مال وأعمال

نعمة ل"الاحداث 24":خطة الحكومة تفتقد الى الكثير من النقاط العلمية والعملية
واعطاء تراخيص لمصارف جديدة خطير على وجه لبنان واقتصاده الحر

الاحداث – تتجه الانظار الى اجتماعات الحكومة مع صندوق النقد الدولي لمناقشة خطة الاصلاح المالي في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغياب لجمعية المصارف التي اعتبرت أنها "ليست بخطة اقتصادية بل ممارسة محاسبية وفشل في معالجة جذور الازمة، وانها ستقود لبنان الى كارثة اجتماعية واقتصادية".
واستبدلت الجمعية خطة الحكومة بخطة أنجزتها ولكنها لم تعلن عنها رسميا بعد. وفيما تصف وزارة المالية المفاوضات الجارية بأنها إيجابية، ترى أوساط إقتصادية ان صندوق النقد الدولي لن يأخذ المفاوضات على محمل الجد ما لم يكن الموقف اللبناني موحدا.
وفي هذا الاطار، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور جورج نعمة في حديث خاص لوكالة "الاحداث 24 " الاخبارية "أن خطة الاصلاح المالي التي صدرت عن مجلس الوزراء هي نوع من جردة لارقام ميزانيات بعض المؤسسات التي تعنى بالوضع المالي والنقدي في لبنان وتحديدا المصرف المركزي والمصارف التجارية وموازنة الدولة"، معتبرا "ان مجلس الوزراء من خلال هذه الورقة كان يقدم رؤيته لكيفية تخفيض هذه الميزانيات لمحاولة اقناع صندوق النقد الدولي لتأمين مبلغ مطلوب وهو حوالي 1000% من حصة لبنان في الصندوق".  
واشار الى "أن الخطة تفتقد الى الكثير من النقاط العلمية والعملية التي نعتبرها عن حق خطة اصلاح مالي"، مؤكدا أن "هذه الخطة يجب ان تعبر عن رأي الدولة اللبنانية وليس فقط عن رأي مجلس الوزراء، لأن الكارثة التي أصابت البلد اصابته بكل شرائحه الاجتماعية وبكل مؤسساته".
وقال:"إن الخروج من هذه الازمة يجب ان يكون عبر خطة مدروسة ومنظمة بفعل تشاركي من كل الاطراف المعنية فيها في لبنان، أعني مجلس النواب من الناحية التشريعية ومجلس الوزراء لناحية السياسة المالية اي ميزانية الدولة، والسلطة النقدية فيها أي المصرف المركزي كي نتمكن من خلالها ان نعرف نظرة هذه السلطة النقدية الجديدة بناء على المؤشرات المكرو-اقتصادية الموجودة حاليا في البلد، وكان يجب الوقوف عند آراء كل هؤلاء الأطراف إضافة الى الكثير من المؤسسات والنقابات والمهن الحرّة الموجودة والتي تمثّل القطاع الخاص، وهذا الأمر، ويا للأسف لم يحصل، في ظل الحديث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهذا القطاع هو العمود الفقري للاقتصاد اللبناني والذي يعاني حاليا من أزمة كبيرة",
ولفت الى ان "ورقة الحكومة تطال المصارف التجارية، وهي حاولت شطب موضوع الدين العام بناء على فرضية ان صندوق النقد لن يعطي مساعدة للبنان اذا لم تقم الحكومة بعملية تصفيات للخسائر اي تحويل الخسائر الى صفر، وحذفها من الميزانيات، فالتخلف عن سداد الدين أي إلغاء كل ديون الدولة الذي تحمل سنداتها مؤسسات وأشخاص من هؤلاء الاطراف، المصارف التجارية والمصرف المركزي، مع العلم أن المصارف التجارية ليست هي من كانت تعمل حصرا على شراء هذه السندات، وكل التوظيفات الاساسية التي كانت تحصل في القطاع المصرفي كانت شهادات ايداع لدى المصرف المركزي".
اضاف:"إذا ارتأت الحكومة ان الفجوة تبلغ 83 مليار دولار فهذه مقاربة حسابية وليست اقتصادية، والمقاربة الحسابية تقول ان يتم حذف رأسمال المصارف لانهم اعتبروا ان اول من يجب ان يتحمل الخسارة هم اصحاب المصارف، فرأسمال المصارف يبلغ 20 مليارا ويبقى 63 مليار الذين يعتبرون من المطلوبات، فاستخدموا عبارة temperament of liability واستخدموا طريقة تحويل هذه الخسائر التي تعود ملكيتها للناس الى أسهم داخل المصارف، لذلك نرى ان الخطة طالت ميزانية المصارف بعمقها، وهذا الامر مُستهجن ان يتم التطرق اليه بهذه الطريقة وبفعل ليس فعلا تشاركيا.
