تربية وثقافة

الحلبي: التربية على مفترق بين طريقي النهوض أو الزوال

الاحداث - أطلق وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خريطة طريق الاصلاح التربوي من خلال خطة عمل مفصلة للعامين الدراسيين المقبلين، مرفقة بروزنامة عمل تنفيذية وخطة مالية، وذلك في السرايا الحكومية.

حضر حفل الإطلاق وزراء ونواب من لجنة التربية النيابية وسفراء وممثلين عن المنظمات الدولية والجهات المانحة وكبار موظفي الإدارة والأسرة التربوية.

بعد النشيد الوطني، اشار مدير الحفل المستشار الإعلامي ألبير شمعون إلى أن “الاستجابة للأزمة تستدعي وضع خطة، والخطة تتطلب روزنامة زمنية ومواعيد للتطبيق ومقومات مادية ومالية وبشرية لتحقيق أهدافها، ووزارة التربية قامت بكل ذلك”.


بدوره، حيا وزير التربية “الرئيس ميقاتي الذي اضطر للتغيب بسبب إصابته بنزلة صدرية”، متمنيا له الشفاء العاجل، وناقلا تحياته إلى الحضور وتقديره لهذه الخطة.

وشكر الحلبي “المانحين والشركاء على مواقفهم التي عبروا عنها وخصوصا تقديرهم للجهد المبذول في وضع هذه الخطة”، ودعاهم إلى “تكريس دعمهم بالوقوف إلى جانب الوزارة لأننا ذاهبون إلى العام الدراسي الجديد ، فلنعمل سويا وبسرعة لتأمين الدعم للمدارس والمعلمين”.

واضاف: “لا أخفي عليكم أن العنوان الذي طرحناه لهذا اللقاء “خريطة طريق الاصلاح التربوي” يفرض علينا تحديات كبرى، فهو يتعلق بالاصلاح الذي كان خيارنا الأول منذ أن تسلمنا مسؤوليتنا في التربية، إلا أن الازمات التي مررنا بها وقفت حجر عثرة أمام التقدم بخطوات اصلاحية تعبر عن قناعتنا وهي أساسية لتطوير التعليم”.

واشار الى أننا “نلتقي اليوم مجدداً لنعلن امامكم وأمام الرأي العام خريطة طريق الاصلاح التربوي، انطلاقاً من رؤيتنا للتربية، فخوض غمار الاصلاح يحتاج إلى طريق طويل انما بتصميم للوصول إلى نهاياته، بهدف إعادة بناء القطاع على أسس جديدة تقوم على الشفافية والوضوح والحوكمة”.

وتابع الحلبي: “لقد واجهنا أوضاعاً مأسوية ومشكلات وحملات كادت تطيح بكل القطاع التربوي، لكن اصرارنا دوماً على النهوض فتح أمامنا مساراً للعمل على الإنقاذ بروح جماعية من التعاون وتوفير الإمكانات إلى أن وجدنا الوقت المناسب لطرح ملف الإصلاح التربوي الذي يشكل بالنسبة إلينا مساراً قائماً بذاته ومفتوحاً على التفكير الدائم بالتطوير”.

وتابع: “لقد مهدنا خلال سنة وثمانية أشهر من تولينا المسؤولية لممارسات شفافة في وزارة التربية وهي أساس للاصلاح. نقول هذا الكلام ليس من باب تعداد الانجازات، فرغم الانهيار الذي أدى إلى إضرابات ومقاطعة من المعلمين حيث مررنا بأصعب الظروف، تمكنا من انجاز الاطار الوطني لمناهج التعليم ما قبل الجامعي وأسسنا لعلاقة واضحة مع الجهات المانحة التي نشكرها على كل الدعم الذي قدمته للتعليم”.

وفي هذا الإطار، لفت الحلبي الى أننا “ترجمنا ذلك بخطوات إصلاحية، بدءاً بتوحيد الداتا، وجمع أجنحة القطاع ومكوناته تحت راية الوزارة، ووضعنا آلية مالية جديدة، ترتكز على الشفافية والحوكمة. والاهم أننا تمكنّا من جعل الوزارة فريق عمل واحدا” وإزالة العصبيات والشخصانيات. واستطعنا بناء جسور الثقة مع الروابط والمعلمين ومع الجهات المانحة ومع المجتمع التربوي”.

