المرتضى:المطلوب تلمّس أسباب التلاقي بيننا، بالمحبة والتفاهم واحترام التنوّع الذي تغتني به ثقافتُنا وكينونتُنا الحضارية
الاحداث - أعتبر وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى:"أن الاختلاف السياسي في لبنان، مهما استشرى وطال، لا ينبغي له أن يقود المواطنين إلى مواقفَ متشنّجة تنعكسُ سلبًا على مفاهيم قيمِنا ووسائِطِ عيشِها، وأن اتّحادَنا كمسلمين وكلبنانيين أمرٌ واجبُ الوجود، وممكنُ الوجودِ في آنٍ معًا، فإنما نحنُ لنلتقي على فضائلِ العيشِ الواحد حِفظًا لهويتِنا ووطننا."
واضاف :"ليس مطلوبًا أن يكون الواحدُ منا، نسخةً طبقَ الأصلِ عن الآخر، ولا الجماعاتُ والمكوّنات والأحزابُ كذلك، فهذا أصلًا يعاكسُ مشيئة الخالق الذي أراد بني آدم شعوبًا وقبائل والمطلوب تلمّس أسباب التلاقي بيننا، بالمحبة والتفاهم واحترام التنوّع الذي تغتني به ثقافتُنا وكينونتُنا الحضارية."
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره "الامسية القرآنية المباركة"
ضمن فعاليات طرابلس عاصمة للثقافة العربية للعام 2024 بدعوة من دار الفتوى في طرابلس والشمال وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية في طرابلس في مقره الاخيرة وبحضور مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام وحشد من الفعاليات ومشاركة نخبة من مجودي القرآن من لبنان ومصر وسوريا .
ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى :" يمضي بنا الشهرُ الفضيل إلى نهاياتِه، فتتعاظمُ بركاتُه الروحيةُ في قلوب المؤمنين، أولئك الذين﴿يَمْشُوْنَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا، وإِذَا خَاطبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (الفرقان 63). فالإسلامُ في الأصل انتسابٌ إلى السلام بالتسليم لله تعالى، والعملِ على أن يعمَّ الحقُّ والخيرُ الإنسانيةَ جمعاء. وتلاوةُ القرآن الكريم في الليالي الرمضانيةِ، بل في أيام السنة كلِّها، أرحبُ سبيلٍ إلى السلام الروحي، والبابُ الأوسعُ للقُربى من الله ذي الجلالِ والإكرام.
على هذا المعنى الإيماني نجتمعُ من مختلِفِ أرجاء لبنان ومن الحبيبتين سوريا ومصر، في طرابلس عاصمةِ ثقافةِ العرب، لنلبّيَ الأمرَ الأوّل الذي صارَ إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَق﴾ (العلق1) فيسري من الآذانِ إلى القلوب عطرٌ مقدَّسٌ يخفِّفُ كثيرًا من ظلمِ هذا العالم وظلامِه المتماديَيْنِ اليومَ في بلادِنا. "
وقال المرتضى :"ولي في هذه المناسبة إليكم ثلاثُ رسائل:
أوّلُها أنَّ فرحَ اللقاء الذي يضمّنا اليوم، يؤكد أن اتّحادَنا كمسلمين وكلبنانيين أمرٌ واجبُ الوجود، وممكنُ الوجودِ في آنٍ معًا. فإنما نحنُ لنلتقي على فضائلِ العيشِ الواحد حِفظًا لهويتِنا ووطننا. ليس مطلوبًا أن يكون الواحدُ منا، نسخةً طبقَ الأصلِ عن الآخر، ولا الجماعاتُ والمكوّنات والأحزابُ كذلك، فهذا أصلًا يعاكسُ مشيئة الخالق الذي أراد بني آدم شعوبًا وقبائل. أما المطلوب فهو كما فعلت بالأمس يا سماحة المفتي إمام اذ تلمّست أسباب التلاقي بيننا، بالمحبة والتفاهم واحترام التنوّع الذي تغتني به ثقافتُنا وكينونتُنا الحضارية. وإذا فعلنا ذلك، بالقلوبِ البيضاء والضمائر النقيّة والأيدي الممدودة، فالخيرُ في المتناوَلِ من دونِ ريب."
