المرتضى: إيران ساعدت لبنان على استعادة سيادته
الاحداث - أشار وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى إلى أن “السمة الأولى للقاء اللبناني الإيراني كانت وما زالت السمة الثقافية المرتكزة إلى القيم ومنها السيادة والحرية ومقاومة الظلم وجبه العدوان”، مؤكدا ان “إيران ساعدت لبنان على استعادة سيادته الوطنية وحفظها، إذ أسهمت في تمتين قدراته ضد الاحتلال ليكون في مأمن من اعتداءاته في البر والبحر والجو، وهذه هي قمة السيادة”.
وأضاف خلال افتتاح المعرض الفني والحرفي “أيام الفجر الثقافية”، في حضور وزير الثقافة والارشاد في الجمهورية الاسلامية في ايران محمد مهدي اسماعيلي، على مسرح رسالات المركز الثقافي لبلدية الغبيري: “السيادة لا تكون في الانصياع لتوجيهات سياسية تأتي من هنا وهناك لتكم فاهنا عن قول الحق حينا، أو لتأمرنا بفتح فاهنا خلافا لقناعاتنا حينا آخر، على النحو الذي حصل منذ أيام. والسيادة لا تكون في الرضوخ لإملاءات تردنا من خارج المنطقة لتزرع بين شعوبها ودولها صراعات لا طائل منها إلا تأمين المصالح الصهيونية، شاء ذلك المتصارعون أم أبوا، عرفوا أم لم يعرفوا”.
واعتبر مرتضى ان “هذا اللقاء شهادة على أن الثقافة هي العنوان الأسمى لعلاقات الشعوب، ذلك أن العناوين الإقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها من العناوين التي تحكم سياسات الدول، قد ترتدي في أكثر الأحيان، لبوس المصالح المادية التي تقود إلى التنافس والتنافر حتى إندلاع الحروب، أما الثقافة فنطاقها القيم التي تهذب الروح والمسلك وتقود البشرية إلى التعاون والسلام”.
وأضاف: “ولعل في العلاقة ما بين إيران والعرب دليلا على أن المناحي الثقافية تتقدم على سواها، وذلك منذ الممالك الأولى في فارس والجزيرة وما بين النهرين وبلاد الشام وأرض النيل، حتى أطراف أفريقيا المتوسطية، وصولا إلى انتصار ثقافة الإسلام في القرن الهجري الأول واستمرارها إلى اليوم سقفا إيمانيا وحضاريا تستظل به المنطقة بأسرها”.
وتابع قائلا: “ومنعا لأي التباس، أسارع إلى القول إن الحضارة الإسلامية التي أشرت إليها، لم تكن صنع العرب وحدهم، ولا المسلمين وحدهم، ولم ينتج عنها في المحصلة قهر لشعب أو عرق أو دين من أجل سيادة ما عربية أو أعجمية. ذلك قد يكون حصل في السياسة والمعارك العسكرية، كما يدلنا التاريخ. أما في الثقافة فلا. لقد انتصرت وسادت لأنه شارك في صنعها مسلمون ومسيحيون من مختلف الطوائف، وأقوام من عرب وعجم وقبط وبرابرة وترك، فكانت خليطا رائعا من إنجازات مشتركة، لكل فيها نصيب، بحيث جاء انتصارها انتصارا للجميع معا، بل انتصارا للانسانية جمعاء.
لن أخلط بالحقيقة بهتانا وأزعم أن الصورة كانت نقية على الوجه الذي ذكرت طوال هذه الآلاف من السنين. فإن نزاعات مريرة ودموية ربما، كثيرا ما نشبت وانعكست على التواصل الثقافي بين مكونات تلك الحضارة، لكنها في المقابل سرعان ما استعادت عافيتها بخلاف العلاقات السياسية التي قد تكون استمرت في التأزم أوقاتا أشد طولا”.