وأردف: “لذا نحن نمهد اليوم من خلال خريطة طريق الاصلاح التربوي التي تمَّ عرض مضامينها لبناء الثقة في القطاع وتعزيز الحوكمة، وهذه وجهتنا في نقاش مسارات خطة الاصلاح. وكنا عملنا مع المجتمع الدولي ووضعنا بالتعاون مع الشركاء والدول المانحة خطة خمسية (2020-2025) مبنية على رؤية مشتركة لتطوير القطاع، ونصت على توحيد إطار داتا المعلومات ومخطط للتقارير الخارجية، لتعزيز المحاسبة والشفافية”.

واوضح وزير التربية أنّ “ممارسة مهامنا في الوزارة تنطلق على الدوام من رؤيتنا للتربية وهي تستهدف النهوض بالقطاع على قاعدة واضحة. وقد كانت أولوياتنا الحفاظ على السنة الدراسية، وتعويض الفاقد التعليمي خصوصاً واننا على أبواب الامتحانات الرسمية التي تحتاج الى التعاون والدعم والتمويل الذي تأمن بدعم مشترك من وزارة المالية ومن الجهات المانحة، حيث كنا حريصين على إجرائها لما تشكله من اساس لحماية المتعلمين وصون الشهادة الرسمية”.

واستطرد قائلًا: “لكننا اليوم أمام مرحلة جديدة من الاصلاح وهو طور متقدم لحل الأزمات وترسيخ استقامة العمل التربوي، وهذا ما تظهره الخريطة التي نحن بصدد عرضها”.

وشدد الحلبي على أنّ “الاصلاح التربوي يشكل بالنسبة إلينا عنواناً أساسياً، فهو يجب أن يكون عملية مستمرة انطلاقاً من المدرسة بالدرجة الأولى وصولاً إلى الوزارة، وهو في صلب أولوياتنا، لتنقية التعليم من الشوائب عبر سياسات فاعلة يشارك الجميع في صياغتها”.


واشار الى أنّ “هدفنا يتركز على أن يصبح التعليم جاهزاً لمواجهة الأزمات، ولا بد في هذا الخصوص من منع تأثير السياسة على التعليم والتي أحدثت خللاً بنيوياً لا يعوّض إلا بإعادة النظر في كل النظام التعليمي وممارساته واستقطاب الكفاءات وتعزيز البنية التعليمية بما يتناسب مع التطورات العالمية”.

كما اضاف: “تهدف خريطة طريق الاصلاح التربوي التي تتضمن عناوين متعددة إلى تمتين المؤسسات التربوية وتعزيز حوكمتها. الاصلاح التربوي لا يستقيم إلا بدرس مواطن الضعف الاكاديمي للتلامذة اللبنانيين”.

في السياق، لفت الحلبي الى أنه “تبين أن لدينا مشكلة في المناهج التعليمية فعملنا على انجاز الاطار الوطني لمناهج التعليم العام ما قبل الجامعي ضمن ورشة كبرى، لمواكبة المفاهيم العلمية عالمياً. وفي الاصلاح الذي نصبو إليه، لا بد من العمل على إدخال أنظمة الكفاءة في التعلّم الذي يدمج الآليات العالمية مع السياقات المحلية. وتتضمن الخريطة اصلاح نظام التعليم في لبنان إذ أن الانهيار طاول هذا النظام في العشرية الأخيرة، وانعكس ضعفاً في قياس جودة المعرفة لدى تلامذتنا”.

وتابع: “هذه الخريطة التي ستكون بين أيديكم هدفها الاصلاحي هو انتظام العملية التعليمية، ولذلك نسعى من خلالها إلى التركيز على الاستثمار في التعليم إضافة إلى البرامج العلاجية للتعويض وخلق الفرص للحاق بالجودة”.

