العبسي ترأس حفل اطلاق كتاب ”سعي الى المصالحة الاخوية في انطاكيا "
الأحداث - ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي حفل اطلاق كتاب ”سعي الى المصالحة الاخوية في انطاكيا " ، بالتعاون مع ابرشية بيروت وجبيل وتوابعهما وجمعية الآباء المرسلين البولسيين ومؤسسة الاب جان كوربون، في مركز "لقاء" - الربوة. تم خلاله تكريم متروبوليت بيروت وجبيل وتوابعهما السابق المطران يوسف كلاس. بحضور السفير البابوي ووزراء ونواب وممثلين عن بطاركة وعن الاجهزة الامنية ونقباء وقضاة ودبلوماسيين اضافة الى مطارنة ورجال دين وشخصيات واهل المحتفى به وحشد من المهتمين .
الاب سيدي
والقى رئيس الجمعية البولسية الاب مروان سيدي كلمة الجمعية ابرز ما جاء فيها :في عمر الثمانين وبعد حياه مشغوله بالتعب ليل نهار والكد والاخطار والجوع والعطش والصوم والبرد والاسفار عاد الى بيته وجمعيته فتقاعد ولم يقعد لينهج للاساقفة المستقلين نهجا جديدا ويخرج كرب البيت . انه الاب يوسف الكلاس كما لقب نفسه دائما وكان هذا اللقب الاحب على قلبه ٠ فانصرف الى الترجمه والتعريف والتنقيح والكتابة بانتظام ورتابه وقرر اعاده النظر في المجمع الفاتيكلي الثاني فعاد الى النص اللاتيني وقارنه مع النص العربي وصحح ما وجب تصحيحه ونقح ما لزم تنقيحه وعرب ما كان لابد من تعريبه متعاونا مع الاب هاشم مده اربع سنوات حتى جاء النص الجديد باسلوبه ومقدماته وشروحاته وحواشيه ايه في الدقه والاخراج والوضوح.
هاشم
وكانت كلمة لمدير مؤسسة الاب كوربون الاب كابي هاشم تحدث فيها عن دور المرسسة في العمل المسكوني وشدد فيها على انجازات المحتفى به ولخص مسيرة الاب كربون والظروف التي ادت الى انشاء المؤسسة بعد ان اكتشف تراث الاباء الشرقيين ومعضلة الوحدة في كنيسة انطاكيا وحاجه الشعب الى التنشئة المسيحية .
العبسي .
وقال العبسي : تدور كلمتي في هذا اللقاء التكريميّ لسيادة الأخ والأب المحبوب يوسف الكلّاس المتروبوليتِ السابق لبيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيّين الكاثوليك حول الكتاب الذي عمل على تهيئته أشهرًا بالاشتراك مع حضرة الأب نقولا بسترس البولسيّ وبإشراف حضرة الأب كابي هاشم والذي نشره منذ ما يقارب الأسبوع بعنوان "سعيٌ إلى المصالحة الأخويّة في أنطاكيا. تأريخ وقراءة في مبادرة سينودس الروم الملكيّين الكاثوليك 1996-1997". موضوع الكتاب وكلمتي هما إذن تلك المبادرة التي وُلدت في فكر وقلب سيادة المطران المثلّث الرحمة إلياس الزغبي والتي تبنّاها سينودس كنيستنا واقترحها على سينودس الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة البيزنطيّة.
المبادرة التي كلامنا عليها هي باختصار أن يكون الروم الملكيّون الكاثوليك منتمين في آن واحد إلى الكنيسة الكاثوليكيّة وإلى كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة البيزنطيّة، أن يكون انتماؤهم مزدوجًا، بحيث تحصل الوحدة المبتغاة بينهم وبين الروم الأرثوذكس مع بقائهم في شركة مع الكنيسة الكاثوليكيّة. مع العلم أنّهم لم يحدّدوا بدقّة ولا نهائيًّا كيف يكون في الواقع هذا الانتماء وماذا يترتّب عليه، مكتفين ببعض الملاحظات.
