصرفي عبر خيار الدولة باللجوء الى صندوق 
النقد الدولي، والانتقال الى نموذج اقتصادي واجتماعي مختلف، يخرج البلاد من الحلقة المفرغة ويواكب تغيير بنية النظام القائم. 
ان المقاربة التي اعتمدتها خطة الحكومة وضعت تقييما صحيحا لما آلت اليه الأوضاع، وبعد اقرارها بالاجماع في الحكومة، والتنويه الدولي الواسع بها، وترحيب المؤسسات المالية الدولية بالجدية اللبنانية في مقاربة الأمور للمرة الأولى، وكونها تستجيب لمطالب شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يرفضون الاستمرار 
في شراء الوقت على حساب قدرتهم الشرائية ومدخراتهم والبيئة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بهم. 
استندت الخطة الى ضرورة مساهمة من استفاد من النظام القائم وتعدى على المال العام ومال المودعين، 
وتناولت ضرورة البدء باستعادة الأموال المنهوبة واسترداد ارباح الهندسات المالية والفوائد غير المنطقية، بالإضافة الى ضرورة الإصلاح الشامل للنظام. وبعد ان شنت هجمات تجنٍّ تتهم الورقة بأنها تسعى الى وضع اليد على أموال المودعين لبث الرعب، أرى هنا ان نوضح بشكل مقتضب غايات الورقة واسسها وما 
كان يفترض ان تحققه لو بدأ العمل بها في وقت مبكر، وذلك لأن السلطة التنفيذية، مع الأسف، لم تقم على الاطلاق بتفسير مضمونها امام الرأي العام.

ان فلسفة ورقة الحكومة تكمن في ان يساهم باطفاء الخسائر كل من استفاد من النظام القائم بشكل غير 
منطقي، عوض ان يتحمل الشعب عبء سوء التصرف مرة إضافية، بعد ان نهبت أمواله في الماضي لمرات عديدة. وبالتالي لا صحة اطلاقا للمزاعم التي جرى الترويج لها عن ان الخطة ترمي الى الاقتصاص 
من المودعين، فالمواقف المعترضة تمحورت تحديدا حول رفض الاجراءات التالية التي تضمنتها الخطة: 
اولا، ال  forensic audit، او التدقيق الجنائي، لاسترداد الأموال المنهوبة. 
ثانيا، استرداد الفوائد المرتفعة جدا التي حصلت عليها قلة من المستفيدين، 
ثالثا، تحميل المساهمين في المصارف قسطهم من الخسائر، بحسب القانون ووفقا لمنطق النظام الليبرالي الحر. 
هذه النقاط الثلاث لامست بنية النظام، التي تتشكل من بعض أصحاب السلطة وبعض أصحاب المال، 
والعديد منهم موجود في الخانتين معا، فبدأ هذا النظام يظهر ابشع ما لديه عبر التجييش واستعمال شتى الوسائل لتزوير الحقائق. فجاءت الاتهامات الملفقة بحسب الغاية: 
١- اننا حاقدون على القطاع المصرفي، للتشكيك بالمقاربة التي اعتمدناها، مع العلم انها في صلب المنطق الليبيرالي، 
٢ - اننا غير كفوئين للتشكيك بالقدرات، 
٣ - اننا مزورون، للتشكيك بالنيات والمصداقية، 
٤ - واخيرا، اننا فاسدون، للتشكيك بالكرامة والنزاهة للنيل من العزيمة، وسيكون للقضاء الكلمة الفصل 
في هذه الاتهامات الرخيصة. 
هناك من يزعم انه لا يمكن استعادة الأموال المنهوبة، أتمنى على كل معني ان يعمل على: 
١- رفع السرية المصرفية كاملة والبناء على ذلك، 
٢- التواصل بشكل جدي مع لوائح اسمية مفصلة مع كافة المعلومات المطلوبة مع كل السلطات في 
البلاد التي يلجأ اليها سارقو المال العام وطلب المعلومات حول الأموال ومصدرها، وعند الشك 
بالمصدر، الإفادة عنها، 
٣- تحديد الثروات العقارية وتتبع مصادرها، 
٤- قيام الدولة اللبنانية بطلب تشكيل لجنة دولية تحت رعاية الامم المتحدة او اي جهة دولية ذات صفة تضم دولاً ترتاح اليها المكونات اللبنانية، تحدد ثروات السياسيين والمتعاطين بالشأن العام صفة، والمال العام والمشكوك بمصدرها، وتقتطع نسبة مئوية مرتفعة من الجميع دون البوح بتفاصيلها وتستعيدها لتغطية الخسائر ومدخولا للبنانيين.