وتابع: “وذلك كان أمس المتمادي فعله إلى اليوم. فالسمة الأولى للقاء اللبناني الإيراني كانت ولا زالت السمة الثقافية المرتكزة إلى القيم ومنها السيادة والحرية ومقاومة الظلم وجبه العدوان، وهذا غير مرتبط بطائفة دون أخرى، بل هو لكل اللبنانيين والإيرانيين على السواء، بل بالأحرى لكل العرب وبخاصة للشعب الفلسطيني المقهور داخل الأرض المحتلة وفي الشتات”.
ورأى أن “الموقف من الكيان المغتصب هو قبل كل شيء موقف أخلاقي، وانتماء إلى ثقافة الحق. وما يثار حوله من غبار كلام، لن يغطي على حقيقته. وإذا كان بعض أهل السياسة في لبنان والعالم يرون في ما تقدمه إيران للبنان، وللمقاومة تحديدا، نيلا من السيادة الوطنية اللبنانية، فهذه نظرة جدلية لا تستقيم من زاويتها الفكرية والعملية، لأن هذه التقديمات من حيث المبدأ، أي من الزاوية الفكرية، ترمي إلى مساعدة الشعب اللبناني على توطيد سيادته ضد الاحتلال وإلى حماية البلد من الاعتداءات الإسرائيلية في البر والبحر والجو. ومن حيث الواقع، أي من الزاوية العملية، لقد تحقق بفضلها تحرير الجزء الأكبر من الأرض اللبنانية المحتلة، وها إن العدو يعاني الآن من تفسخ اجتماعي داخلي كما من رهبة عسكرية تجاه لبنان تنهش قلوب جنوده. أو ليس هذا قمة السيادة أيها السادة؟. أم هل تكون هذه السيادة في الانصياع لتوجيهات سياسية تأتي من هنا وهناك، لتكم فاهنا عن قول الحق حينا أو لتأمرنا بفتح فاهنا خلافا لقناعاتنا حينا آخر على النحو الذي حصل منذ أيام؟ وهل تكون السيادة في الرضوخ لإملاءات تردنا من خارج المنطقة لتزرع بين شعوبها ودولها صراعات لا طائل منها إلا تأمين المصالح الصهيونية، شاء ذلك المتصارعون أم أبوا، عرفوا أم لم يعرفوا؟.”
وختم المرتضى: “أيام الفجر الثقافية نريد لها أن تكون عزفا دائما على أوتار صداقة دائمة، قوامها من الجانبين مفكرون وموسيقيون وأساتذة ومثقفون في كل صنف من أصناف المعرفة. وهذا ما ينبغي لنا في الدولتين بناؤه رسميا وشعبيا، فإن جسر اللغة وسلم الموسيقى وباب الفكر وصراط الحق والقيم هي الكفيلة بأن تقود منطقتنا إلى بزوغ فجر جديد من الحرية النابذة للاحتلال ومن السلام الحق والتنمية المستدامة والازدهار الذي تستأهله الشعوب”.
أما وزير الثقافة الايراني، فقال: “يسعدني جدا أن أكون معكم اليوم، بمناسبة الاحتفال بأيام الفجر الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأن أكون حاضرا بين جمعكم العزيز”، معتبرا “ان ثقافة أي شعب وفنونه، هي خلاصة فكر ذاك الشعب ونظرته إلى نفسه، وإلى الوجود والعالم”.
