أقلام حرة

حرب ميشال عون وميشال مكتّف وما وراء الأكَمة

الاحداث- خاص- كتب رشيد قيامي

ليست قصّة ُ المعركة التي تخوضها القاضية برتبة ماريشال غادة عون في موقعة عوكر قصّة تحويلات وتدقيق مالي، كما يحاول بعض مناصري العهد القوي تصويرها. فللقصّة خلفيات مختلفة تماماً تعود في أساسها إلى موقف صحيفة "نداء الوطن " المناهض للعهد وحلفائه في الحزب الإلهي، والتي يملك السيّد ميشال مكتّف إمتيازها.

مطلع تموز 2019  صدر العدد الأوّل للصحيفة التي ضمّت نخبة من الأسماء المعروفة في حقل الصحافة المكتوبة. وما هي إلّا أسابيع قليلة حتّى احتلّت موقعاً متقدّماً رغم ما تعانيه الصحافة في لبنان من أوضاع صعبة. وكان واضحاً منذ اليوم الأوّل لإعادة إصدار الصحيفة في هيئتها الجديدة أنّها اتّخذت نهجاً معارضاً للسلطة.

الثاني عشر من أيلول 2019، أي بعد نحو شهرين ونصف الشهر على انطلاقتها، أطلّت الصحيفة على قرّائها بعنوان : " سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهوريّة خامنئي ".

تحت هذا العنوان برز نصٌّ عالي السقف يهاجم حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله ويتّهمهما بوضع اليد على لبنان وتطويب الولي الفقيه في إيران قائداً أعلى على بلاد الأرز وعلى حرب اللبنانيين وسِلمِهم، حيث " لا طاعة ولا أمرة لفخامة الرئيس ، إنّما لسماحة آية الله العظمى... علي الحسيني الخامنئي " حسب ما جاء في النصّ.  

هكذا بدأت قصّة المواجهة بين سلطة العهد القوي وحلفائه من جهة والصحيفة المعارضة من جهة أخرى.

مواجهة ٌ أخذت في البداية شكل دعوى قضائيّة ضدّ الصحيفة بتهمة " المسّ بكرامة رئيس الجمهوريّة ".

الجولة الأولى من المنازلة القضائيّة في الدعوى المقامة ضدّها من النيابة العامّة التمييزيّة على خلفيّة مانشيت عددها الصادر في 12 أيلول 2019،  كسبتها الصحيفة، التي تولّى النائب السابق المحامي بطرس حرب الدفاع عنها. فصدر قرار عن محكمة المطبوعات بتاريخ  21 تشرين الثاني 2019 قضى بتبرئة الصحيفة ورئيس تحريرها بشارة شربل والمدير المسؤول فيها جورج برباري.

وكانت ثورة 17 تشرين الأوّل عام 2019 ، التي سبقت حكم التبرئة ، وما خلّفته من نقمة واسعة تظهّرت في الشارع ضدّ العهد وحلفائه، هدّأت من حدّة الإشتباك وأجّلت توقيت إعادة استئناف المعركة إلى موعد يراه العهد وحلفاؤه مناسباً لهم.

خلال هذه الفترة، لم تغيّر الصحيفة نهجها، فيما استمرّت سلطات العهد ودوائره في التربّص للحظة انقضاض يرونها مناسبة.

جنرال " الساعة الثامنة " ، عنوانٌ لمقالٍ كتبه رئيس تحرير الصحيفة بشارة شربل في التاسع من الشهر الحالي ، كان الشرارة لإعطاء إشارة الهجوم على مالك الصحيفة ميشال مكتّف وعلى أكثر من محور.

مقال شربل الذي جاء على إثر الكلمة المسائيّة التي ألقاها رئيس الجمهوريّة وذكّر فيها بأنّه " الجنرال ميشال عون " ، كان وقعه قاسياً جدّاً ( المقال ) على ساكن القصر، الذي يشعر يوماً بعد يوم بتهاوي كل شيء من حوله، وهو في الربع الأخير من الولاية التي سعى إليها على مدى نحو ثلاثة عقود.

وإذا ما ذكّرنا بسطور قليلة ببعض ما جاء في المقال – الشرارة ، يمكن للقارىء أن يفهم سبب تفجّر بركان الغضب في أوساط العهد وأنصاره.

يقول بشارة شربل في مقاله: " هي ليست فقط بضعة سنتيمترات إحتاجها "انا الجنرال" ليطاول قامة الجنرال ديغول. إفتقدَ كل ما يصنع جنرالاً اختارته الأيام ليغير مصير أمته نحو الأفضل: القضية، والكاريزما، والشجاعة في محلّها، ومناهضة "سفاح المصالح". أما الكارثة ففي اعتقاده العكس، غير مدرك ان استعادة زمن "قصر الشعب" و"حرب التحرير" لا تضيف سوى ذكريات مؤلمة بفعل الخيارات الخاطئة وفقدان الرؤية السياسية والتداعيات التدميرية ".

هي سطور كافية لإشعال حرب لا هوادة فيها ضدّ ميشال مكتّف وصحيفته.

أعطيت الأوامر وبدأ تنفيذ الهجوم. محور قضائي أوّل تمثّل في استئناف السلطة ملاحقة " نداء الوطن " لقمعها وإسكاتها، حيث حرّكت الدعوى ضدّها مجدّدا عبر محكمة التمييز الجزائيّة التي تنظر كمرجع إستئنافي في القضيّة ، بعدما  تقدّمت النيابة العامّة باستئناف القرار بالتبرئة الصادر عن محكمة المطبوعات. وحدّدت محكمة التمييز يوم  22 حزيران المقبل موعداً للنظر في دعوى طالب النقض، أي النيابة العامّة الإستئنافيّة في بيروت.

أمّا محور الهجوم القضائي الثاني فتتولاه منذ أيّام ،القاضية برتبة ماريشال غادة عون، في موقعة عوكر " المجيدة "، غير عابئة لا بتراتبيّة، ولا بكفّ يد، ولا بإحالة علي التفتيش. فمحور مكاتب مكتّف للصيرفة غيرُ قابل للسقوط ، في معركة " العلمين "،  التي تخوضها القاضية الشرسة ، نيابة ً عن جنرال الحروب العبثيّة، المتمترس في قصر بعبدا يتابع فصول معارك الإصلاح والتغيير في عوكر ، كما تعوّد سابقاً...عبر الشاشات.