قضاء وعدالة

توضيح من رئيس ⁧‫مجلس الشورى‬⁩ حول ما ورد من تعليقات عن اجتماع ⁧‫بعبدا‬⁩ المالي- القضائي

الاحداث- أوضح رئيس مجلس شورى الدولة ان الاجتماع الذي حصل في القصر الجمهوري كان على وقع ما جرى من احداث في الشارع تلت صدور قرار مجلس شورى الدولة الذي قضى بوقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان رقم 151. فالدولة شخص معنوي هي مصدر انشاء وتفعيل المرافق العامة على اختلافها وهي تقوم بمهامها مستهدفة توخي المصلحة العامة. اذ ان اشخاص القانون العام تحكمها قواعد عامة مشتركة وهي بحاجة الى استمرارية التعامل مع بعضها في سبيل تسيير أمور الدولة وذلك دون اهمال الرقابة التي يجريها القضاء الاداري على عمل الادارة العامة.
وفي هذا الاطار يأسف رئيس مجلس شورى الدولة للحملات الممنهجة في وسائل الاعلام التي استهدفته وتطاولت على كرامته وعلى مناقبيته في مزايدة غير مبررة على استقلالية القضاء وحياد القاضي وتجرده بما اعتبرته "جلوس القاضي مع احد الخصوم".

ان من انبرى في اطلاق هذه المواقف لا يعرف خصوصية القضاء الاداري والاختلاف بين القواعد التي تنتظم اجراءات التقاضي بين كل من جهتي القضاء الاداري والعدلي، ولا سيما ما يتعلق منها بدعوى الابطال لتجاوز حد السلطة.

اننا نوضح في هذا المجال ان الدعوى المقدمة امام مجلس شورى الدولة الرامية الى وقف تنفيذ ومن ثم ابطال تعميم مصرف لبنان رقم 151 لمخالفته القانون بوجه عام، هي بحسب طبيعتها لا تهدف الى حماية حقوق او مصالح شخصية بحد ذاتها، وبالتالي فهي تتصف بالصفة الموضوعية وليست الشخصية او الذاتية، والغاية منها حماية الشرعية التي تفرض على الادارة عند اصدار قراراتها ان تراعي قواعد القانون، كما ان تراعي الغرض الذي توخاه القانون من اصدار القرار وهو تحقيق الصالح العام فلا تنحرف عنه او تسيء اليه.

وانطلاقاً من ذلك تعتبر دعوى الابطال موجهة ضد تصرف الادارة مصدرة القرار غير المشروع وليس ضد شخص معين وتحديداً شخص مصدر القرار، كون العبرة هي للقرار المطعون فيه وليس للشخص الذي أصدره، فهي لا تقوم على نزاع بين خصوم باعتبار ان المختصم فيها هو القرار الاداري لا الشخص المسؤول في الادارة التي اصدرت هذا القرار.

ان هذه الاستقلالية لا تمنع التواصل والتعاون بين المجلس وباقي أشخاص القانون العام ضمن الاطر والحدود التي رسمها القانون لتسيير عمل الدولة، ولا يخفى عن البال ان المجلس يؤدي دوراً استشارياً استناداً الى المادة 57 من نظامه التي توجب استشارته في مشاريع النصوص التنظيمية.

وفي هذا الاطار لا بد من الاشارة الى ان رئيس مجلس شورى الدولة يترأس الغرفة الادارية والغرفة الأولى الناظرة في قضايا الابطال، وبالتالي فإن مصدر اي قرار اداري (وزير، مدير عام، حاكم مصرف لبنان...) يمكن ان يكون قراره موضع طعن امام الغرفة المذكورة لابطاله وفي الوقت ذاته يمكنه ان يتقدم بطلب استشارة من الغرفة الادارية بشأن اي قرار اداري آخر يريد ان يصدره دون ان ينشأ عن ذلك اي خصومة مانعة تحول دون امكانية اعطائه الاستشارة المطلوبة.

انه انسجاماً مع مبدأ الفصل المرن "بين السلطات و توازنها و تعاونها" الذي كرّسته الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور اللبناني، ليس هناك من تعارض بين المهمة الإستشارية لمجلس شورى الدولة في لبنان ومبدأ الفصل بين السلطات، إذ إن مهامه الإدارية والتشريعية والقضائية تشكل ضمانة للتوازن والتعاون بين السلطات الثلاث في الدولة، من خلال الرقابة المسبقة التي يمارسها مجلس شورى الدولة على مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية، والرقابة اللاحقة التي يمارسها من خلال دعاوى الإبطال.

ان ما يهم رئيس مجلس شورى الدولة ان يوضحه بالنسبة للاجتماع الذي حصل في القصر الجمهوري هو ما يلي:

عرض رئيس المجلس خلال الاجتماع ان التعميم الصادر عن مصرف لبنان يتعارض مع بعض أحكام قانون النقد والتسليف ما استوجب اصدار قرار بوقف تنفيذه. كما اوضح ان المادة 57 من نظام مجلس شورى الدولة توجب استشارة المجلس في مشاريع النصوص التنظيمية ومنها القرارات الصادرة عن حاكم مصرف لبنان. اما بالنسبة لتنفيذ القرارات القضائية الصادرة عن المجلس فقد أوضح رئيس المجلس ان هناك أصولاً خاصة حددها القانون في المادة 126 من نظام مجلس شورى الدولة توجب ان تقدم طلبات تنفيذ القرارات الصادرة بحق السلطة الادارية الى رئيس مجلس شورى الدولة الذي يحيلها بدون إبطاء مع النسخة الصالحة للتنفيذ الى المراجع المختصة لإجراء المقتضى. مع التأكيد على ان ما اوضحه رئيس المجلس كان مستنداً الى النصوص القانونية المذكورة وانتهى عند هذا الحد.

وبعد ما تم عرضه أعلاه، يؤكد رئيس مجلس شورى الدولة انه خلافاً لما جرى تداوله في بعض الاوساط لم يتم اجراء اي اتفاقات بين مجلس شورى الدولة ومصرف لبنان حول القرار الصادر عنه وان كل ما اثير بهذا الخصوص من اقاويل هو من نسج خيال مطلقيها وبعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة وعن امكانية تحققه قانوناً في ظل وجود هيئة حاكمة مؤلفة من ثلاثة قضاة، لا يمكن، في أي شكل من الأشكال، تصور ان يختزلهم الرئيس في شخصه.

لا شك ان ما ضجت به البلاد في هذا الموضوع استهدف النيل من هيبة القضاء وثقة الناس به، وجر البلاد الى العبثية والفوضى والانحلال.
حمى الله لبنان من الجهل وسوء النية.