اما من يزعم ان هناك استحالة في استعادة الفوائد غير المنطقية، فهذه عملية ممكنة في ضوء الاليات 
القائمة، اذ ان اللوائح المصرفية تتضمن معلومات كافية عمن استفاد من هذه الفوائد حجم استفادته، وبالتالي 
يمكن القيام بتحقيق سريع لتحديد الجهات والاشخاص المتوجب عليهم رد الفوائد التي تقاضوها من دون 
وجه حق. 
ان توزيع الخسائر بحسب الخطة هو كما يلي: 
-تقدر الخسائر الصافية بعد تنزيل فروقات سعر الذهب بنحو ٦١ مليار دولار. 
-تقضي الخطة باسترداد ١٠ مليار دولار من الأموال المحولة الى الخارج خلافا للاصول. 
-كما تقضي باسترداد ٢٠ مليار دولار من الفوائد المدفوعة بشكل غير مبرر. 
-وتقضي ايضا بترك ١٥ مليار دولار كخسائر في ميزانية البنك المركزي، وقد اعلنت الحكومة 
انها بصدد التفاوض على ذلك مع صندوق النقد الدولي، الا ان محاولات اجهاض الخطة تؤدي الى اعاقة الوصول الى اتفاق في هذا الشأن. 
- وإذا اخذنا بالاعتبار رأس مال المصرف المركزي ورساميل المصارف، ومجموعها ١٣ مليار دولار، فان الخسائر المتبقية لا تتجاوز 3 مليار دولار، ما يعني ان اي خيار للجوء الى لعملية bail in (اي اشراك المودعين الكبار باعادة رسملة المصارف) لن تتجاوز هذا 
المبلغ، وهذا يؤكد عدم وجود اي نوايا في الخطة لاجراء عملية هير كات للودائع. علما ان نسبة هذا المبلغ لا تتجاوز ١٣% من مجمل الودائع في الحسابات التي تفوق ١٠ ملايين $ والتي يبلغ عددها ٩٦٣ حسابا فقط من اصل ٢.٧ مليون حساب. 
وتجدر الاشارة ان اشراك المودعين الكبار في اعادة رسملة المصارف لا تعني بالضرورة المساهمة المباشرة في ملكية المصرف، وانما يمكن ان تتم من خلال مساهمتهم في مؤسسة وسيطة تقوم هي بالتملك وفق المعايير التي ينص عليها قانون النقد والتسليف. 
كما تجدر الاشارة ان قيمة الودائع التي خرجت من المصارف منذ نهاية عام ٢٠١٨ تبلغ نحو ١٧.٣ مليار دولار، من دون احتساب الفوائد التي سترفع القيمة الى نحو 30 مليار دولار، معظمهما خرج من الحسابات التي تفوق المليون دولار . 
ان هذه المقاربة ليست بطبيعة الحال مقاربة هيركات كما قيل وروج. وآسف طبعا لأن الجهات المعنية لم تقم بأي جهد لتفسير هذه المقاربة، وتركت لعبة تزوير الحقائق تأخذ مداها. فما هو الهدف. أنه ببساطة ان من جنى الأرباح الطائلة على مدى سنوات طويلة من جيوب اللبنانيين ما زال يرفض ان يساهم ولو بجزء من
تغطية الخسائر. كل الأرباح الماضية لا يمس بها، ويريدون ان يدفع الشعب عبر انهيار الليرة وتجميد 
الحسابات لدى المصارف الى اجل غير محدد وعبر التضخم المرعب، عوض ان يعيد هذا البعض جزءا 
من أرباحه الى لبنان لإعادة انطلاق الاقتصاد واعادة رسملة المصارف. 
إن النظام الليبرالي الحر الذين يتكلمون عنه يقضي فعلا بأن يعاد رسملة المؤسسات، ومنها المصارف، 
عند وقوع الخسائر، فاما ان يأتي المساهم الموجود بالمال ويحافظ على حصصه، او ان يأتي غيره بالمال 
ويأخذ منه حصصا. اما ان نحاول تصوير الخسائر بأنها اقل مما هي عليه واخذ الأموال العامة لتجنب 
المساهمة بالخسائر بعدما استفادوا من الأرباح الفاحشة، فهذا نقيض النظام الليبيرالي الحر. ان مهنة 
المصرف هي إدارة المخاطر، ومن لم يحسن إدارة المخاطر عليه ان يتحمل الخسائر الناتجة عن ذلك. 
