دوليات

مَن هو "قيصر" الذي سُميَ القانون بإسمه؟

الاحداث - منذ أشهر، والعالم يترقب هذا التاريخ، اليوم الأربعاء، السابع عشر من حزيران للعام 2020، حيث من المفترض أن يدخل قانون قيصر الأميركي حيّز التنفيذ، معاقباً النظام السوري وحلفاءه على ما ارتكبوه من فظاعات خلال سنوات الحرب الطويلة.

إلا أن الأهم من العالم هن أمهات المعتقلين في سجون النظام، الذين ومنذ سنوات طويلة لا يعلمن شيئا عن أولادهن، وهناك عائلات أخرى في سوريا اعتبرت ذويها ضمن عداد المفقودين منذ أن اعتقلتهم قوات الأسد، فكما يقال في سوريا: "من يدخل أقبية النظام مفقود ومن يخرج منها مولود".

أي أنه وبمجرد اعتقال أحدهم تفقد عائلتهم فورا الأمل بعودته، وإن عاد فسيكون كمن ولد من جديد.

ولعل هذا القانون هو الأمل الأخير لمن بقي معتقلا قبل أن تزهق روحه من التعذيب في أن يعود ويرى النور ثانية.

شخصية غامضة لا يعرفها إلا قلة محدودة من المقرّبين، وهو اسم مستعار لمصوّر سابق في الشرطة العسكرية التابعة للنظام في سوريا، كان انشقّ عن النظام عام 2013 حاملاً معه 55 ألف صورة تظهر التعذيب والانتهاكات في السجون السورية، مستعيناً مع زميل آخر له أطلق على نفسه اسم سامي خوفاً من بطش النظام.

مع بداية الأحداث في سوريا، كان عمل "الشاهد الملك" كما يلقّبه البعض، التقاط الصور من أقبية التعذيب لدى النظام ثم إرسالها لأرشفتها مع صديقه سامي.

عاش الصديقان خوفاً وقلقاً شديدين أثناء عمليات التوثيق التي استمرت عامين ونصف، سواء لجهة قيصر الذي كان يعايش يومياً مشاهد جديدة من الموت الذي يتعرض له المعتقلون، أو شريكه سامي المسؤول عن حفظ تلك الصور بعيداً عن قبضة السلطات الأمنية.

إلا أن نظام الأسد معروف ببطشه، فكان لابد من أن يلازم الرعب الصديقين من مغبّة أن ينكشف أمرهما، ولو حصل ذلك لما بقي أحد منهما أو من عائلتهما على قيد الحياة.

وما حسباه وقع، فقد داهم النظام البيوت، وتمت مصادرة أجهزة حاسوب، لكنها لم تكن هي الأجهزة التي احتفظ عليها الصديقان بالمعلومات، لحسن حظهما.

الضابط السوري المنشق قيصر كان تحدّث لـ "العربية نت" عمّا عاشه أثناء عمله، فقال: "عندما كنا نتوجه كمصورين إلى المشافي العسكرية وتحديداً مشفى تشرين العسكري ومشفى 601 في المزة، وهي المشافي التي يتم فيها تجميع جثث الضحايا من جميع الأفرع الأمنية كنا نشاهد أفظع أنواع التعذيب الذي مورس بحق هؤلاء الضحايا الأبرياء، كنا نشاهد أعضاء مبتورة كأصابع اليد أو قلع العيون وجثث شبه محروقة أو كسر أسنان وآثار ضرب بكابلات كهربائية، وأجسام ضعيفة وهزيلة نتيجة التجويع المتعمد لأشهر وربما سنوات".

بالإضافة إلى دوره كمؤرشف للصور، ساعد سامي صديقه قيصر في الخروج من سوريا، وغادرا دمشق في آب عام 2013، وبحوزتهما 55 ألف صورة تقريباً لضحايا التعذيب في المعتقلات السورية نشروا الآلاف منها، وآلاف لم تنشر بعد وفق ما أكد قيصر وسامي.

بعد خروجهما من سوريا عمدا إلى تشكيل ما بات يعرف بفريق قيصر، انضم إليهم منظمات سورية في الولايات المتحدة الأميركية والسفير الأميركي السابق للجرائم ضد الإنسانية، ستيفن راب، وآخرون في غرب أوروبا.

ولعب قيصر بحسب الفريق دوراً كبيراً في إنجاز مشروع القانون عبر عشرات الاجتماعات والاتصالات ساعياً للوصول إلى هذا القانون، فهو لم يسهم في نشر الصور فقط بل أيضاً في التواصل والعمل المستمر وبكافة السبل لفضح جرائم النظام.

وركز الفريق على العمل القضائي ومحاولة إيصال ما يجري من ظلم في معتقلات النظام للعالم، لذلك نظم معارض صور في عدة برلمانات منها البرلمان الأوروبي والبريطاني والكندي وطبعاً الكونغرس الأميركي، وفي معرض المحرقة في واشنطن وفي هذا المعرض عرض هاتف قيصر ووحدة التخزين التي حفظ بها كل الصور.

ثم بدأ العمل على قانون مشروع قيصر الذي حمل اسمه، وحاول الفريق تأمين دعم القانون من كلا الحزبين"، واستطاع الحصول على 100 داعم لمشروع القانون من الجمهوريين والديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، ثم بدأت أولى الخطوات بتمرير مشروع القانون في مجلس النواب أولاً ثم إحالته إلى مجلس الشيوخ.

بعدها، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحة الصور التي سرّبها الضابط قيصر، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، وعُرضت في مجلس الشيوخ الأميركي، ليحمل القانون اسم "قيصر".

إلا أن أكبر مشكلة كانت أمام إقرار القانون بحسب قيصر، هي إدارة الرئيس أوباما، لأنها عارضت في البداية شهادة الضابط أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، لدرجة أنها كذّبت الأمر، بحسب تعبيره.

وأضاف الضابط المنشق مسرّب الصور: "عندما علموا بحقيقة سعينا لشهادتي أمام مجلس النواب حاولت الإدارة الأميركية تأخير إعطائه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة إلى وقت لا تنعقد فيه جلسات مجلس النواب، وبالتالي عدم إمكانية تقديم الشهادة".

إلا أن جهود الفريق أثمرت بحصول قيصر على تأشيرة دخول الولايات المتحدة وحضوره جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب.

وبالفعل، أقرّ الكونغرس الأميركي قانون قيصر ووقع عليه الرئيس دونالد ترمب في كانون الأول الماضي، وهو ينصّ على معاقبة كل من يقدّم الدعم للنظام السوري، ويُلزم رئيس الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول الحليفة لرئيس النظام بشار الأسد.

يشار إلى أن قيصر وسامي يقيمان الآن في أوروبا، بينما يزور الأول الولايات المتحدة بين الفينة والأخرى لاستمرار العمل على قانون قيصر والتأكد من تطبيقه، ومازالا يتصلان بنواب ومسؤولين في حكومات غربية لشرح جرائم النظام ضد المعتقلين ومواصلة العمل القضائي في عدة دول أوروبية ضد النظام وشخصيات ساهمت بعمليات التعذيب.

============