محاضرة في مونتريال عن المارونية والموارنة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً
الأحداث - من ضمن سلسلة المحاضرات بعنوان "الأقليات الشرق أوسطية: تحديات وآفاق تعددية في كندا وكيبيك"، التي ينظّمها مركز البحوث الخاص بالأقليات في الشرق الأوسط (RCMME) والتابع لجامعة الروح القدس - كسليك (USEK)، و مركز دراسات الأديان المعاصرة (CERC)، ومركز البحوث الخاصة بالمجتمع والقانون والأديان في جامعة شيربروك (SoDRUS)، حاضر كل من راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول - مروان تابت، والأب دانيال فارس( عبر تطبيق "زوم") مباشرة من مدينة ويندزر، والبروفسور سامي عون، عن تاريخ الموارنة العريق وإسهاماتهم الحضارية، والتحديات التي تواجههم حاليًا في كندا، فيما أدارت الحوار الإعلامية رانيا بو ناصيف.
وعُقدت الندوة في "صالة لبنان" في دير ورعية مار انطونيوس الكبير في مونتريال في حضور حشد من أبناء الجالية، افتتحها الأب جان عقيقي مقدّمًا لموضوع المحاضرات، تلاه المطران تابت، الذي تطرق في محاضرته بعنوان "الموارنة والمارونية، الجماعة الانطاكية السريانية: ليتورجيتها والتزاماتها"، إلى تاريخ الموارنة، الذين يعود أصلهم إلى القديس مار مارون، الذي عاش بين القرنين الرابع والخامس وفق ما وصل إلينا من معلومات مستقاة من مطران سير تيودورس القورشي، الذي توفي في العام 458، والذي تحدّث عن فضائل
مار مارون، الذي تبعه تلامذة كثر عرفوا في ما بعد باتباع مارون، الذين شكّلوا نواة الجماعة المارونية، وتجمعوا في دير أطلقت عليه تسمية "بيت مارون"، ومنه انطلقوا تحت اسم الموارنة ككيان مستقل عن باقي الجماعات المسيحية التي كانت قائمة في سوريا.
وأضاف: "كان للموارنة بطاركتهم وأساقفتهم وكهنتهم، وكانوا يتكلمون اللغة السريانية، وتجمعهم مع سائر الجماعات الروحية روحانية واحدة على رغم الاختلاف في ما بينهم حول العقيدة الايمانية، وفق ليتورجية جماعية خاصة بهم مكمّلة للصلوات الفردية، وتعتمد على موسيقى شعبية معروفة من عامة الشعب، وتعبّر عن مشاعر وحاجات الشعب، بهوية انطاكية – آرامية، وهذا ما ميزّها عن سائر الليتورجيات في ذاك العصر على رغم القواسم المشتركة بينها وبين السريان والكلدان والأقباط، وهذا ما ساهم في عدم ذوبانها".
وأضاف: "تعتمد الليتورجية المارونية على مراحل حياة السيد المسيح منذ ولادته وآلامه حتى موته، وهي تقسم إلى ستة أزمنة: زمن التهيئة لعيد الميلاد، زمن العماد المقدس، زمن الصوم، زمن القيامة، زمن العنصرة، وزمن ارتفاع الصليب".
وتحدّث المطران تابت عن مراحل التطور التي شهدتها الليتورجية المارونية، التي بدأت العام 1545 مع تلامذة المدرسة المارونية في روما، حيث عمدوا إلى تطهير الليتورجية المارونية مما علق بها من عادات غريبة، وهذا ما سمح لهذه الليتورجية بأن تتطور في شكل دائم.
وتوقف عند حقبة البطريرك المكرم اسطفان الدويهي(1670 – 1704) "التي تُعتبر مفصلية في تاريخ الليتورجية المارونية، وذلك بفضل هذا البطريرك المؤرخ واللاهوتي والمفكر والاصلاحي، فاعتمد التطور على مبدأ المؤامة بين العودة إلى الجذور وتنقية التقليد الكنسي من كل الشوائب الغريبة عنها، وهذا ما اعتمده المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي دعا كل كنيسة إلى العودة إلى جذورها وتفعيل هويتها اللاهوتية والليتورجية، وبالأخص ما يتعلق بالروحانية التي تميز الكنائس الشرقية كمساهمة في إغناء الروحانية المسيحية على المستوى العالمي.