وأشار الى “ثلاثة عناصر مهمة للغاية تميز ثقافة الشعبين الإيراني واللبناني عن العديد من الثقافات الأخرى:
– العنصر الأول هو الحضور القوي للحافز المعنوي والروحاني في جميع مجالات الثقافة والفن في كلا البلدين. لطالما كان البلدان- إيران ولبنان- يشكلان جسرا لعبور الحضارات المختلفة. وقد تمكن كلا البلدين من بلورة العناصر الروحية المعنوية لكل الحضارات في ثقافتهما. لا سيما ما تم أخذه من الحضارة الإسلامية وجد طريقه نحو الديمومة بشكل بارز في ثقافة إيران ولبنان. لبنان الحبيب كان ولا يزال ملتقى المسيحية والإسلام والديانات والمذاهب الأخرى. في هذا التلاقي، نشأ التسامح والتعايش السلمي. العديد من آثار التعاليم الدينية حول سعادة الإنسان واضحة في ثقافة كلا البلدين وفنونهما. لقد كان الفن سبيلا من سبل انتقال التعاليم الإنسانية والدينية بشكل سريع وفعال. تعكس المحادثات الدينية الأخيرة بين الإسلام والمسيحية في لبنان وإيران هذا التسامح المنبعث من الروحانية العالية. لقد أتيحت للبنان على مدى القرون الماضية الفرصة بصفته بوابة للعالم العربي إلى أوروبا، لكي يكون جسرا دائما لإشاعة الفكر الروحاني إلى أوروبا. روحانية تنتقل على جناح الثقافة والفن، روحانية مليئة بالتسامح والسلم والصداقة. اليوم، جاء الفنانون الإيرانيون الأعزاء إلى هذا الحفل بقلوبهم أولا لإظهار روحانيتهم الثقافية وثقافتهم الروحانية لنا. وسوف ترون وتلمسون هذه الميزة في أعمالهم خلال هذه الأمسية في كل ما سوف يتم عرضه أو تقديمه في هذا الحفل. لسوء الحظ، ما يحدث اليوم في الغرب هو فصل الثقافة عن الروحانية ونزع الروحانية عن الثقافة. لكن في أرضنا، كانت الثقافة والفنون دائما ما ترتوي من ينابيع الروحانية والمعنى. واستطاعت كذلك أن تروي العطشى في البلدان الأخرى.
– العنصر الثاني هو أن الثقافة والفن في إيران ولبنان استفادا دائما من الفكر العالمي. كانت الأعمال الفنية والثقافية على قدر من التعدد والتنوع بما يكفي لجذب جميع الأذواق والخيارات. ولم تقتصر أبدا على حدود البلدين. كل ما خلفته الثقافة والفن في هذين البلدين انتقل بسخاء إلى البشرية جمعاء.. هذا السخاء نفسه له جذور روحانية ومعنوية كذلك. لأن خالق الكون قد أعطى كل ما قدمه للبشر مجانا وبسخاء، وقد اقتدى فنانونا بهذه الصفة من صفات الخالق. إن السخاء والعطاء في الثقافة والفن معناه مشاركة رقة الفكر مع الآخرين.
– العنصر الثالث المهم للغاية هو أن كلا من إيران ولبنان كانا صناعا للثقافة. لم يكن هذان البلدان مجرد مستهلكين لثقافة الآخرين أبدا، رغم أنهم اقتبسوا من سائر المساهمات الثقافية بما يتناسب مع ثقافتهم الخاصة، لكنهم لم يكونوا من أتباع الثقافة الأجنبية وحاولوا حماية هويتهم الأصلية ضد غزو الثقافة الأجنبية وكانوا من صناع الثقافة. على الرغم من أن صناعة الثقافة تتطلب الكثير من الوقت، إلا أن تأثيرها في غاية السرعة، وقد حظيت الثقافتان بهذه النعمة”.
وختم الوزير الايراني: “اليوم، وقد وفقت لأكون حاضرا بينكم، أفتخر بأن فناني بلدي أتيحت لهم الفرصة لتقديم أعمالهم الثقافية والفنية الحرفية وعرضها عليكم، وأتمنى أن أستضيف الأسبوع الثقافي اللبناني في بلدي في المستقبل القريب. مرة أخرى، أشكر جميع المسؤولين اللبنانيين على لطفهم وإخلاصهم، ولا سيما فخامة رئيس الجمهورية المحترم، ومعالي وزير الثقافة اللبناني المحترم، أخي محمد بسام المرتضى، وجمعية رسالات اللبنانية للفنون، و كل أهل الثقافة والفن. كما أود أن أشكر الجهود الطيبة للغاية، التي بذلها سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد فيروزنيا، والمستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار، ونخبة الفنانين الذين جاؤوا من بلدي، والذين نشاهد فنهم في هذه المناسبة اليوم”.