وأكد وزير التربية أننا “في سياق العملية الاصلاحية نحتاج إلى سياسات تربوية حديثة وتقييم واستثمار، من بينها العودة إلى التعليم الكامل. وهذا الأمر مرهون بالاستقرار وبتوفير التمويل. إننا نسعى إلى توفير بيئة تعليمية ملائمة تربوياً وصحياً واجتماعياً. العدالة في توفير فرص التعلم ومنع التسرب. توفير التعليم النوعي المرن. والحوكمة وتقوية النظام الإداري التربوي، وصولاً إلى اعادة الهيكلة”.

وأردف: “إنني أتحدث أمامكم عن النهوض بالتعليم من خلال الاصلاح، لذا لا يمكننا إلا الأخذ بالاعتبار ما أحدثته الأزمات في لبنان على الخطة الخمسية. ضغط النازحين وتعليمهم والذي يحتاج إلى تمويلات إضافية وبرامج دعم، وتعويض. وعندما وصلت المساعدات للنازحين، كان لبنان ينعَم بوضع مزدهر أو مقبول. أما اليوم فإن فئات واسعة من اللبنانيين تعاني التهميش والحاجة، لذلك كان خريطة طريق الاصلاح التربوي وإعادة النظر بمقياس الدفع بين اللبناني وغير اللبناني”.

وبيّن الحلبي أننا “نستهدف ضمن عملية الاصلاح بناء مدارس رسمية مؤهلة والتخلي عن المدارس المستأجرة وتحسين البنى التحتية للتعليم. ومن بين ذلك اعادة الهيكلة التي تفرض تحديد أعداد المتعلمين وفتح المدارس وفق الحاجة، أو اللجوء إلى دمج مدارس لتحسين الانتاجية التعليمية. وهذا ينطبق أيضاً على التعليم المهني الذي يحتاج إلى خطة لتطويره وإدخال إختصاصات جديدة والتخلي عن بعضها القديم وتجهيز المختبرات وتشجيع الإقبال على المهني كونه من روافد الاقتصاد والصناعة والزراعة وسائر المشاريع الإنمائية”.

ولفت الى أنّ “خريطة الاصلاح تركز على إعداد المعلمين قبل الخدمة وتدريبهم وتأهيلهم لمواكبة واستخدام التكنولوجيا في التعليم. ورفع مستوى أداء المدارس من خلال إختيار وتعزيز قيادتها والإستقلالية والمحاسبة. وتتضمن التركيز على الحوكمة والشفافية وصولاً لنيل أنظمة الاعتماد من أجل تحسين مخرجات التعليم عبر البرامج والموارد والمشاريع والأنشطة والمبادرات. لكن ذلك يتطلب توفير الدعم المالي والفني، ليس للمدارس الرسمية فقط وأيضاً للمدارس الخاصة”.

ورأى الحلبي أنّ “اصلاح السياسات التربوية لا يمكن أن يتم دفعة واحدة، يستلزم الامر خططاً على المديين القصير والبعيد”، مردفًا: “يتطلب الاصلاح ايضاً ارادة وتعاوناً ودعماً على مختلف المستويات. الدعم المالي من الجهات المانحة يسهل خوض غمار الاصلاح في التربية والبناء على ممارسات رسخناها في ادارتنا للتربية في العلاقة الشفافة مع المانحين”.

كما اشار الى أنّ “الأمر يتطلب تمويلاً مستمراً للقطاع التربوي. ونحن كرسنا أسساً قائمة على الشفافية والوضوح في كل برامج الدعم التي تلقيناها. ومن هنا نشرنا حسابات الوزارة للمساعدات المالية التي وردت إليها مذ تولينا مسؤوليتنا. أما حسابات وأموال ما سبق فهذا شأن حكومي تقرره الحكومة في كل وزاراتها”.

الى ذلك، كشف الحلبي أنّ “من العناوين التي نطرحها النظر في نظام الامتحانات، ولذلك متطلبات ينبغي أن تتحقق في العملية التربوية كلها، لكن الأهم الذي نسعى إليه هو العمل على تعزيز مديريات التربية وترشيد الحوكمة، مع العلم أننا قطعنا شوطاً مهماً في تعزيز عمل المركز التربوي للبحوث والانماء وأعدنا تفعيله بتطبيق المبادئ نفسها التي طبقناها في الوزارة لجهة تجميعها وإستقطاب الكفاءات للعمل فيه، وإعادة هيكلته”.

