حقائق قانونية في ملف الفاخوري... هل يجب محاسبة قضاة واين وزيرتا العدل والدفاع
الاحداث- ملف التعامل مع اسرائيل حساس ودقيق جدا، اذ تدخل فيه العديد من العوامل السياسية والوطنية والعاطفية، فكيف اذا كنا امام قضية العميل عامر الفاخوري الذي كان ضابطا في ميليشيات انطوان لحد ومسؤولا عن معتقل الخيام حيث مارس القتل والتعذيب النفسي والجسدي بحق المقاومين قبل تحريرهم مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ .
ولكن القانون شيء والسياسة والعاطفة شيء آخر، فقد اصدرت هيئة المحكمة العسكرية الدائمة قرارا باسقاط دعوى الحق العام لمرور الزمن العشري، مما يعني ان السبب القانوني الذي اسقطت فيه هذه الدعوى يتعلق بالانتظام العام ordre public، ومخالفة هذه القاعدة هو خطأ جسيم يرتكبه القاضي، حيث انه اذا كان هناك نقطة او مسألة تتعلق بمخالفة النظام العام والقاضي لم يأخذ بها فانه يرتكب خطأ جسيما.
قراران متناقضان
ولكن على ماذا نشهد اليوم؟
فقد اوضحت مصادر قانونية متابعة للملف لـ وكالة "اخبار اليوم" اننا نشهد على صدور قرارين متناقضين في الشكل والمضمون:
الاول صادر عن قاضية التحقيق العسكري (نجاة ابو شقرا) وانتهى الى الظن بعامر فاخوري بجنايات تصل عقوبتها الى الاعدام.
والثاني صادر عن الجهة الاعلى اي المحكمة العسكرية التي اسقطت الحق العام من حيث الشكل، اي انها رفضت الدخول باجراءات المحاكمة كون دعوى الحق العام قد سقطت بمرور الزمن العشري.
وبالتالي اذا كانت القاضية ابو شقرا على حق، فيجب على التفتيش القضائي او وزيرة الدفاع زينة عكرا ان تأخذ اجراء بحق المحكمة العسكرية، كونها قامت باللجوء الى قاعدة تتعلق بالنظام العام بشكل غير صحيح. اما اذا كانت المحكمة العسكرية على حق، فعلى وزيرة العدل ماري كلود نجم ان تحيل القاضية ابو شقرا (كونها خاضعة للملاك العدلي) الى التفتيش، لانها خرقت مبدأ يتعلق بالانتظام العام، وظنّت بشخص بجنايات تصل عقوبتها الى الاعدام.
من هو المحق؟
وفي هذا السياق، اشارت المصادر الى انه من حق الشعب اللبناني ان يعرف اي جهة هي على حق، لان هذا التناقض في القرارات أدى الى موجة عارمة من الغضب وقد بدأت من سجن رومية وخارجه ايضا، مما يعني انه يفترض بالقيمين على القضاء من مجلس قضاء اعلى، ووزارة عدل، ان يحسما الامر لجهة هل هناك تطبيق لقاعدة تتعلق بالانتظام العام ام لا؟
واضافت: المخرج لامتصاص البلبلة جاء من خلال تمييز القرار امام محكمة التمييز العسكرية (من قبل القاضي غسان خوري)، وهو اجراء من حق المدعي العام ان يأخذه، ولكن هل هذا التمييز هو بسبب وجود خطأ قانوني ارتكبته المحكمة العسكرية ام تم ذلك لتنفيس الاحتقان داخل سجن رومية وبين الناس؟ مع العلم ان الجرائم الملاحق بها الفاخوري قد مضى عليها 30 سنة، بمعنى اكانت حصلت صفقة او لم تحصل، ففي القانون قد سقط الحق العام منذ 20 سنة .
منع السفر
في المقلب الآخر، توقفت المصادر عند قرار قاضي الامور المستعجلة في النبطية احمد مزهر بمنع سفر فاخوري لمدة شهرين؟ سائلة: هل يحق لقاضي الامور المستعجلة ان يمنع سفر شخص قد حوكم امام قضاء استثنائي (اي المحكمة العسكرية) حيث لا يوجد الحق في المطالبة بحقوق شخصية؟
وفي هذا المجال، اوضحت المصادر انه حين تصدر المحكمة العسكرية حكما بعقوبة ما، لا تقدّر الضرر المادي الناتج عن الجرم ولا تبت بالامور الشخصية، لذا يتجه اهل الضحية الى المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض المالي، وبالتالي، يمكن لقاضي الامور المستعجلة اتخاذ قرار بمنع سفر شخص لان المتضررين تقدموا بدعوى امام القضاء العادي للاستحصال على تعويضات شخصية.