انطلقت المبادرة من إعلان إيمان اتّفق عليه المطران إلياس الزغبي والمطران جورج خضر، على حسب قول المطران كيرلّس سليم بسترس (ص 7). يقول الإعلان بلسان الروم الكاثوليك: أوّلًا: "إنّني أومن بكلّ ما تعلّمه الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة"، وثانيًا: "أنا في شركة مع أسقف روما، في الحدود التي اعترف بها آباء الشرق القدّيسون للأوّلِ بين الأساقفة في الألفيّة الأولى وقبل الانفصال" (= عام 1054).
الكلام على هذه المبادرة كما صيغت آنفًا وعلى ما جرى من بعد إعلانها وعلى مسيرتها وعلى خاتمتها كثير لا يسعه الوقت المخصَّصُ الآن ولا الظرف وهو وارد في الكتاب. أكتفي بملاحظات قليلة من داخل المبادرة وأخرى من خارج المبادرة.
01- ملاحظات من خارج المبادرة
1-1- الذين انتَخبوا البطريرك كيرلّس طاناس لم يكن في تفكيرهم أو في نيّتهم على أغلب الظنّ أن ينفصلوا عن الكنيسة الأنطاكيّة ويؤسّسوا كنيسة موازية أو بديلة، بل كانوا يعتبرون أنّهم يعملون ما كان يُعمل بعد ممات بطريرك، أن ينتخبوا بطريركًا جديدًا وأن تستمرّ بالتالي بطريركيّة أنطاكية كما كانت كالمعتاد، ولو أنّهم كانوا يميلون إلى الوحدة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ. ما كانوا يفكّرون أيضًا أنّ القسطنطينيّة سوف تعيّن بطريركًا آخر. كذلك القسطنطينيّة، حين عيّنت سلفستروس بطريركًا على أنطاكية ما فكّرت، على أغلب الظنّ، أنّ البطريرك الجديد كيرلّس طاناس سوف يستمرّ وأنّ بطاركة آخرين سوف يخلِفونه، وما كانت تفكّر بالتالي أنّ كنيسة جديدة سوف تنشأ بالتوازي مع الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة القائمة لأنّ قيام بطريركين في البطريركيّة الأنطاكيّة كانت له أكثر من سابقة في تاريخها. لكنّ الظاهر أنّ الأرضيّة الشعبيّة كانت مهيّأة لاستمرار كنيستنا وبقائها بالإضافة إلى عوامل أخرى.
1-2- استمرّت كنيستنا على هذا النحو، كنيسةً رسوليّة أي تعود رأسًا إلى الرسولين بطرس وبولس مؤسّسي كنيسة أنطاكية، وقد صنعت في القرون الثلاثة الأخيرة خيرًا كثيرًا وعملت أعمالًا كبيرة وكان لها حضورها الكنسيّ والمدنيّ، الاجتماعيّ والثقافيّ والأدبيّ والعلميّ والروحيّ على مختلف المستويات وحيث لها أبناء لمع وما زال من بينهم أعلام وطنيّة وعالميّة في كلّ المجالات. وما ميّز كنيستنا ولا يزال على مدى تاريخها هو أنّها كنيسةٌ منفتحة تتجاوز كلّ ما من شأنه أن يحدّها أو يحجّمها أو يجعلها تنعزل وتعزل، تنكمش وترفض الآخر، كنيسةٌ ينتمي أولادها إليها ولا يتعصّبون لها، كنيسةُ الحوار والتلاقي تمدّ الجسور ولا ترفع الجدران، كنيسةٌ "جامعة" مثلما نصف الكنيسة عمومًا في قانون إيماننا.
1-3- نتساءل هل كان البطريرك طاناس والتيّار الوحدويّ الذي كان معه، عندما طلبوا من الكرسي الرومانيّ الاعتراف بهم، والاعتراف يعني الشركة، على دراية واضحة بأنّ هذه الشركة هي مع بطرس أم تحت بطرس؟ هل كانوا يعتقدون أنّ بطريركيّة أنطاكية سوف تبقى على ما كانت من ناحية الشركة مع الكرسي الرومانيّ، أي بين متساوين؟ موقف البطريرك غريغوريوس يوسف في المجمع الفاتيكاني الأوّل يشي بأنّ الجواب نعم، بأنّ الشركة في نظرهم كانت حتّى هذا المجمع بين متساوين، لكن يبدو أنّ البطريرك غريغوريوس يوسف أقرّ في النهاية بأعمال المجمع واتّضح أنّ الشركة في نظر الكرسي الرومانيّ هي بين رئيس ومرؤوس.