أما الرسالةُ الثانية فهي :"أنه هنا، على بعدِ جرحٍ من طرابلس، تستيقظُ جراحٌ نازفةٌ في أجساد أوطاننا، آلمـُها غزّة التي ينزلُ بأبنائِها من همجيةِ العدوان ما لا يسَعُه التاريخُ كلّه. هنا تسقطُ الأوصافُ تجاه وحشيةِ المجازر، وتندحرُ الكلمات أمام هولِ الإبادة. لكنَّ الضمير الأممي الغافي في أحضان الصهيونيةِ العالمية، الذي لم توقظْهُ بعد رائحةُ الدم والأجساد المصهورة، ولا مشاهدُ الدمار الذي أتى على كلِّ شيء، ستوقظُه بلا شك مواكبُ النصرِ الآتي، الطالعِ من موتِ الأطفال والنساء والشيوخ ودماء المقاومين الزكيّة. كلُّ قهرٍ يعقَبُه فرح. وكلُّ موتٍ دربٌ إلى القيامة، ولن يستطيعَ أحدٌ تبديل وعدِ الله تعالى للمؤمنين الصابرين المجاهدين. خصوصًا وأنّ الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلّة ،كما في منافي الشتاتِ ومخيّمات اللجوء، استطاع أن يجترح معجزة قد تكون موازية لحركته في الميدان وهي مقاومة النسيان. الأجيال الفلسطينية تحمل مفاتيح البيوت في جيوبها وترفعُ حقَّها باستعادة وطنِها رصاصًا على فوّهاتِ بنادقها وخفقانًا في قلوبها ونبضًا في وجدانها، وتقضُّ بالأعمال القتالية في غزّة، وبالعمليات المتفرّقة في القطاع، مضاجع أولئك المستوطنين الذين باتوا يعيشون في منازلَ من كوابيس، وسط حركة كثيفة من الهجرة المعاكسة من الكيان إلى خارجه. فأرض اللبن والعسل التي وُعِدَت بها أجيال المستوطنين لم تكن سوى جحيم لهم ولآمالهم وأحلامهم المريضة. من هنا ينبغي لكلِّ واحدٍ منا أن يؤمنَ بأنّ أيَّ صباحٍ يطلع على هذه الأرض، إنّما هو خطوةٌ جديدةٌ باتجاه الجليل والكرمل وطبريا ويافا وعكا والقدس وصولًا إلى آخر النقب. إنّه عهدُ الله للمؤمنين وما كان عهدُهُ تعالى زَيْفًا."
وأما الرسالةُ الثالثة فهي أن الاختلاف السياسي في لبنان، مهما استشرى وطال، لا ينبغي له أن يقود المواطنين إلى مواقفَ متشنّجة تنعكسُ سلبًا على مفاهيم قيمِنا ووسائِطِ عيشِها. يقولُ الله تعالى في محكم تنزيله ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى ألَّا تَعْدِلُوْا اعْدِلُوا هُو أقْربُ للتَّقْوى﴾ (المائدة 8). فإذا كان العدلُ مطلوبًا في معاملةِ الخصوم، فكم بالحريِّ أبناءِ الوطنِ الواحد. والنبل والخلق الحسن، ورحابةُ الصدرِ حتى احتواءِ كلِّ ظلم، صفاتٌ من أخصِّ صفات العدل، فكيف لأحدٍ أن يلومك يا سماحة المفتي محمد إمام على انك تتحلّى بها وتمارسها مظهراً بذلك صورةً بهيّةً عن سماحة ايماننا الإسلامي المحمّدي الأصيل. وفي الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم قال لأحدهم – وقد عيَّرَ رجلًا – إنكَ امرؤٌ فيك جاهلية؛ فلا يكن فينا نحن مثلُ ذلك. فيا صاحبَ السماحة، إنك جسَّدْتَ سماحةَ الإسلام باحتضانِك الآخر المختلف، لأنَّ هذا هو الواجبُ الدينيُّ والأخلاقيُّ والوطني. نحني أمام ما تجسّده من سماحة ونشدُّ كثيرًا على يَديْك."
وختم وزير الثقافة كلامه قائلًا:"الآن نعودُ إلى فصلٍ الخطاب، إلى آياتِ الله التي أنزلها هدًى من الفرقانِ على عبده ورسوله، محمد صلى عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وجميع الأنبياء والمرسلين. اللهم تقبّل منّا ووحّد شملنا وانصرنا على أعداء الإنسانية الظالمين اللهم آمين. الشكر كل الشكر لدار الفتوى في الشمال ولأمينها صاحب السماحة ولجمعية مكارم الأخلاق والأخوة القرّاء والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته."