إرث الأخوين رحباني وريما الحندقّة
الاحداث- كتب رشيد قيامي
تردّدت كثيراً قبل قرار الخوض في موضوع لا شأن لي في تناوله، سوى من ناحيّة القيمة الوطنيّة.
الموضوع يتعلّق بإرث الأخوين رحباني وما يمثّله من تاريخ فنّي، يجسّد حكاية وطن صغير، رفعه صوت فيروز من خلال كلمات وألحان الأخوين رحباني إلى مصاف عالمي. فأصبح هذا الإرث، في جانب منه ، حقّاً عامّاً، رغم ما يحفظه القانون طبعاً، من حقوق شخصيّة للورثة الشرعيين.
بعد رحيل منصور الرحباني عام ألفين وتسعة، برزت إلى الواجهة قضيّة الخلاف العائلي بين ورثة الأخوين رحباني. خلافٌ مرّ قبل هذا التاريخ بمراحل عدّة، لا مجال لتناولها كلّها هنا. كان يسوّى أحياناً بشكل قانوني، أو عبر تدخّل طرف وسيط لتسوية المسائل الخلافيّة، أو يبقى الأمر معلّقاً.
لا شأن لي شخصيّاً في كل هذا الموضوع، وقد تابعته عبر ما تمّ تداوله في الصحف والمجلّات في تلك المرحلة.
مؤخّراً، وكأي عاشق فيروزي متابع لا بلّ مترصّد للفنّ الرحباني، وخلال إطلالاتي القصيرة على صفحة الآنسة ريما الرحباني ( إبنة عاصي وفيروز ) على الفايسبوك، إستوقفني ما تكتبه. فريما مواظبةٌ على تناول مسألة الخلاف الرحباني من خلال نصوصٍ قد يصحّ وصفها بالمطوّلات.
الوريثة ُ الرحبانيّة ، تشنّ منفردةً ، حرباً على عمّها منصور وأولاده الثلاثة، متّهمةً إيّاهم بالسرقة والتزوير والجشع ،ومستخدمةً للعديد من الصفات البشعة، التي تصل إلى حدّ التجريح والقدح والذمّ.
في المقابل، وتجاه ما تتناوله ريما من اتهامات على صفحتها، وما تلصقه من صفات بعمّها وأولاده الثلاثة، ردّ ورثة منصور الرحباني، منذ أسابيع عدّة، عبر وكيلهم القانوني، على ما أسموه " الحروب الوهميّة المغرضة والمنظّمة التي تخوضها الآنسة ريما الرحباني منذ عشر سنوات،والتي عادت واتخذت منحىً تصعيديّاً خلال الفترة الأخيرة بأسلوب تحريضي مسيء".
فيروز وكعادتها ، غائبة ٌعن العيون كما عن التصريح. زياد - رغم ما يُبديه من ملاحظات على بعض تصرّفات ريما - مخطوفٌ إلى التأليف والتلحين. أمّا هالي فيبعده وضعه الدقيق عن كل هذا الأمر...وتبقى ريما.
ريما " الحندقّة "، التي غنّت لها فيروز في فيلم " بنت الحارس "، وبغضّ النظر عن صحّة الإتهامات التي توجّهها أو عدمها، تبدو ، ومن خلال ما تعرضه ، وكأنها تخوض معركة كونيّة. ففي نظرة سريعة على ما تستخدمه من تعابير يبدو الأمر جليّاً في هذا المجال. تقول ريما مثلاً خلال حوار مع مايا الحاج للنهار العربي مطلع الشهر الماضي ( نشرته على صفحتها الفايسبوكيّة ): " لأنّو الإعلام بأغلبيتو تما قول كلّو مجيّش ومنشرى ليهجم عليي بعشوائيّة مطلقة وعم يشتغل على غسل عقول الناس...هنّي وبدعم من دواعش الفنّ والثقافة اللي ساقبت إنّو اجتمعوا ع الهدف ألا وهو ، محو إرث وفنّ ومملكة وثقافة الأخوين وفيروز ، وتكاتفو ليمحوها وبالتالي يحققوا الخطة الصهيونية من جهة لمحو حضارتنا عامّة، ومن تاني جهة فكّ عقدة عُمر الرحابنة الزغار...".
لأجل الصدف، وبعد نحو ثلاثة أسابيع من كلام ريما للنهار العربي، ولمناسبة عيد ميلاد السيّدة فيروز، عرضت محطّة ال MTV حلقة خاصّة ضمن برنامج " صارو ميّة " من إعداد جان نخّول وتقديم نبيلة عوّاد.
خلال الحلقة، أطلّ الشاعر هنري زغيب متناولاً في فقرات عدّة، أخباراً تتناول الأخوين رحباني، قال في إحداها: " أصدر المركز التربوي للبحوث والإنماء كتاباً مدرسيّاً وضع ضمنه قصيدة لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب التي كتبها منصور الرحباني، ووضع بجانبها صورة له.عندما علم منصور، قام برفع دعوى على المركز وطالب بإلغاء الطبعة ونزع صورته، ووضع القصيدة تحت إسم الأخوين رحباني. وقد حصل ذلك ( عام ٢٠٠٢ ) أي بعد رحيل عاصي ( ١٩٨٦ ). لم يقبل أبداً إلّا أن تكون القصيدة للأخوين رحباني ".
كلام زغيب أرفق بالنصّ كما ورد في إحدى الصحف في تلك الفترة.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ فيروز وعندما سئلت في إحدى المقابلات الإذاعيّة عن الأغنية الأحبّ إلى قلبها من كلمات منصور الرحباني أجابت بأنّها " لملمت ذكرى لقاء الأمس بالهدب".
هناك العديد من الأعمال التي كتبها أو لحّنها أحد الرحبانيين ( عاصي ومنصور ) منفرداً، إلّا أنّها كانت تصدر تحت إسم " الآخوين رحباني".
من هذه الأعمال مثلاً، قصّة بيتين من الشعر إختارهما منصور من قصيدة كتبها لسيّدة بيروتيّة وعرضهما على عاصي لتغنيهما فيروز ضمن " قصيدة حبّ " في بعلبك ١٩٧٤ ،مستخدماً إسماً مستعارا لشاعر آخر. البيتان هما:
" إذا كان ذنبي أنّ حبّك سيّدي فكلّ ليالي العاشقين ذنوبُ
أتوب إلى ربّي وإنّي لمرّةٍ يسامحني ربّي إليكِ أتوبُ ".
من خلال ما تقدّم يتّضح جليّاً أنّ انصهار الأخوين رحباني في بوتقة فنّية واحدة صنع مجدهما وساهم في إرساء أسس الأغنيّة اللبنانيّة التي حلّقت مع الصوت الفيروزي إلى العالميّة. وكان حريّاً بالدولة اللبنانيّة، ومنذ زمن بعيد، أن تبادر إلى اتخاذ خطوات للحفاظ على هذا الإرث الفنّي الكبير والتدخّل للفصل في نزاع لا طائل منه، سوى تبديد كنزٍ فنّي ضخم هو من حقّ الأجيال القادمة.
==============