في المقابل، يستطيع قاضي الامور المستعجلة ان يأخذ مثل هذه القرارات في اطار دعوى مداينة بين مدنيين تتعلق بموضوع اختلاس اموال اوشيكات بلا رصيد، وليس بملفات تتعلق بارتكاب جرائم سقطت بمرور الزمن. والسؤال ايضا، ما هو مصير الدعوى المقامة امام قاضي التحقيق الاول في بيروت، في نفس الموضوع ونفس الجرائم ونفس المدعى عليه عامر الفاخوري.
القضاء الاستثنائي
واشارت المصادر الى ان قانون القضاء العسكري واضح، وينص على ان كل الجرائم المرتكبة على اراض لبنانية من قبل جيش اجنبي او من يعاونه، هي من اختصاص القضاء العسكري، فهل – من حيث الشكل- هناك صلاحية لقاضي التحقيق الأول في بيروت ان يبت بدعوى من اختصاص القضاء العسكري وقد صدر الحكم فيها ؟
وذكرت ان المحكمة العسكرية، هي قضاء استثنائي الذي يعلو على القضاء العادي، بمعنى انه بعد صدور حكم المحكمة العسكرية تنتفي كل الملاحقات والدعاوى، كما ان لا اختصاص ولا صلاحية لقاضي الامور المستعجلة، لان قرار منع السفر يتخذ حين يكون هناك خطر على مصلحة الدائنين يحول دون امكانية استعادة اموالهم.
واضافت المصادر: الفاخوري حوكم لمخالفة قاعدة تتعلق بالانتظام العام، واصلا قاضي التحقيق الاول ليس مختصا.
المقارنة مع قضية قريطم
وعن استناد القاضي مزهر الى قرار منع السفر بحق رئيس لجنة ادارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم بتاريخ ٤/٣/٢٠٢٠ ، اوضحت المصادر ان ليس هناك مجال للتشبيه بين القضيتين، لان قريطم متهم باختلاس اموال وهدر مال الدولة، وليس التعذيب او جرائم قتل،
وعن حق اهل الضحايا او الضحايا انفسهم في ملف الفاخوري؟ اجابت المصار: يجب اولا ان تقبل المحكمة او القاضي الناظر بالدعوى، القضية في الشكل، وعندها يمكن الكلام عن تعويضات شخصية تسمح لقاضي الامور المستعجلة اتخاذ القرار الذي من الممكن ان يكون منع السفر.
على القضاء ان يحسم امره
وفي تعليقه على قضية الفاخوري، وما تبعها من دعاوى مشتقة منها، قال مرجع سياسي: القضاء يجب ان يحسم امره، اذا كان هناك سقوط لدعوى الحق العام، اصلا لا يجوز لمدعي عام التمييز اتخاذ قرار بتمييز الحكم الصادر، اذ ان التمييز من اجل تنفيس احتقان الشارع امر لا يجوز، في وقت نتكلم فيه عن استقلالية القضاء، وقضاة يتمتعون بالشجاعة والنزاهة، ومجلس قضاء اعلى جديد، ونحن على مشارف تشكيلات ستخلق صورة لنهج جديد في القضاء....
واضاف: اذا كانت المحكمة العسكرية محقة على مدعي عام التمييز ان يعترف بذلك، محذرا من الالتفاف على القانون من اجل تنفيس الاحتقان.
وتابع: اما اذا كانت المحكمة العسكرية غير محقة على وزارة الدفاع ان تتخذ اجراء برئيس واعضاء المحكمة العسكرية، وفي المقابل يجب ان تنصف القاضية ابو شقرا التي اسقطت الدعوى بالتعامل مع اسرائيل لمرور الزمن وادانته بجرائم التعذيب والقتل، لكن كل الجرائم التي ارتكبها فاخوري وقعت في نفس الوقت، اي ان سقوط الدعوى العامة تسري على الافعال في الموقعين.