لذلك، هذه الورقة تمثل نظرة الحكومة فقط، لأن جمعية المصارف هي غير موافقة عليها، وكان للمصرف المركزي رأيا مختلفا، وهناك جدل كبير بين السلطة التنفيذية والسلطة النقدية، وكان هذا الرأي واضحا وعلنيا، واليوم هذه الاشكالية مستمرة لاننا نتوجه للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وليس لدينا مقاربة موحدة للدولة اللبنانية، لدينا مقاربة قدمتها الحكومة عبر هذه الورقة من جهة، ولدينا السلطة النقدية من جهة ثانية التي لديها مقاربة مختلفة وقدمت أرقاما مأخوذة من الميزانيات، وهناك أرقام صحيحة، ولكن تفسير هذه الارقام وتحليلها وطريقة معالجتها تختلف بين الحكومة والسلطة النقدية والقطاع المصرفي".
وردا على سؤال، قال نعمة "ان "سيدر" هو عبارة عن مؤتمر سيقدم للبنان دعما بقيمة 11 مليار دولار، ولكن المانحين الذين يشكلون المظلة لمؤتمر "سيدر" هم المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية ، وهذه هي الفئة الراعية لهذا المؤتمر، ولن تقدم على مساعدة لبنان ان لم تأخذ الضوء الاخضر من صندوق النقد الدولي، لأنه لا ثقة في الدولة اللبنانية".
أضاف:"حتى في مؤتمر "سيدر" كان هناك تشكيك كبير في ان الحكومة اللبنانية ستنفذ وعودها الاصلاحية التي أطلقتها من خلال المؤتمر، وكان هناك شروط عبر مؤتمر "سيدر"، وحينها لم يكن هناك نية لتأمين السيولة للبنان من دون شروط وضوابط ومعايير، وكيف بالحال اليوم، بعدما تخلفت الدولة عن سداد الديون وظهرت حالة إفلاسها، فمن غير الوارد أن يقوم المجتمع الدولي بمساعدة لبنان، من دون الحصول على ضمانات عملية وعلمية يقدمها لصندوق النقد الدولي، لان هذا الصندوق هو مؤسسة تابعة للامم المتحدة، ويعنى بمساعدة الدول التي تعاني من عجز في ميزانيتها العامة، والتي لديها عجز في ميزان المدفوعات بالتحديد، وهي ترسم لها خارطة طريق للخروج من الازمة مقابل مبلغ معين يمكن للصندوق ان يقرضه لهذه الدولة".
وتابع:"اليوم صندوق النقد الدولي، لا يتعاطى مع لبنان كسلطات وفئات متعددة، ونحن اعتدنا على هذا المشهد من الانقسام، في حين ان صندوق النقد يتعاطى مع لبنان كجمهورية واحدة، ودولة موحدة، ومن المفترض ان يكون لديها رؤية واحدة، وخطة موحدة، يتم التوافق عليها، وهذه الورشة لن تتم، قبل التوجه الى الصندوق في شكل كامل.
صحيح أن الورقة أقرت في مجلس الوزراء، ولكن الاطراف المعنية بها غير موافقة عليها.
والتشريعات المرفقة بها هي اساسا ضمن الفهرس الذي كان أعد سابقا لمؤتمر "سيدر" ولم يتم التصديق عليه، والمجلس النيابي والكثير من الاطراف واللجان النيابية شككوا بالقرارات التي في نص هذه الورقة، ولاحظنا انها تعارض المبدأ الاساسي الذي ينص عليه الدستور في مقدمته وفي بنوده، الذي هو المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
اذاً، هذا التشكيك والاختلاف في وجهات النظر حيال ورقة الحكومة لن يسهل المهمة، ويسيء الى لبنان، ولن يقوم صندوق النقد بمساعدة لبنان في ظل هذا الانقسام الحاصل بين مكونات المجتمع اللبناني".