جنى المساهمون عشرات مليارات الدولارات من الأرباح، والمطلوب اليوم إعادة نسبة منها، فأين الكفر بذلك؟ 
ولنتفق على امرين تمادى البعض بتشويههما. 
الامر الأول هو ان صحة القطاع المصرفي شيئ مختلف كليا عن صحة المساهم فيه. فاذا خسر مساهم 
او ربح مساهم، لا يتغير شيئ في وضع الودائع وفي ديمومة المؤسسة. كم مرة في لبنان دخل مساهمون 
جدد الى مؤسسة مصرفية او دمجت، او تملكها مصرف لبنان؟ 
تبدلت أوضاع المساهمين، ولم يشعر المودعون بشيئ. فلماذا بث الرعب في نفوسهم بهذا الشكل؟ 
الامر الثاني، ان مقاربة ورقة الحكومة تتعارض مع النظام الليبيرالي الحر، وهذا امر مضحك لمن يعرف 
ان هذا النظام لا يمكن ان يقوم على ان تعوض الدولة عن خسائر المؤسسات وخطأ تقديرها للمخاطر، ولا 
يمكن ان يتقبل تأميم الخسائر كما يطلب البعض. 
في اول المطاف،  تشجع هؤلاء وطالبوا ببرنامج مع صندوق النقد الدولي كوسيلة للحصول على الدولارات 
دون ان يحتاجوا الى المساهمة بأموالهم. وعندما رأوا تقدير الخسائر، فهموا انه مطلوب منهم المساهمة لان 
حجم الفجوة كبير جدا، فبدأت الحملة على ارقام الخطة، ولما جاء صندوق النقد مؤكدا ثلاث مرات بالعلن (وهو بالعادة لا يعلن أي شيئ، وهذا يدل على الوضع اللبناني العجيب) ان ارقام ومقاربة الحكومة هي
الصحيحة، انتقلت المعركة للتراجع عن البرنامج مع صندوق النقد، متجاهلين الضرر الهائل الذي يمكن 
أن يصيب الثقة في لبنان من جراء فقدان البوصلة والتراجع عن الإصلاحات. 
لا شك ان استراتيجية الرعب من الهيركات المزعوم نجحت في تخويف المسؤولين والمودعين في الوقت 
نفسه، وجعلت من الذين يسعون بكل قدراتهم على تجنبه المتهمون الاساسيون بالسعي اليه. ثم جاء التهويل بأن محو الخسائر لا بد ان يلحق الخسارة بالمودعين، بينما هو يلحقها بمن استفاد من النظام الفاشل فقط،وجاءت نظرية ان تدفع الدولة لانها المسؤولة. وهذه النظرية تتجاهل ان أملاك الدولة هي أملاك اللبنانيين كلهم، ولا يمكن ان تؤخذ منهم فقط لغاية التعويض عن الذين استفادوا وجنوا ارباحا ويرفضون تحمل اية خسارة الآن. فليعيدوا اولا الأموال التي خرجت والفوائد الفاحشة التي دفعت ويحرروا الودائع، ثم نرى ان كان من حاجة الى مساهمة ما من المال العام، وهو ما لحظته خطة الحكومة على اي حال. 
يسلم بعض المصرفيين الموضوعيين ان رؤوس أموال المصارف تضاعفت خلال ١٠ سنوات، وان ٧٥% 
مما قامت به هو اقراض الدولة (الحكومة ومصرف لبنان)، وهذا ما خلق لديهم الثروات، لكن السؤال الذي 
يطرح هو: عندما تكون الأرباح سهلة لهذه الدرجة، الا يكون من الجائز إعادة البعض منها لاحياء مؤسساتهم 
وحل مشكلة مودعيهم؟ وهل يجوز القول بأن اقراض الدولة كان كارثة عليهم؟ 
بالمناسبة، لمن يستسهل استعمال ما يوازي ٤٠ مليار دولار من أملاك الدولة لأطفاء الخسائر، الا يدرك 
هؤلاء أن تشكيل صندوق بهذا المبلغ لمكافحة الفقر يمكن أن يدر ملياري دولار او اكثر سنويا، أي ما 
يوازي ٤ الاف دولار لكل اسرة فقيرة في لبنان. هل يستعاض عن هذا بذاك. 
