عين " فاسيلي " وعينا " أمّ علي "
الاحداث- كتب رشيد قيامي
بعد نحو خمسة أشهر على الإنفجار الكارثي الذي وقع في الرابع من شهر آب الماضي في مرفأ بيروت وخلّف آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، ودماراً هائلاً، ومع مطلع العام الحالي، فتحت ليليان شعيتو أو " أمّ علي " عينيها، معلنة ًعودتها إلى الحياة، بعد صراع ٍ وغيابٍ طويلين ، لم يصدّق كثيرون أنّها قد تعود منهما.
عينا ليليان المطلّتان على بصيص نور ، مع بعض من حركة يديها المتجاوبتين، شحنتا الأهل والأصدقاء بطاقة رجاء، لم يعرفاه طيلة فترة معاناتها.
السيّدة الجنوبيّة الشابّة ، التي صودف وجودها في أحد المحال التجاريّة في بيروت لحظة وقوع الإنفجار ، كانت دخلت في غيبوبة طويلة نتيجة إصابة في الجمجمة ونزيف داخلي جرّاء سقوطها أرضاً ووقوع واجهة زجاجية عليها.
ما روته نظرات عيني " أمّ علي " من حكاية أمل وتشبثٍ بالحياة، حملني إلى استذكار ما للعينين من قوّة سحرٍ وجذب وقدرةٍ على التعبير والمخاطبة وإن من دون النطق بكلمةٍ واحدة. لا بل القدرة على تغيير مساراتٍ في الكثير من الأحيان.
ففي قصّة مختلفة تماما ً، من حيث المكان والزمان والظروف والتطوّرات ، تعود للحرب العالميّة الثانية، وأثناء معركة ستالينغراد الشهيرة بين النازيين والجيش السوفياتي يومها، برز اسم شاب روسي يدعى " فاسيلي زايتسيف " إلى واجهة الأحداث. فخلال المعارك الطاحنة وسعي النازيين للسيطرة على المدينة التي تقع على إحدى ضفّتي نهر الفولغا، ظهرت قدرة الشاب المتمرّس في الصيد، على إيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف الألمان. قدرةٌ لفتت إليه الأنظار سريعاً، ما دفع المسؤولين عنه في الجيش الأحمر ، ونظراً لشجاعته، إلى تكليفه بمهمّة " قنّاص" محترف، ليصبح لاحقاً أشهر قنّاص سوفياتي في تلك المعركة.
الدعاية السوفياتيّة يومها، جعلت من عينِ فاسيلي الثاقبة قصّة ً لامست حدود الأسطورة. فكانت المنشورات الدعائيّة اليوميّة التي تصدر خلال المعركة التي استمرّت لنحو ستّة أشهر، تعمد إلى ذكر عدد القتلى الألمان الذين أردتهم عينُ القنّاص الشاب، وإن بشكل مبالغ فيه في بعض الأحيان . وذلك سعيا ً منها لشحذ الهِمم ورفع المعنويّات في صفوف الجنود وأهالي المدينة.
بعد إنتهاء معركة ستالينغراد التي شكّلت نقطة مفصليّة في مسار خسارة الألمان للحرب، ذكرت المعلومات أنه إلى جانب عاملي الصقيع وشلّ قدرة سلاح الجو الألماني في مرحلة ما على التدخّل بفاعليّة، نظراً لقرب المسافة وتلاحم المقاتلين ، إضافةً إلى عوامل أخرى، فإنّ عيون القنّاصة السوفيات لعبت دوراً أساسيّاً في تلك المعركة الكبرى.
مطلع العام ١٩٤٣ أصيب فاسيلي زايتسيف بانفجار لغم أفقده بصره لبعض الوقت، إلّا أنّ شهرته سمحت له أن يتلقّى علاجاً عند أحد أشهر الأطباء في موسكو ، فاستعاد بصره وعاد إلى صفوف الجيش.
بطل الإتحاد السوفياتي السابق الذي مثّل إسمه عنوان يوميّات معركة ستالينغراد المرعبة ، رحل عام ١٩٩١ ، وكرّمه الفرنسي " جان جاك أنو " عام ٢٠٠١ بفيلم سينمائي من إخراجه يحمل إسم : "Enemy at the gates" .
هي العيون إذن، وفي دورين وموقعين وزمنين وقصتين مختلفين، حكت روايتي فاسيلي زايتسيف وليليان شعيتو اللذين فقدا بصرهما لفترة من الزمن. هو أغمض عيناً على صيدٍ ثمين فكرّس بطلاً، وهي فتحت عينيها على وجع وطنٍ قلّما كرّم أبطاله ، فهل يؤمل منه أن ينظر للضحايا ؟.
==========