02-ملاحظات من داخل المبادرة
2-1- المبادرة التي بادرها الروم الملكيّون الكاثوليك كانت بالمختصر أن نكون نحن الروم الملكيّين الكاثوليك في شركة مع الروم الأرثوذكس الأنطاكيّين والكرسي الرومانيّ في الوقت عينه، فنوفّق باعتقادنا بين هوّيتنا الشرقيّة البيزنطيّة الأنطاكيّة وشركتنا مع كنيسة روما. هذه المبادرة في رأيي، لم تكن مصيبة منذ الانطلاقة الأولى لأنّ الحلّ لم يكن في يدنا وحدنا بل في يد الأرثوذكس والكاثوليك أيضًا. إنّه حلّ ثلاثيّ يستلزم موافقة الأطراف الثلاثة. وقد كان محقًّا من سمّاها مبادرة وجدانيّة لن يكتب لها النجاح. الدليل أنّ الأرثوذكس هم الذين وضعوا شروطهم وانقدنا نحن لهم من ناحية. يقول الأب غابي هاشم: "الجديد اللافت في خطاب المطران الزغبيّ هو تبنّيه للموقف الأرثوذكسيّ" (ص105). والدليل أيضًا أنّ الكرسي الرومانيّ هو الذي فرض رأيه فخضعنا له، من ناحية أخرى، إذ، يقول الأب هاشم قد "شدّد[هذا الكرسي] على أنّ كنيسة الروم الكاثوليك في شركة تامّة مع الكنيسة الكاثوليكيّة، وأنّ مشروع الشركة المزدوجة لا يتجانس معها ولا يتوافق" (ص 103). ووقعنا هكذا بين خيارين: إمّا الروم الأرثوذكس وإمّا روما. فآثرنا التراجع إذ ربّما لم نكن نتوقّع ذلك ولم نكن بعد قادرين على أن نعلن أين نريد أن نتموضع، إذ ربّما لأنّنا متنازَعون بين هوّيتين. ألم يكن المطران الزغبي ومن ثمّ سينودس كنيستنا على علم بذلك ومدركين أنّ مبادرتهم بوضع رِجل على ضفّة ورجل أخرى على الضفّة الثانية سوف تفضي إلى طريق مسدود؟ يجيب حضرة الأب غابي هاشم بقوله: "لم يكن المطران الزغبيّ متضلّعًا من دقائق الشؤون اللاهوتيّة"، و"إنّ إعلان إيمان المطران الزغبيّ بالشركة المزدوجة إعلان شخصيّ وغير مبنيّ على معطيات لاهوتيّة" (ص 102-103). وقد عبّر المطران جورج خضر عن العقبة اللاهوتيّة بقوله بشكل عامّ: "لا يمكننا الدخول في الشركة مع كنيسة ذات معتقد كاثوليكيّ كامل" (ص 58).
2-2- إخفاق المبادرة عبّر عنه المطران كلّاس بعبارة قويّة "الختم على مبادرة المطران إلياس الزغبي"، وأيضًا "سقوط المبادرة" لأنّ الطرفين المقابلين المحاورين لنا تشبّثا كلّ بموقفه تشبّثًا جعل البعض يصف الحلّ بالمستحيل وجعل المطران سليم بسترس يستخلص أنّ "خطوتنا كانت لربّما متسرّعة، ولكنّها أظهرت لنا أنّ المسافة الكبيرة التي تفصلنا عن إخوتنا الروم الأرثوذكس الأنطاكيّين، ما زالت كبيرة" (ص 86). ويضيف: "لذلك أقترح تحويل جهودنا إلى الاجتماعات بين كلّ الكنائس الكاثوليكيّة والكنائس الأرثوذكسيّة في الشرق، وترك موضوع إعادة توحيد بطريركيّة أنطاكية إلى ما بعد إعلان الوحدة الشاملة بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الأرثوذكسيّة" (ص 86). هذا هو أيضًا موقف الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة الذي أوضحه المطران جورج خضر بقوله: "لا يمكن أن تنفرد كنيسة أنطاكية بالمصالحة مع الكاثوليك بمعزل عن أرثوذكس العالم. فمصالحة الكنيسة الأرثوذكسيّة تتطلّب مصالحة أرثوذكس العالم أجمع" (ص 52)، ناهيك، يضيف المطران خضر، أنّ مصالحة الروم الكاثوليك لا يمكن أن تحصل منفردة من دون مصالحة باقي الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة لأنّ هذه الكنائس لها الإيمان الواحد والقانون الواحد وتوضع كلّها في ميزان واحد.