إن بلدنا دخل بدوامة الفقر والبطالة، وأصبح من الضروري جدا وقف الممارسات التي تقتطع المبالغ من
المودعين عند كل معاملة وكل حاجة. الا يكفي اللبنانيين تدهور سعر الصرف الذي يضخم، بالمناسبة، 
من خسائر النظام المالي يوم بعد يوم. يتعرض المدعوون إلى الهيركات كل يوم، ليس لأن خطة الحكومة 
تنفذ بل لانه لم ينفذ منها أي شيء، ويحصل ذلك عبر أسعار الصرف المختلفة، وعبر العمولات الباهظة، 
وتهريب الاموال إلى الخارج مقابل اقتطاعات هائلة، وعبر اخذ الفرش دولار وايداع اكثر من ضعف المبلغ 
في الحساب مما يشكل هيركات على كافة مودعي المصرف المعني دون أن يدركوا. اما ما يعيد أموال 
المودعين فهو محو الخسائر بإعادة الرسملة وليس إطالة الاجال. 
نعم كانت هذه الورقة فرصة حقيقية لطي صفحة الماضي المالية والاقتصادية الأليمة، ولولا شبكة المصالح المخيفة التي تنهش هذا البلد وأصوله ولقمة عيش شعبه، الا ان تكتل المصالح شوه الحقائق ويتهيا الآن لتحميل اللبنانيين كمًا هائلاً منها، رافضا توزيعها بشكل عادل، والانطلاق بمجتمع يحفظ كرامة العيش للجميع.
حذاري من تحويل دولارات المودعين إلى ليرات بالقوة او بالاضطرار، قبل المزيد من التغير في سعر 
الصرف. 
وحذاري من تجميد أموال المودعين لسنوات طويلة بشكل يفقدها نسبة مرتفعة جدا من قيمتها ويحرم 
أصحابها من استعمالها، وذلك لانكار وجود الخسائر وعدم تحملها من قبل المساهمين، اذ أن التسديد 
المؤخر هو الهيركات الفعلي. وبماذا تدفع الودائع بعد سنوات؟ بالدولار الآتي من الخارج؟ وكيف يأتي من 
الخارج نحو مصارف تفوق مطلوباتها موجوداتها بكثير؟ 
وحذاري مما قرأناه في اقتراح من الاقتراحات، يقول بإعادة الودائع التي تم تحويلها من الليرة الى الدولار 
بالدولار الى الليرة مجددا، وضرب كل من حول معاشاته وتعويضاته وجنى عمره الى العملة الأجنبية 
لحمايتها، لان السؤال: بأي سعر صرف سوف تعاد المبالغ الى الليرة؟ 
وحذاري من تأجيل الخسائر كما جرى سابقا، وإدى الى ما أدى اليه، فتمديد آجال الخسائر يستدعي 
امتصاصها بخلق القيمة المستقبلية، وهذا يشكل عبئا على النمو الاقتصادي وبالتالي يخنق فرص العمل 
والاجور. 
وحذاري الحفاظ على الرساميل عبر تجميد الودائع والحاق الخسائر بها، فهكذا يخسر المودع ماله حتى 
ولو بقيت على الدفاتر، وهذا هو عكس النظام الليبرالي الحر. فمن حق المودع الحصول على وديعته فور 
طلبها او استحقاقها. 
وحذاري السطو على الاحتياطي من الذهب، وعلى الأملاك العامة، لمصلحة المساهمين الذي جنوا الأرباح 
طوال عقود من جراء دين الدولة، ولا يجوز استعمال هذا الاحتياطي او الأملاك العامة الا للحفاظ على 
شبكات الأمان الأساسية للشعب اللبناني. 
واخيرا، حذاري من مليارات الدولارات التي أخرجت من لينان وتكون بها صناديق، وتنتظر الانهيار المفتعل 
او غير المفتعل للانقضاض على البلد وشراء الأصول والضمائر والولاءات بابخس الأثمان، فيصبح لبنان 
ملاذا للاجرام والمجرمين.

ان توزيع المسؤوليات الذي يجري حاليا هو لذر الرماد في العيون. فالمسؤول عن ودائع الناس هو المصرف، 
ولا دخل للمودع في ما قام به المصرف و أدى الى خسارته. وعلى المصرف مناقشة الدولة ومصرف 
لبنان، وليس وضع المودع في مواجهتهما. 
