مفوض الحكومة لدى “اللبنانية”: حرب مدبرة على الجامعة
الاحداث - اعتبر مفوض الحكومة لدى الجامعة اللبنانية العميد البروفسور جان داود في بيان، أن “المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الجامعة اللبنانية في جودة التعليم المتقدمة هم أساتذتها، والمسؤول الأول والأخير عما آلت إليه أمور موازنة الجامعة والقبضة على عنقها هم واقعا أو افتراضا أهل السياسة والسلطة. ولكن كيف لأساتذة جامعيين وأكاديميين رؤيويين وناجحين أن يسمحوا لسلطة سياسية أن تمسك بقرارهم خنقا للجامعة”.
وأكد أن “الإضراب المفتوح، والحراك المفتوح، والتوقف القسري كان يجب أن يحصل ولمرة واحدة ونهائية عندما تمت مصادرة استقلالية الجامعة وحوكمتها من مجلس الجامعة فتم إخضاعها لوصاية مجلس الوزراء في بعض مهماتها وقراراتها”، معتبرا أن “تصحيح المسار لن يكون إلا بتحرير حوكمة الجامعة من الوصاية السياسية لحكومة وسياسيين. فمن المفترض بأهل الجامعة ومفكريها وباحثيها أن ينتجوا الفكر والتوجيه السياسي والاقتصادي والمعرفي والاستراتيجي والتنموي ووضع خطط الانخراط المجتمعي والإنصاف في فرص العمل وحماية الامن المجتمعي، وتستوحي منهم السلطة مساراتها وسياساتها وليس العكس”.
وقال: “أما اليوم والجامعة خاضعة للسلطتين التشريعية والتنفيذية فتجب المبادرة والعمل الحثيث على أمر واحد أساسي: إعادة الاستقلالية إلى الجامعة، والتزام السلطتين التشريعية والتنفيذية بخدمة مصلحة الجامعة مع الاحتفاظ بحق الرقابة. وفي حال وجود خفايا أو أسباب تمنع هكذا تدبير، فعلى الجميع إثبات حسن النوايا والمبادرة إلى إنجاز الملفات العالقة وبحسب الأولويات.
وطالب البيان بـ”رفع موازنة الجامعة اللبنانية (ثلاثون ضعفا على الأقل، والأسباب كثيرة: التضخم، زيادة عدد الطلاب، زيادة الحاجات في الأبحاث والمواد المختبرية، الحاجات للمباني والصيانة والغلاء الحاصل……الخ)، ورفع موازنة صندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية (كان ما كان راتب الأستاذ الجامعي، فدخول المستشفى في حال طارئة لإجراء عملية ما يرتب عليه راتب سنة أو سنوات بكاملها مع العجز الحالي في التغطية من قبل الصندوق على أساس دولار ألف وخمسمائة ليرة، في حين أن المستشفيات تتقاضى على أساس دولار المنصة أو السوق السوداء، أي أربعة عشر ضعفا). ”
كما طالب بـ”إدخال المتفرغين إلى الملاك فهذا حقهم بموجب القوانين التي ارتبطوا على أساسها مع الجامعة. ومجلس الجامعة أقر حقهم بالملاك. وأنجزت الجامعة الملفات المرتبطة بدخول الملاك ورفعتها إلى وزير التربية الذي رفعها بدوره إلى مجلس الوزراء. الدولة تخل بالعهد وتماطل من دون سبب، وإدخال الأساتذة إلى الملاك يدخل أموالا للخزينة. كيف يفسر عاقل ربط هذا الملف بملفات أخرى؟، وطالب بإدخال المتعاقدين بالساعة إلى التفرغ. والمضي بمن أمضى أكثر من أربع سنوات في التدريس بالساعة إلى الملاك مباشرة.
وحث البيان على إنصاف المدربين والموظفين، وتعيين العمداء وممثلي الحكومة”.
وأضاف: “هذه هي الأولويات، والخلاف السياسي على تعيين العمداء لا يبرر إبقاء الملفات الأخرى رهينة في انتظار التوافق. كما أن تعيين العمداء لن يمنع التوقف القسري المرتبط أساسا بالموازنة. وإدخال الأساتذة المتفرغين إلى الملاك والمتعاقدين إلى التفرغ لن يحل مشكلة التفرغ النفسي والعيش بكرامة للأستاذ الجامعي إن بقي صندوق التعاضد في عجز مالي. فلا يذرن أحد الرماد في العيون: المشكلة الأكثر إلحاحا هي الموازنة أولا وصندوق التعاضد ومن ثم الملاك والتفرغ وإنصاف المدربين والموظفين”.
وتابع: “إن لا تكن مبادرات سريعة وبحسب الأولويات التي أشرت إليها فالأمر يدعو إلى قلق كبير. والكلام في هذه المقالة رسالة إلى الجميع ولا اعتذار عن الغضب الذي تحمل: إلى الذي فوق من هم فوق الارض. وإلى من هم فوق بعض النقابات والروابط، ومن هم تحت من هم فوق النقابات والروابط. وإلى من هم في صندوق النقد الدولي وقد لا يهمهم الأمر -علما أن صورة صندوق النقد الدولي، وهو يمد اليوم يد المساعدة إلى الدولة اللبنانية، وله صورة مرعبة في أذهان البعض- إلى كل هؤلاء نقول: توجهوا لشرح القضية إلى صندوق النقد الدولي مباشرة وليس إلى ممثليه من أهل الحكم”.
