أقلام حرة

ترامب : رجل النرجسيّة والتفرّد والدهشة

الاحداث- كتب رشيد قيامي 
منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض مطلع العام ٢٠١٧ ، سعى الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة دونالد ترامب إلى نقض كلّ ما قام به سَلَفُه باراك أوباما. نقضٌ لم يرتكز في الكثير من الأحيان إلّا على موقفٍ سلبي ثابت من الرجل ( أوباما ) طيلة فترة الولاية الممتدّة على مدى أربع سنوات.
النقضُ الترامبي طال الإتّفاق النووي مع إيران (تموز  ٢٠١٥ ) ، وإتّفاق المناخ الباريسي ( أواخر العام ٢٠١٥ ) ،وبرنامج أوباما كير للرعاية الصحيّة، وغيرها من المسائل، ووصل حتّى إلى نقض مسألة تحسين العلاقات  الدبلوماسيّة مع الجارة كوبا وإعادة فتح السفارة الأميركيّة في هافانا ( ٢٠١٥ )، وذلك بعد  أكثر من خمسة عقود من العداء مع نظام فيديل كاسترو أيّام الحرب الباردة.
الحِقد الدفين على أوباما لم يكن وليدَ صُدفةٍ، ويعود إلى أواخر نيسان من العام ٢٠١١. فخلال العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ، إستغلّ أوباما فرصة حضور ترامب الحفل ليوجّه إليه إنتقاداتٍ ساخرة ضحك لها الجمهور، بعدما كان الأخير أعلن مراراً أنّ أوباما غير مولود على الأراضي الأميركيّة ولا يحقّ له أن يكون رئيساً . 
شخصيّة ترامب النرجسيّة وغروره الواضح لم يسمحا له بنسيان الأمر، لا بل دفعاه وبقوّة إلى الردّ لاحقاً، عبر وسائل مختلفة، لتهشيم صورة كلّ ما يمكن أن يكون أوباما قد حقّقه من إنجازات خلال السنوات الثماني من ولايتيه.
النرجسيّة والغرور الظاهران بوضوح في شخصيّة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، كان لهما تأثير كبير على العديد من قراراته التي أحدثت دهشة وذهولاً في صفوف متلقّيها. فهو عليمٌ بكلّ شيء ، ويمكن أن يفتي بالكبيرة والصغيرة. وما دعوته إلى حقن المصابين بكورونا بالسوائل المطهّرة إلّا دليلٌ بسيط على سذاجته المضحكة.
أمّا إطلالات ترامب أمام جمهوره فقلّما كانت تخلو من تمجيدٍ لشخصه ولما يعتبره إنجازات لا يمكن لغيره أن يحققها. وعبارات تعظيمه لآدائه تحوّلت مادّة دسمة تناولتها البرامج الساخرة طيلة سنوات الولاية الأربع.
لم يكن ترامب مفتوناً بكلّ ما يقوم به فقط ، بل وصل به "جنون العظمة" إلى حدّ ازدراء الكثير من الآراء، والتفرّد بإطلاق الأحكام السيّئة القاطعة على كلّ من يخالفه الرأي في مسألة ما، لا سيّما في حقّ معاونيه الذين اختارهم وامتدحهم قبل فترة قصيرة.
يغادر ترامب البيت الأبيض إلى منتجعه في فلوريدا من دون المشاركة في حفل التنصيب المزنّر بالعسكر لخلفه جو بايدن. مغادرةٌ تعكس عدم قدرة الرجل على تقبّل الهزيمة وحضور عمليّة تسليم طبيعيّة للسلطة. أمرٌ لم تشهده الديمقراطيّة الأميركيّة منذ نحو مئة وخمسين عاما.
صحيفة " وول ستريت جورنال " نقلت أنّ ترامب بحث مع مساعديه عشيّة المغادرة، مسألة تشكيل حزب جديد. خبرٌ إن تأكّدت صحّته فهو يعني أنّ الرجل -  ومن باب النرجسيّة والغرور - أصبح يعتبر نفسه ظاهرة خاصّة لم يعد بالإمكان حصرها ضمن الحزب الجمهوري الذي أوصله إلى المكتب البيضاوي.       
يبقى أنّ المقال الذي كتبه توماس فريدمان في صحيفة " نيويورك تايمز "  تحت عنوان : " الرئيس دونالد ترامب : النهاية " ، وما تضمّنه من وصف للضرر الذي أحدثته حِقبة ترامب، وبأنّها كانت " تجربة مروّعة ورهيبة "،  يعكس بوضوح الصورة التي تركها الرجل في الشارع الأميركي، بعد ولاية كادت أن تنتهي بمجزرة حقيقيّة داخل أروقة الكونغرس، وتخلّف نتائج كارثيّة قد تمتدّ ذيولها على مدى عقود.       

==============