اللامركزيّة الموسّعة في "مشروع وطن الانسان": ما أعرفه وما لا
الاحداث- كتبت ليال مظلوم
تكمن الإيجابيّة الأوسع المتعلّقة باللامركزيّة الموسّعة في انّها نتاج توافق شامل سابق ظهّرته وثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف، وفي انّها مطلب شبه يومي من مجمل مكوّنات المجتمع اللبناني.
عظيم. رغم ذلك لم يشفع ذلك في جعلنا نتقدّم خطوة عمليّة واحدة ترجمت على أرض الواقع والتنفيذ منذ التسعينات إلى اليوم في هذا المجال.
لماذا؟ لأنّ المنظومة الحاكمة بفجور فاضح، تتمسّك بأظافرها بما أنعمت عليها سوء حوكمة المركزيّة من هبات، تخوّلها السرقة والنهب دون رقيب ولا حسيب، وتمنحها نِعَم الإمساك بالرقاب في التوظيف والتعيين، وتمدّها بقدرات التحكّم والتسلط وتصنيع الأتباع وتعميم الطاعة واستغلال النفوذ، واستنساب تخصيص المناطق بالخدمات وفق مصالحها الزبائنيّة...
وماذا كانت النتيجة؟ صراع هائل على السلطة المركزيّة بهدف الاستئثار بالمغانم أو تقاسمها بالتي هي أحسن، وهذا ما أدّى إلى الشلل، وإلى تعطّل آليات اتخاذ القرارات، وإلى فشل الحكومات، وإلى تعاظم الأزمات في مختلف نواحي الحياة وصولاً الى التحلّل في معظم المؤسّسات العامّة.
الخلاصة أنّ هذا الصراع على السلطة المركزيّة تسبّب في مقتل المواطن ماديّاً ومعنويّاً وواقعيّاً، وفي الموت السريري للوطن.
أسوق هذا الكلام بعد أن استوقفني ما بين البارحة واليوم، نقل الاعلام ما هو عود على بدء في تسليط الضوء على موضوع اللامركزيّة الموّسعة، في طرح متقدّم ومطوّر قدّمه" مشروع وطن الانسان" ورئيسه التنفيذي النائب المستقيل نعمة افرام، مع فريق بحثي متخصّص.
من دون الدخول في المقاربات القانونيّة والتقنيّة والتقسيمات الإداريّة المتجدّدة والصلاحيات وما شابه وكلها قابلة للنقاش والتعديل والاضافات، أثبت الطرح المحّدث انّه من خلال إقرار اللامركزيّة الموسعة والمطوّرة نستطيع تأمين التالي: الاستقرار عبر تخفيف حدّة الصراع على السلطة المركزيّة، وتسهيل اعتماد خططّ تعزّز عمل الوحدات الإداريّة الصغرى تمثيلاً وانتخاباً وصلاحيات معنويّة وقانونيّة وماليّة مستقلّة تُوضَع في خدمة الإنماء اقتصاديّاً واجتماعيّاً.
كذلك، تثبيت التنمية والنموّ المتوازن كأساس في العقد الاجتماعي الوطنيّ كما في ترسيخ السلم الأهلي، لا سيّما عندما يضاف إليها التشارك التمثيلي المباشر والعادل في السلطة، وهو في أساس وصلب كلّ مجتمع متنوّع وتعدّدي، مع انتخاب مباشر من الشعب للمحافظ والقائمقام ورئيس المقاطعة ورئيس مجلس القضاء بدل التعيين، وهذا يعني مراقبة ومحاسبة مباشرة من قبل الشعب.
أكثر، مع اللامركزيّة ما في "حدا يعود ويقول ناطرين مجلس الوزراء والمراسيم والتواقيع الرئاسيّة وحفظ التوازنات الطائفيّة ووو، وليه ما عنا دفاع مدني بهالمنطقة أو تلك. ليه ما ثبتنا المتطوعين. لا ما في عنا إدارة نفايات. لا ما في مأموري أحراش. ليه ما في حدائق عامة. ليه ما في قرميد فوق البيوت. لا ما في حراسة بلدية. لا ما في مشاريع سياحة ريفيّة أو دينية أو أثرية. أو ما معنا مصاري. وما حدا بيصرلفلنا. وناسيينا. وما في انماء".
الطرح في مجمله يشكّل نموذجاً قد يكون الأفضل والأمثل الذي يراعي بامتياز المعادلات الجغرافيّة والديمغرافيّة والاتجاهات الخاصة بالجماعات اللبنانيّة. وهو يطلق المبادرات المحلّية المكبوتة بفعل نظام المحاصصة المركزي وسياسات المصالح الضّيقة. إنّه مصدر للإبداع المختبئ حولنا، في قرانا ونواحينا ومدننا وفي كلّ مكان، حيث تتمتّع فئة الشباب من النساء والرجال بطاقات وأفكار خلاّقة بحاجة إلى نظام يحرّرها.
هل ستسمح المنظومة بهذه السهولة بتمرير مثل هذا المشروع الذي لم يمرّ منذ ثلاثين عاماً؟ الجواب معروف أتصوّر. ما لا أعرفه، هو موقف الجهّات السياسيّة من جهّة ومنتديات المجتمع المدني وحراكه من جهة ثانية، من الذين يعملون بصدق على مواكبة عمليّة الإصلاح المنشودة في لبنان أفضل وجديد من هذا الطرح، وإذا ما كانوا سيتوصلّون إلى تعهّدات بحمل مثل هذا الحلّ وغيره وغيره إلى الندوة البرلمانيّة، من خلال ترشيح الوجوه التغييريّة التي يطمحون إلى إيصالها؟