تخفيض عدد المصارف والترخيص لأخرى
وردا على سؤال عن تخفيض عدد المصارف الى 50% واعطاء رخص ل5 مصارف جديدة، قال:"إن موضوع عدد المصارف هو موضوع مصرفي نقدي ومالي، فعدد المصارف في لبنان كبير، بالنسبة الى حجم الاقتصاد اللبناني، ومقارنة بدول العالم، لذلك يجب علينا تخفيف عدد المصارف، وهذا المطلب ليس بجديد، لأن بعثة صندوق النقد الدولي تطالب منذ حوالي 5 سنوات وحتى اليوم بتخفيض العدد، لكي تكون مصارفنا صلبة، وتتمكن من القيام بواجبها وتستطيع أن تنأى بنفسها عن المخاطر، لان المخاطر ليست بجديدة، بل هي كانت موجودة منذ سنوات بفعل الاستدانة الكبيرة للدولة. ولكن في المقابل هذا الدمج بين المصارف يجب ان يرتكز على معايير مصرفية ومالية بحتة، ويجب ألا يخضع لمعايير سياسية او معايير محاصصة.
وتساءل نعمة قائلا:" كيف لنا اليوم ان نرخص لخمسة مصارف جديدة، ونحن لا نعلم أصلا العدد الذي سيبقى من المصارف بعد اعادة النظر بهيكليتها الموجودة حاليا؟ وكم ستكون نسبة السيولة بالنسبة الى الودائع؟ وكم سيبلغ الاحتياط الموجود؟ وما هي السياسة النقدية الجديدة التي سيتم اتباعها، اذا طبقنا معايير بازيل 3؟ فإذا بقي لدينا 15 مصرفا فقط هل سيكون عندنا امتثال بالنسب المطروحة من بازل 3 ؟ واذا كان الامر كذلك فلِمَ علينا ان نرخص لمصارف جديدة ؟ وعلى أي أساس سيتم الترخيص لهذه المصارف؟ وكيف علمنا اننا بحاجة لأن نرخص ل5 مصارف في حين ان عملية الدمج لم تحصل بعد، وبالتالي لم نعرف كم سيتبقى من المصارف؟ ان هذا الامر هو أمر مستغرب بعض الشيء، وانا ادعو الى تناول موضوع هيكلية القطاع المصرفي بالكثير من الشفافية ومن علم الاقتصاد ومن المؤشرات المصرفية وان ننأى به عن الصراعات السياسية وعن اي محاصصة ممكن ان تطرح، ويا للاسف أننا اعتدنا في لبنان أن تتم الامور وفق المحاصصة السياسية بعيدا عن الشفافية".
وابدى نعمة خشيته من "ان يكون الهدف من فتح مصارف جديدة واغلاق أخرى موجودة تغيير وجه لبنان الاقتصادي"، معتبرا أن إعطاء التراخيص الجديدة لمصارف وتحديدها بخمسة هو عمل غير مبرر لا علميا ولا مصرفيا ولا اقتصاديا، والذي أعطى هذه المعطيات فليتفضل وليشرح لنا على اي أساس واي معيار اعتمد، وخصوصا ان جميعنا يعلم اننا بحاجة لتخفيض عدد المصارف وليس الى زيادة العدد".
ونبه نعمة الى ضرورة التريث والحرص على النظام المصرفي في لبنان، لأن الخروج من هذه من هذا النفق الذي نعيش فيه حاليا لا يمكن أن يتم الا عبر القطاع المصرفي، وعلينا المحافظة على هذا القطاع ".
وقال:" في ظل هكذا أزمة تلجأعادة الدول المتقدمة الى عملية Bail out اي عملية انقاذ، حيث تلجأ الحكومة الى ضخ سيولة وتأخذ في المقابل أسهما في القطاع الخاص، وفي المؤسسات المتعثرة لكي تحافظ عليها، أما نحن وفي وضعنا الحالي، فالدولة تقوم بعملية Bail in أي نحن نقوم بعملية شطب ودائع الناس وتحويلهم الى مساهمين في المصارف، ولكن كيف نستطيع ان نعلم ما هي عواقب هذه الخطة اذا تم تنفيذها، وكيف ستتكون هذه المصارف وما هو وجهها الجديد وممن ستتشكل؟ وهل ستتشكل بالنسبة الى حجم المودعين أم الى جنسياتهم؟ وهل سيصبح لديهم الملكية الحصرية لهذه المصارف؟ وهذه المصارف من سيملكها؟ ومن لديه القدرة لضخ رساميل ضخمة لكي يؤسس خمسة مصارف في لبنان؟ الكثير من علامات الاستفهام لا أجوبة حتى الان ولكن أقول ان هذا القرار لا يمكن أن يتخذ في هذه الطريقة في مجلس الوزراء، وهذا القرار يعنى به القطاع المصرفي والمصرف المركزي ويجب الاستناد الى مؤشرات علمية وواقعية واعتقد انه تم طرحه بخلفية غير واضحة، لذلك يجب ان نكون حذرين من هكذا قرار وما هي خطورته على وجه لبنان واقتصاده الحر".
==========