الأب فارس
ثم تحدث الأب فارس عن الأسس التاريخية للجالية المارونية في تاريخ كندا بعد الأحداث التاريخية لسنة 1860، حيث شهدت كندا الموجة الاولى للهجرة لقسم من ابناء الجبل خصوصا، وكانت نقطة الوصول إلى مدينة هاليفاكس. ويشهد المتحف الموجود هناك بعناية القنصل الفخري السيد وديع فارس على هذا الإرث العريق، وتبقى سجلات الهجرة الكندية خالية من تصنيف لبناني إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وذلك لتصنيف لبنان من العرق الأصفر الآسيوي غير المقبول بهجرة كندا، كما هذا النوع من السفر عبر السفن يتطلب شروطًا صحية عالية لإنجاز شهر من السفر عبر السفن.
وأشار إلى أن الموجة الثانية تلت الحرب العالمية الاولى حيث فتش المهاجرون عن حياة سلام واقتصاد مريح ومتوسط حياة مقبول. فساهم في سنة ١٩٤٨ السيد جيمس زكور والسيد إلياس كرم مع رئيس وزراء كندا السيد لويس سان لوريه في تغيير تصنف لبنان إلى غير العرق الأصفر وبالتالي فتح الباب للهجرة.
أما الموجة الثالثة فأتت بعد سنة 1950، تلتها موجة رابعة بعد الحرب الأهلية، وهي الأكثر كثافة. وقد أعلن رئيس وزراء كندا جوستان ترودو شهر تشرين الاول شهر التراث اللبناني في كندا من خلال المهرجانات والضيافة وحياة الاخوة والجماعة ودور اللبنانيين في الاقتصاد والعلم والثقافة.
سامي عون
أما البرفسور عون فتحدث عن مسار المواطنة للموارنة في ثقافة علمانية، ليبرالية وتعددية، فأشار إلى أن المسيحيين الشرقيين والموارنة يواجهون تحدي الحفاظ على الهوية من دون انغلاق أو تحلل في النظام ما بعد الأبوي، وضغوط التعليم العلماني في الديمقراطية الليبرالية والدولة المحايدة الحداثة والعلمانية.
وتطرق في مداخلته إلى أن كندا تحمي الحق في الايمان، حيث يُعتبر الأفراد أنفسهم أعضاء في جماعة دينية، لكنهم لا يؤمنون بمعتقداتها أو ممارساتها. ويمكن ملاحظة ذلك في الحالات التي يستمرون فيها في تحديد أنفسهم بدين معين لأسباب ثقافية أو عائلية أو اجتماعية، في حين يتبنون وجهة نظر أكثر علمانية في حياتهم اليومية.
وأشار الى ان الإيمان من دون الانتماء يحدث عندما يؤمن الافراد ببعض المعتقدات او القيم الدينية من دون ان يشعروا بالاندماج في جماعة دينية منظمة. فهاتان الظاهرتان تسلطان الضوء على تعقيد الهوية الدينية المتزايد في المجتمعات المعاصرة حيث يمكن للأفراد اختيار التنقل بين اشكال مختلفة من المشاركة الدينية بدءا من الانخراط الكامل وصولا الى الانقطاع الكامل. كما تسلطان الضوء على تنوع دوافع وتجارب الافراد في مجال الدين مما يطرح تساؤلات حول الافكار التقليدية التي تربط الانتماء الديني بالإيمان.
واكد ان الموارنة في كندا يتمتعون بامتيازات المواطنة، أي المساواة واهمية الحرية الفردية وحرية الضمير خلال عيشهم التعددية الثقافية ولكنهم يواجهون شيوع الانحرافات الأخلاقية وتحويل الانسان الى سلعة في مجتمعات الاستهلاك.
وختم: كما سائر الجاليات الاغترابية، فان المسيحيين المشرقيين كما الموارنة يوازنون بين تعدد ولاءاتهم الوطنية المزدوجة ومسألة هويتهم الدينية.