وقال داود: “رغم الصورة المرعبة لصندوق النقد الدولي، فهو سيبدو أكثر رأفة وأكثر إنسانية من تجار القيم وتجار السياسة والتجار بالبشر والتجار بالمواد الغذائية والنفطية وسواها وهم في لبنان أكثر قسوة من أسيادهم ومعلميهم في العالم وقد تفوق بعضهم على معلميه في الفساد. وإن كان صندوق النقد الدولي مصدر الوجع والمتسبب في ما تنتهي إليه بعض الشعوب، وهو الرافض للتوظيف والرافض لرفع موازنة الجامعة، فمن الأجدى أن يتفاوض أهل الرابطة في الجامعة -إن استعادوا القرار- مع الأصل وليس مع متعهدي مشاريع صندوق النقد الدولي – وأحيانا البنك الدولي كما نقرأ في الإعلام”.
أضاف: “التوجه في الخطاب والتفاوض مع صندوق النقد الدولي اكثر جدوى. ولعلي أميل إلى ثورة مشروعة من فوق فيبادر رئيس الجامعة بحكم مصلحة الجامعة والوطن إلى هذا المشروع فهو المؤتمن اليوم على الجامعة وهو فرصة إنقاذها من جحيم يدبر لها. آن الأوان أن تذهب الرابطة الرافضة لمن خذلها في اتجاه المؤسسات الدولية. ماذا تنتظرون؟ ماذا عن أجندة عشرين ثلاثين، والحق بالتعلم للجميع؟ وماذا عن الكرامة في شرعة حقوق الإنسان والتعلم طريق الناس إلى حياة كريمة؟ وماذا عن محو الجهل والأمية الرقمية؟ إن إهمال الجامعة يقضي على أحلام وحقوق الشباب بالتعلم الجيد، وهو بمثابة الاعتداء والعدوان على الوطن وشبابه. إذهبوا إلى صندوق النقد الدولي وحدثوه عن مستقبل الوطن وعن دور الجامعة في حماية هذا المستقبل وحماية وتفعيل الاستثمارات، سيكون أكثر تفهما ومنطقا ووعيا وسيدرك أنه بالجامعة سيحمي استثماراته. ومن المفيد أن يعرف أننا سنحمي الجامعة بما أوتينا من إرادة ووعي وحكمة وإيمان وفكر وجهد، فهي عصب ونبض إعادة الوطن والمواطنة”.
وتابع: “لم يعد الصمت جائزا، وبتنا بحاجة إلى أشكال جديدة في الحراك من أجل الجامعة. أثبتوا الحق بقيادة الوطن إلى مستقبله وبادروا. تخلصوا من كل معوق حتى وإن كانت الحالة الحزبية، لو كنت حزبيا لتقدمت باستقالة من حزبي لصمته أو عجزه عن رفع الظلم عن الجامعة وأساتذتها. ولو كنت عضوا في الهيئة التنفيذية لأقنعت أكثر من نائب بالاعتصام في مجلس النواب واعتصمت معه وما كنا لنخرج إلا وقد أعدنا للجامعة مقومات سيرورتها وحياتها. من الأساتذة المتفرغين من عبر عن قلق كبير، وعن حيرة، والتبست عليه الأمور حيال بعض قرارات ومواقف رابطة الأساتذة المتفرغين طيلة أعوام فاتت -ولا أستهدف أيا من أعضاء الرابطة بصورة شخصية، وأحفظ تقديرا لمميزين مستقلين خدموا في هذا الموقع ومنهم الدكتور شربل كفوري والدكتور يوسف ضاهر”.
وأردف: “بعض الأساتذة يعبر عن عدم فهم لقرارات الرابطة وعدم فهم لدوافعها في بعض المواقف التي اعتبرها متراخية أو متساهلة مع السلطة. هذا البعض لم ينجح في إزالة لبس أو غموض عن خلفيات بعض قرارات الرابطة في التراجع عن الإضراب من دون تحقيق مطالب أو في الانصياع أمام انتزاع استقلالية الجامعة من أهلها. الرابطة لا تحسد على ما هي فيه، فهي في مكوناتها على مستوى التحالفات التي أوصلت لجنتها التنفيذية مرآة لمكونات السلطة السياسية. وهي تعيش انعكاس الصراع على الساحة السياسية وتسعى إلى تحييد نفسها عنه. يقابل ذلك أن الأساتذة لم يعودوا ليقتنعوا بمقولات: الظروف العامة غير مؤاتية ولا تسمح برفع الموازنة. ويستمر الوضع بالتأزم: يزداد التضخم وتتقلص الموازنة والرابطة في عجز عن الفعل. ويكون مد وجزر في حركة الإضراب ويكون حسن وسوء توقيت، وتكون شعارات ومبررات تكون أحيانا مع الهدف وأحيانا ضده. وكانت باستمرار وسيلة الضغط الأبرز هي الإضراب”.