واردف: “أما بشأن التعليم العالي والجامعة اللبنانية فسيكون ذلك في مرحلة لاحقة ويحتاج إلى جلسة خاصة سندعو إليها قريباً”.

وختم الحلبي: “أخيراً كلنا أمل بأن تتلقى الجهات المانحة مشروعنا للاصلاح بكل اهتمام وتؤمن الدعم للسير في هذه العملية التي عرضت خريطة طريقها أمامكم. وكلي ثقة بأن يستعيد لبنان ريادته في التعليم. إن الواقع التربوي في لبنان يحتاج إلى تضافر الجهود وإلى التعاون والتفاهم والإرتقاء عن العصبيات والحساسيات والشعبويات، لأن التربية في لبنان هي على مفترق بين طريقين النهوض أو الزوال”.

ثم عرضت مستشارة المدير العام للشؤون الدولية الدكتورة جورجيا هاشم على الشاشة الكبيرة، تفاصيل الخطة وابوابها ومراميها وتطلعاتها، موضحة أن “الوضع التربوي يحتاج إلى نهضة شاملة”.

وعددت الخطوات المؤدية إلى إستمرارية القطاع والوصول إلى الجودة في التربية والتعليم، كما شرحت الوضع الراهن لجهة الداتا والمناهج والبرنامج المالي للمدارس.

وأشارت إلى أن “الإنطلاق في الخطة لم يبدأ من الصفر، بل جاء تراكمياً فوق الخطوات الإصلاحية واستجابة لمقتضيات الأزمات المتتالية”.

واوضحت هاشم أنّ “خطة الإصلاح مقسمة إلى ثلاث مجموعات، الأولى تتعلق بالتعليم العالي والدمج المدرسي، والثانية بالحوكمة وإدارة المال وتطوير القدرات الإدارية في الإدارة المركزية والمناطق التربوية والمدارس. وهذا التطوير شمل التعليم المهني والتقني إدارة ومدارس، والمركز التربوي للبحوث والإنماء بكل وحداته، إضافة إلى مراكز الموارد ودور المعلمين والمعلمات”.

وتابعت “أما المجموعة الثالثة فتعنى بوسائل خفض النفقات وترشيدها ومنع الهدر في المصاريف،وذلك عبر دمج المدارس وتوزيع المعلمين والإفادة من الفائض وتوزيعه على المدارس المحتاجة. وتأمين الطاقة الشمسية لكل المدارس والمهنيات ودور المعلمين”.

وتم عرض نموذج جديد من الموازنة التربوية بطريقة خفض النفقات غير المجدية وتعزيز مداخيل العاملين في التربية من أساتذة وإداريين. وتفعيل التواصل بين الإدارة المركزية والمدارس والمعلمين والمتعلمين.

كما توالى على الكلام كل من سفير الإتحاد الأوروبي رالف طراف، ممثلة سفارة ألمانيا أوتا سيمون، ممثلة سفيرة فرنسا سابين سيكورتينو، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية آيلين ديفيت، مديرة المكتب الإقليمي لليونسكو كوستانزا فارينا، القائمة بأعمال سفارة سويسرا مايا ميسمر، ممثلة سفارة بريطانيا كاميلا نيكولاس، ممثلة اليونيسف إيتي هيننغز، وممثلة البنك الدولي أديل بوشبارتنام .

وأجمع المتحدثون على تهنئة الوزير وفريق العمل بالخطة، مؤكدين اهمية المحافظة على التربية ، مثمنين “اهمية تطوير النظام التربوي وجودة التعليم وتطوير المناهج وترسيخ الإصلاحات والشفافية والحوكمة”.

وشددوا على انها “خطة طموحة وأن العناية بالموارد البشرية هي اولوية”، لافتين إلى أنهم يواكبون الإصلاحات، مثمنين أنها “تأتي في ظروف معاكسة ، وتهدف إلى إصلاح هيكلي يرعاه الوزير ويسهر عليه”.