2-3- هذه المبادرة بإخفاقها تعيد طرح موضوع هوّيّة كنيستنا على بساط البحث. في الواقع ما كانت مبادرة "المصالحة الأخوية في أنطاكيا" إلّا محاولة لتحديد هوّيّة ودور جديدين لنا نحن الروم الكاثوليك، ربّما لأنّنا في لا وعينا نشعر بأنّنا غير مرتاحين لما نحن عليه حتّى بعد مرور ثلاثمئة سنة. لكنّ المحاولة أخفقت لأنّ الهوّيّة التي حلمنا بها أكبر من الواقع. ولذلك وصف الطرف الآخر مبادرتنا بأنّها فيها غموض. يقول المطران جورج خضر: "إنّ المطلوب من الكاثوليك تجاوز الضبابيّة وتفسير العقيدة الأرثوذكسيّة لشعبهم" كاشفًا أنّ انصهار الكنيستين أمرٌ جدّيّ يلزمه الكثير من العناية ولا يجوز التوحيد في شكل عشوائيّ وهناك خلافات لا بدّ من تذليلها" (ص56). أعتقد أنّ موضوع تموضعنا محسوم منذ أن استعدنا الوحدة مع كنيسة روما لكن لربّما لا نريد أن نجاهر به: نحن في العقيدة والقانون كاثوليكيّون وفي الليترجيّا والحياة الأسراريّة بيزنطيّون. أردنا، وبنيّة صافية، أن نكون جسرًا، لكنّا في الواقع وضعنا أرجلنا منذ البدء في الضفّة الغربيّة. هذا ما تعتقده الكنيسة الأرثوذكسيّة وأشار إليه غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في كلمته بالمؤتمر العلميّ الدوليّ الذي عُقد في البلمند في 16/10/2024 بقوله: "من الباب الأخويّ أترك للذين تركونا وانضمّوا إلى الغرب، وفقَ اتّفاق سمح لهم بالمحافظة على طقوسهم والإبقاء على النظام البطريركيّ، تقييمَ نتائج خيارهم".
2-4- وحدة الكنيسة الأنطاكيّة البيزنطيّة هي مطلب ومُنى الطرفين والسعي إليها حاصل من الطرفين وقد رحّب الطرفان بالمبادرة إلى تحقيقها ولا يزال إخوتنا الإرثوذكسيّون يرغبون فيها ويسعون إليها كما صرّح غبطة البطريرك يازجي في ختام كلمته المذكورة بقوله: "رجاؤنا أن يكون هذا المؤتمر مدماكًا يضاف على المداميك التي وضعناها في سبيل استعادة الوحدة والوئام بين كنيستنا وكنيسة الروم الكاثوليك". أخفقنا، لكنّ الإخفاق لن يَقضي على الرجاء في أن تحصل الوحدة أكان على مستوى البطريركيّة الأنطاكيّة أم على مستوى اللجنة العالميّة للحوار بين الكاثوليك والكنائس الأرثوذكسيّة.
03- خلاصة
3-1- "سعي إلى المصالحة الأخويّة في أنطاكيا". هكذا أراد سيادة المطران يوسف الكلّاس أن يعنون كتابه. أجل كنيستنا سعت وبادرت في الخطّ الذي كان تكلّم عنه منذ حوالي ستّين عامًا السعيد الذكر البطريرك مكسيموس الرابع الصائغ حين قال من حاضرة الفاتيكان: "إنّ اتّحاد الكنائس قد يكون للكثير من أساقفة العالم معضلة هامّة وحيويّة، ولكنّهم لا يشعرون بها إلاّ شعورًا نظريًّا فقط. أمّا نحن فإنّ جرح الانفصال نشعر به شعورًا حسّيًّا داميًا... فمسألة الوحدة هي همّنا الأكبر وأوّل مشاغلنا وأشهى رغائب قلبنا. إنّها الغاية التي نرمي إليها بكلّ جوارح نفسنا... وإنّه ليبدو لنا أنّ السعي في سبيل اتّحاد الكنائس هو علّة وجودنا والرسالة الأساسيّة التي ألقتها العناية الإلهيّة على كاهلنا جماعة وأفرادًا" (المسرّة، 1967، ص 744).
3-2- لم تُفلح المبادرة لكنّ الرجاء لم ينقطع. سوف تبقى المصالحة غايتنا حتّى تحصل. خُتم على مبادرة كنيستنا، بيد أنّ هناك خيارًا آخر يتوفّر اليوم يبدو من قراءة الكتاب أنّ الطرفين باتا يرجوان أن يثمر ولا يريان سعيًا إلى المصالحة خارجًا عنه على الأقلّ في الوقت الحاضر وكجواب على المبادرة. إنّه الحوار اللاهوتيّ العالميّ بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الأرثوذكسيّة. هذا الخيار، بالنسبة إلينا نحن الروم الملكيّين الكاثوليك، يعني تغيير البوصلة. حتّى اليوم كنّا نعدّ أنفسنا المحاورين بين الطرفين الكاثوليكيّ والأرثوذكسيّ ونعبّر عن هذا الحوار بأنّنا الجسر الذي يصل الطرفين. لكنّ سقوط المبادرة بالشكل الذي حصل سدّ الطريق وأثار أسئلة علينا ألّا نخاف من وضع إصبعنا فيها: هل يهدّد هذا السقوط رسالتنا؟ هل نبقى عالقين فوق الجسر الذي بنيناه؟ أما حان الوقت لأن نضع أقدامنا على هذه أو تلك من ضفّتي النهر؟
3-3- في السعي إلى استرجاع وحدتنا، إلى المصالحة، نستطيع أن نشقّ أكثر من طريق. من هنا كان اقتراح اللجنة اللاهوتيّة الكاثوليكيّة التي اجتمعت في القدس الشريف في الأوّل من تشرين الأوّل عام 1996 ونصحت بالسعي والسير في الوقت الراهن في الطريق المحلّي والراعويّ "الذي يهمّ الشرقيّين في حياتهم اليوميّة [...] أن ينشط العمل المسكونيّ، فتنتقل التفاهمات اللاهوتيّة (كما في إعلان البلمند مثلًا) إلى تطبيقات عمليّة تَظهر على أرض الواقع؛ ولذلك يجب أن يتقدّم حوار الحياة والرعاية إلى أقصى الحدود الممكنة وعلى شكل جريء وواقعيّ. وإنّ تحقيق التطبيقات العمليّة هذه، إذا ما جرت بين الكنيستين، تكون دافعًا شديدًا لتَقَدّم الحراك المسكونيّ على مستوى العالم" (ص 73). نضيف أنّه ربّما في الإمكان أيضًا أن يكون لنا نشاطات مشتركة من مثل الأبحاث في الهويّة الأنطاكيّة ومميّزاتها.
3-4- بعد ما آلت إليه مبادرة كنيستنا يورد المطرن يوسف الكلّاس أنّ المطران إلياس الزغبي صاحب المبادرة انتهز الفرصة في سينودس كنيستنا في تمّوز 1966 ليقول: "في كلّ حال سيحفظ التاريخ المسيحيّ للكنيسة الأنطاكيّة، التي كانت دومًا عنوان المصالحة والمشاركة والمسالمة، أنّها رفضت أن يُغلَق على الألفيّة الثانية من التاريخ المسيحيّ، ووِزرُ الانفصال بين الغرب والشرق المسيحيَّيْنِ جاثمٌ على عاتق الكنيسة جمعاء، وأنّها عملتْ يومًا على دكّ معضلة الاتّحاد المتصحِّرة لإزالتها، بما حاولته من مبادرة لإعادة الوحدة إلى الكنيسة الأنطاكيّة" (ص 88).
04- ملحق
بقي لي في الختام أن أشكر سيادة الأخ والأب المتروبوليتِ يوسفَ وحضرةَ الأبوين كابي هاشم ونقولا بسترس على إصدار هذا الكتاب القيّم حيث "المبادرة" موضوعُ الكتابِ محاطةٌ من كلّ جوانبها، من المهد إلى اللحد، من فاتحتها إلى خاتمتها، لا تترك مجالًا لمن يُريد أن يَزيد، ممّا يجعل الكتاب مرجعًا ثمينًا للباحثين والدارسين لا يُحتاج به إلى مرجع آخر في كلّ ما يتعلّق بهذه المبادرة ليس فقط من حيث استعراضُ تاريخها ومسارِها بل أيضًا من حيث التعليقُ عليها وشرحُها وإبداء الرأي فيها.