وقال: “بغض النظر عن موقفي من الإضراب ومفهومي له، لا أعتقد أن الإضراب مفيد اليوم. فأنت تضرب في ظل دولة يهمسون بأنها فاشلة. وأنت تفاوض مع حكومات تم تشبيه ممثليها في بعض المفاوضات بأنهم “يفاوضون وكأنهم يبيعون السجاد” -ويؤسفني التشبيه فبين بائعي السجاد من يفاوض برقي يفوق رقي الكثير من الدول- ماذا تستقرىء من نتائج مفاوضات ستجريها الرابطة اليوم مع مسؤولين إن صح ما قيل عن فشل وسوء أداء أو أداء ملتبس ومسبق النوايا في المفاوضات. التوقف القسري اليوم هو واقع ناتج بالطبع وهو تسمية ملطفة لإضراب ما”.
أضاف: “هذا التوقف القسري أو الإضراب المقنع غير موجه ضد رئيس الجامعة بالطبع، ولم يكن كذلك في وقت سابق، فما رئيس الجامعة بالجهة التي يمكن استهدافها لأنه في طليعة المؤمنين بدورها وقد أنجز ما عليه بشأن الملفات، ونقف إلى جانبه في مساره النهضوي. والإضراب غير موجه ضد وزير التربية فهو قد أنجز ما عليه وهو أيضا من المؤمنين بدور الجامعة الوطنية. وإن كان الإضراب موجها ضد وزير المالية فلا أعتقد أنه هو الذي قرر موازنة الجامعة بمفرده. وإن كان الإضراب موجها ضد الأحزاب الحاكمة فالاحزاب التي في الحكم هي في أغلبها ممثلة في اللجنة التنفيذية للرابطة. فهل الرابطة متوقفة قسرا أو مضربة ضد نفسها كما يتساءل بعض الغاضبين من الصمت في السلطة وصم الآذان؟”.
وتابع: “أخشى أنها حرب صامتة على الجامعة من دون إدراك، أو ربما هي حرب مدبرة على الجامعة ولكني لا أعتقد أن من في السلطة مغفل كي تفوته هكذا مؤامرة. ولكن، عندما تلين الأدوات النقابية تقسو السلطة و”تسيد وتميد” – كما يقال باللهجة المحكية. بشكل عام، عندما تموت النقابة أو تتحول نوعا من الفولكلور الفاعل حينا والمشلول حينا، فذاك يعني أن حربا حصلت وانتصرت فيها السلطة السياسية، وأنهت فاعلية النقابة وحيدتها. وتلك حرب ربحها الخصم قبل خوض معركته بحسب فن الحرب. ومن المعروف أنك عندما تربك الخصم وتشل حركته فأنت تربح الحرب، وتترك الأداة النقابية المرتبكة والمتخبطة في قراراتها بين القلب والعقل، وبين القيم التي تعمل بموجبها ولا قيم الخصم الذي يستهدفها، في حال شلل ولا فعل. وعندما يخترق الخصم أو العدو صفوفك فهو قد ربح الحرب ووفر على نفسه خوضها، ووفر خسائر محتملة، القول يصح عندما يخترق الخصم صفوفك، ومن أشد الحروب مآسي هي تلك التي تحصل بين من لا يجب أن تحصل بينهم: الإخوة والآباء والأبناء، الدولة والمواطنين والنقابات”.
وأردف “ما الواقع المأساوي في حراك الشعب في لبنان وحراك النقابات إلا ذاك الاختراق للشعب ولبعض الروابط والنقابات والاتحادات والسيطرة على إرادة وقرار الكثيرين بتبعية هؤلاء للسلطة الحاكمة. ومن يرغب بنفي الفرضية هذه فيتساءل: ما المصلحة ومن المستفيد من الحرب على الجامعة اللبنانية؟ نقول: المستفيدون هم التجار. والمستفيدون هم أعداء المواطن والشعب، والمستفيدون هم الراغبون في إعادة لبنان إلى عصر الظلمات، المستفيدون هم أعداء لبنان. فصححوا المسار إذن واذهبوا إلى المؤسسات الدولية وعدلوا في التكتيكات والاستراتيجية”.
وختم: “بإيمان وإرادة واعتقاد مبني على ثوابت كامنة نقول: سنجعل كل كلام عن موت للجامعة اللبنانية هراء، جامعة الوطن لن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فأخرجوا هذه الشعارات من التداول. لن نسمح بأن تنهار الجامعة اللبنانية، وهي ستذهب إلى العصرنة وستكون الجامعة المنقذة للوطن وليس فقط الجامعة المنتجة. والتداول بالأفكار التي تخدم هذه التطلعات حاصل حيث يجب، وسيثمر. وأعتقد أن صحوة وتمردا حاصلين بالقوة وسيثمران”.