متحف نابو يستضيف عرض فيلم قسم سيرياكوس وكيفية حفظ آثار متحف حلب
الاحداث - استضاف متحف نابو العرض الأول للفيلم التوثيقي الروائي للمخرج الفرنسي أوليفيه بورجوا "قسم سيرياكوس" في لبنان يوم السبت الماضي في 17 كانون الأول، ضمن جدرانه الداخلية المتحرّكة والّتي اتّسعت لأكثر من 300 مشاهد ومشاهدة، في حضور مهتمات ومهتمين بحفظ التراث ومجموعة من الدبلوماسيين وأساتذة وطلاب الجامعة اللبنانية والمدير العام لمديرية الآثار والمتاحف في سوريا نظير عوض، وعضو مجلس أمناء المتحف الممثلة السورية سلاف فواخرجي المواكبة لدعم المتحف للاكتشافات الأثرية ومخرج الفيلم.
بما يشبه المهمّة المستحيلة، جاءت وقائع الفيلم التوثيقي الذي حصد سبع عشرة جائزة عالمية، وهو يروي مسيرة حياة متحف حلب في أكثر مراحل الأحداث السورية قساوة وصعوبة، وكيف تمّت المحافظة عليها.
بداية كانت كلمة ترحيبية من جواد عدره، تلاه نظير عوض الذي تحدّث عن أهمية المحافظة على آثارنا المختزنة للهوية والحضارة، ثمّ كلمة أوليفيه بورجوا مثمّناً هذه الانطلاقة في العرض للفيلم الذي يحكي قصة آثار متحف حلب الحقيقية بمشاهد واقعية وأخرى تمثيلية محاكية للواقع.
اشارة الى أن النجوم في الفيلم هم نجوم الحياة الواقعية، الذين تحدّوا القصف والدمار والخوف في محاولاتهم المتكرّرة لحماية آثار متحف حلب، من توضيب وبناء جدران داخلية لتمويه أماكن تواجد القطع الأثرية في ظل مخاطرة بالحياة الشخصية التي تواجه هي الأخرى حربها في الوجود المادي والروحي مع انقطاع التموين والكهرباء إلى خطورة التنقّل، فواظبوا على الحضور إلى المتحف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وصولاً إلى مرحلة الحصار المحكم، فجاء القرار لإنقاذ القطع الأثرية بنقلها إلى متحف دمشق بمهمّة سريّة تبدو شبه مستحيلة في ظل الأحداث التي كانت تمرّ بها مدينة حلب.
لحظات مؤثّرة، ووتيرة تصوير في الفيلم تجعل تتابعه كمن يلفظ أنفاسه الأخيرة، دموع صادقة من نجوم الواقع، الذين كانوا يدركون مدى خطورة المهمّة التي يتولونها، بوعي ثقافي عميق وإدراك لما يعنيه التاريخ وما تعنيه الذاكرة في حرب ممنهجة كانت مشاهدها تؤكّد سعيها لطمس هذه الذاكرة ولمحو التاريخ وما حملته الأرض من أثار حضارة بالغة في القدم.
مع هذه الآثار، يتساوى الحجر مع البشر، لأن الحجر يختزن حياتهم وذاكرتهم، والأهمّ هويّتهم. وتتحوّل دموع وغصّات نجوم الفيلم من الحزن إلى الفرح، مع إنجاز المهمّة، ومن بعد عدّة سنوات مع عودة هذه الآثار إلى متحف حلب بعد ترميمه، فتصبح تلك الأنفاس الأخيرة تاريخاً لولادة جديدة ونهوض بعد الموت والدمار.
حلب حاضرة بمنازلها وشوارعها وناسها القيّمين على المتحف، والحرب حاضرة ليس بالقصف والدمار والخوف والحصار وحسب، إنّما أيضاً من خلال مشاهد تبدو كأنّها عابرة في الفيلم، لمنهج تدمير الأثار الذي تمّ، غير أنّ هذا العبور الخفيف يترك أثره الواضح من خلال التركيز على الجانب الآخر، جانب السعي للمحافظة على هذه الآثار.
لم يخلو الفيلم من رموز معبّرة في اختيار المشاهد، وفي عفوية الحوار الذي جاء سلساً ليكمّل تأريخ تلك المرحلة في ذلك المكان.
يذكر أن مخرج الفيلم الفرنسي أوليفيه بورجوا، بدأ مهنيّاً منتجاً تلفزيونياً في عدّة شركات مهمّة على المستوى العالمي، غير أن شغفه بالثقافة والبيئة قاده في العام 2004 لإخراج وكتابة أول فيلم وثائقي "الإرث" – Heritage، ومن ثمّ "وجدنا لنبقى" Here to Stay، واسمه الأساسي بالفرنسية Nous Resterons sur Terre. وفي العام 2015، بدأ في الشام بتسجيل أرشيف سينمائي توثيقي يجمع عدداَ لا حصر له من شهادات علماء الآثار، القيّمين على المتاحف وحرّاس المتاحف في سوريا، وذلك بعد أربع سنوات من اندلاع الأحداث السورية التي قادت إلى حرب مدمّرة، وبالاستناد إلى قصة واقعية في متحف حلب عمل على إخراج فيلمه "قسم سيرياكوس".
يستمرّ متحف نابو في نشاطاته الثقافية، من ندوات ومعارض وأفلام وثائقية ثقافية وحفلات موسيقية. ويقيم لغاية 26 آيّار 2023 معرضه بيروت 1840-1918، صور وخرائط