فنون ومنوعات

على صهوة جوادٍ أبيض قبل 36 عاماً

الاحداث- كتب أنطوان العويط فقال:

"كانَ ذلك في ذاتِ ربيعٍ من العام 1982. المدينةُ تنحني والجراح. كهديلٍ أحمر تتصفّحني. العتمة ثمّ لا أنام. 
بين الأقذار جثثٌ تمشي. واحدةٌ تضحك. الليل كثيرٌ وآخر الغربان تتلمّسُ وجهَ الوطن. واحدةٌ تجهشُ. جوادٌ تحتَ المِقصلة والخيّالة كثرٌ.
متجهّماً كنتُ أتصفّحُ وحدتي والسواد على المواضعِ سرابات الأمكنة. كانت شراييني ترشحُ ماء العين وفي مسامي تستيقظ الآهات. كان تعبي جارفاً وحرقتي على الأغصان. صرختي على الزبد. الرغبة الرغبة في البكاء.

***

جميلةٌ وحزينة أطلْلتِ. جميلةُ في حبّكِ وحزينةُ لأنّكِ تحبّين. أسميتكِ طفلة المساء لا تنامين إلاّ دامعةً. وكلّما فاحت عتمة الوطن. كلّما الرحيل.
بسمةٌ كنتِ تتقدّمين بين المرايا والمنعطفات. رغبةٌ تكبّلين الغابات. طيفكِ على النبيذ يُشعل النغمة في السطور. وحدكِ بحنوٍّ والدهشة على الحروف. أحسسْتِ أنَكِ يدٌ راحت تلملم النسمات. بنداوةٍ توحّد بين الماءِ والتراب. نجمة تسطع على أشلائي الممزّقة تهتف العبور. 

***

حول الحرائق التقينا صونيا بنت حسن بن أمين بركات وأنا أنطوان بن داود بن عقل العويط. غمَرَتنا صدفة وباحتشاد انطلقنا. كنّا كالأطفال نلهو. صار الوطن على الشفاه والغابة بين أوراقها. ولكثرة جمالكِ شلحت منديلكِ عاليّاً. فمنديل الوطن كان أكبر في ستره وأصغر من حبّكِ.

***

لا براري لا ولا أسلاك ذهبنا إلى حيث الحبّ. شعبٌ خزل أميرتي وأميرتي تصلّي. شعبٌ خلع على أميرتي قباحته وأنا بُرْدتي. رُضّت الأرض رضّاً. حُطِّمَت الأرض حَطماً. زُعْزعت الأرض زعزعة. مادت كما السكران وتدلدلت كأرجوحة النائم.

***

حين الوطن حشرجة عصفور. حين تُحبَسُ الدمعة بين تلال الشوق وأجراس الحنين. منفيّان كنّا. لا منزل. لا أهل. لا صديق. وكان ما كان في مثل هذا اليوم في السادس عشر من شهر أيّار من العام 1984. على صهوة جوادٍ أبيض. عروسٌ على الصهْوةِ بيضاء ورداؤها أبيض. وقفنا في هجرتنا أمام قاضٍ لم أفقه يومها الكثير ممّا قاله. كلّلنا لنتسلّل بعدها إلى ابتهال العصافير، وعلى المساء لنشلح عشقنا إلتئاماً.

***
بهيّة. راقية. مترفّعة. نديّة. نبيلة. معتّقة. أصيلة. عريقة. نقيّة. طاهرة. أيقونة. متصوّفة. وقصيدة. هكذا أختصرُ حبركِ الذي جمعنا طويلاَ، حين حملْتِ أنتِ مفاتيح القلوب على فعلٍ ملائكيّ. وبالحبّ وحسب تركْتِ للروح مقاليد التجليّات الكبرى مشرّعة، مذهولة بفيضٍ من إبهار العطاء. وقد زاد من صدى إيقاعاتها عائلة، كم انعكست على نهرِ الأمسيات رزمة من حنطة وحصادٍ غامر.
بأحوالٍ من نعمة أبى القلب يخفق لسواكِ ولن. وما بدّلتُ يوماً تبديلا. وحدث أن تتوجْتِ بأكاليل من شوك وحزن ووجع، لطالما أنا الرجل السخيف في ضعفي وتشتّتي وشططي وطيشي وتيهي سبّبته. 
وأنتِ، إبنة الدروب المتحدّرة من زمنٍ عتيق. المجلوّة بالمهابة أبداً. وحيث لا حاجة لكِ إلى مديح وبعيداً عن كلِّ غرور، رحتِ تسردين لي وللعائلة أحوال الصدق والوقار، وحكاية البيت العاصي على الأنواء، والكرامة كيف تنافس أرز البلاد، ببساطة عظمة المرأة التي هي أنتِ. 
أنتِ التي إذا فوق دربي مررتِ غداً فإنّ التراب غداً يُوْرق...لأنّكِ حبٌّ وحبٌّ وحبُّ".