وأسمح لنفسي في هذا الاحتفال الذي نقيمه لسيادة المتروبوليت يوسف أن أجرح تواضعه وأخصّه بالشكر الجزيل باسمي وباسم كنيستنا كلّها على ما قدّمه لكنيستنا في مسيرته الكهنوتيّة والأسقفيّة الناصعة. قدّم الكثير من الأعمال في مجالات متنوّعة يعلمها الكثيرون منّا. وقدّم لنا على الأخصّ قدوة في كيف يكون الكاهن على مثال السيّد المسيح ورسوله بولس. براءة، نقاوة، غيرة، تواضع، تجرّد، مجاهدة، دقّة، ضمير، حزم، محبّة، إنصاف، صمت، خفاء...أبونا يوسف مدرسة تعلّم وتربّى على يديها كثيرون وكانت لي النعمة أن أكون أنا من بينهم. الشكر لله الذي أعطاه للكنيسة. كثّر أمثاله.
أبونا يوسف شكرًا. الله يعطيك الصحّة التامّة ويطوّل عمرك.
كلاس
وفي الختام كلمة شكر القاها المطران كلاس وقال :
غبطة أبينا البطريرك، أصحاب السيادة... أيّها الأحبّاء،
لقد أكرمتموني اليوم جميعكم بحضوركم، دليلِ محبّتكم وتقديركم. فالشكر الجزيل لكم.
وأخصُّ بالشكر أبانا البطريرك يوسف، الذي قرّر افتتاح سنةِ الذكرى المئويّة الثالثة بتقديم أحد الكتب، شاركني في وضعه كلٌّ من الأبوَين كابي هاشم ونقولا بسترس وقدّم له المطران كيرلّس بسترس. وقد وضعنا لهذا الكتاب عنوانًا هو "سعيٌ إلى المصالحة الأخويّة في أنطاكيا" سنتي 1996 و1997. فلولا محبّةُ غبطته والتِفاتَتُه، لما كان هذا اللقاء. أملي، من نشر هذا الكتاب، أن يُعيد إلى القلوب الوِدَّ الكبير، الذي نشأ بيننا، كما كتب المطران جورج خضر، وأن يُراكِمَ المكاسبَ التي ربحناها معًا من تحاورنا وتعاوننا الراعويّ الأخويّ في خدمة المؤمنين، ويُعيدَ ربط ما تقطّع، عَبر لجنةٍ مشتركةٍ حديثة التنظيم.
وبعد استئذان غبطته، أوجّه الشكر إلى والدَيّ وإخوتي وأخواتي، وبعضُهم رقد بالربّ، وأولادِهم والأحفاد، الذين نظروا إليّ وإلى شقيقتي المرحومة الأم ماكرينا،كإلى مَن انتدبوهما باسم الأسرة لخدمة الربّ وكنيسته. فساعدونا بسخاء وتجرُّد. وأعطونا، وأعطوا الكنيسة، ولم يأخذوا منّا سوى ذكرِهم في صلواتنا، ومنحِهم الأسرار المقدّسة.
في هذه العيلة المسيحيّة بدأتْ مغامرةُ حياتي الكهنوتيّة، فكانت مغامرةَ طفلٍ في السادسة من العمر، إستهواه حبُّ الخدمة الكنسيّة، يومَ كان والدي وكيلَ وقفِ القرية، وعمِل، مع مسيحيِّيها ومُسلميها، على بناء كنيسةِ حديثة بالإسمنت المسلّح، سنة 1937، هي كنيسة الفاكهة المعروفةُ بخطّها البيزنطيّ الأصيل. إذّاك جسّدتُ حبّي للخدمة بحمل الشمعة قدّام الإنجيل المقدّس والقرابين الإلهيّة كما يفعل الكثيرون من الأولاد. إنّما استهوتني الخدمة، وضيعُها وشريفُها، فعاهدتُ الله، آنذاك، بعزم ٍ ووعيٍ واندفاع، وعلى الرغم من صغر سنّي، "أن أكون له مدى العمر، وألّا أكون لغيره".