اما في ما خص مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما زلنا في مرحلة تقصي الوقائع facts) 
‏(finding، وما زلنا في الوقت الضائع لانه علينا ان نقر بالأرقام، التي لا لبس فيها، وان نبحث عن الحلول 
لتخفيف وطأة الخسائر على اللبنانيين ومنهم المساهمين بطبيعة الحال، واصبح من الضروري جدا ان نقلع عن الجدل البيزنطي الذي يضر بمصداقية لبنان امام المؤسسات الدولية، التي اقرت بالأرقام والتشخيص. 
وليس صحيحا انه يجب مناقشة الخسائر مع صندوق النقد لان الخسائر واضحة، بل ان تحديدها بشكل 
صحيح وعلمي وشجاع يعطينا المصداقية وقوة الموقف وسلامة الموقع التفاوضي. فأي مصداقية لمن 
يرفض ان يقر بحجم مشكلته؟ وكيف ننتظر ان يساعدنا الخارج اذا كنا نرفض المساهمة بالخسائر؟ 
في الخلاصة، ان مشكلتهم مع الخطة انها طرحت استعادة المال المنهوب والمال المهرب والفوائد الفاحشة 
وحملت الخسائر بحسب القانون والمنطق للمساهمين قبل الدائنين. والدائنين قبل المودعين، وانها كسرت 
المحرمات وكشفت الوضع الفعلي لهذا النظام الفاشل وبينت ضرورة القيام بالإصلاحات بأقصى سرعة، 
خاصة قبل تدهور سعر الصرف الذي قضى على كل الأسس. 
الا ان المشكلة الاهم التي اعترضت سبيل الخطة هي انها ولدت يتيمة، ولم تلق الدعم لتنفيذها وشرح 
لخطاب يضع اللوم على الدولة، وذلك لكسب تعاطف الناس الشاكين من هذه الدولة، ولكن من هي الدولة؟ المسؤولون في الدولة؟ نعم، يجب محاسبة كل واحد منهم، وانا منهم، ويجب اجراء التدقيق الجنائي على الجميع لاسترداد كل ما اخذوه خلافا للقانون. هكذا تتحمل الدولة مسؤوليتها، اما ما يحضرون له تحت هذا العنوان (الدولة) فهم يقصدون الشعب اللبناني برمته، عبر مصادرة املاكه العامة وثرواته الجماعية، اهكذا يعاقب المتورطون بالفساد بتشليح الناس حقوقهم واهداء مالهم العام لمن جنى ارباحا طائلة على مدى عقود؟ 
لقد لحظنا في الخطة استعمال الأصول العامة كخيار اخير للتخفيف من الخسائر، وبعد بذل كل الجهود 
لاستعادة المال المنهوب. 
كان على الدولة ان تبدأ بالإصلاح على جميع المستويات فورا، ومن دون انتظار اي عامل كان، بما في 
ذلك نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ولكن العجلة متوقفة والازمة تستفحل وتقضي على ما 
تبقى من الفرص للانقاذ. كان المطلوب اجراءات سريعة وفورية لاعادة هيكلة المالية العامة وإعادة هيكلة الدين العام، وإعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع المصرفي، وتنفيذ الإصلاحات البنيوية المؤجلة منذ زمن 
طويل، وذلك ضمن رزمة واحدة، فكل شيئ اصبح ملحا الى اقصى درجة. 
ان عامل الوقت يتسم باهمية فائقة، وجريمة بحق اللبنانيين ان يضيع المزيد من الوقت، فكل يوم يأتي 
بخسائر اضافية عبر الليرة وعبر الهيركات الممارس على كل عملية وعبر تدهور ميزانية البنك المركزي 
وطبع العملة وعبر العمليات المصرفية الغريبة وعبر تراكم عجز الدولة. 
الوقت المتبقي امامنا قصير جدا، واخترت ان استقيل الآن لانني ارفض ان اكون شريكا او شاهدا على ما 
يجري. ففي الظروف القائمة حاليا بات المطلوب اكثر من تحين الفرص لتحقيق انجاز ولو ضئيل، وخوض 
مواجهة هنا او هناك، كما كان الحال في السابق. اليوم، لم يعد يجدي الصبر فكل منا مطالب بموقف 
واضح، وانا اتخذته بعدما استنفدت كل جهد في سبيل انقاذ ما يمكن انقاذه.

=========