أقلام حرة

هل يجب أنْ تضع "الواقعيّة السياسيّة" يدها المتوحّشة
على المعايير و... الحكومة؟

الأحداث- كتب عقل العويط

لا بدّ أنّ الأكاديميّ والديبلوماسيّ مصطفى أديب أدرك مبكرًا اللّاجدوى من إطالة عمر التكليف، بعدما جيء به من مركز عمله في ألمانيا لتأليف الحكومة غداة تفجير مرفأ بيروت في صيف العام 2020، فآثر العودة سريعًا من حيث أتى، بعد أقلّ من شهر على تكليفه تلك المهمّة المستحيلة (31 آب/26 أيلول). 
كان على مصطفى أديب أنْ يقرّر بين أنْ يرضخ للأنياب المتربّصة، فتكون حكومته مرآةً للعصابة الحاكمة، وبين أنْ يقترح التوليفة الحكوميّة التي ترضي معاييره وقيمه وأخلاقيّاته... فلا تحظى بثقة مجلس النوّاب. 
لم يتردّد مصطفى (علمًا أنّ التردّد قد يكون مستحَبًّا لدى بعضنا في هذه الأيّام الكالحة) فقرّر سحب يديه من المستنقع المطلوب منه الولوغ في قذارته، ليصير "شاهدًا ما شفش حاجة"، أو جزءًا من هذا المستنقع، ويكمل بذلك مسيرة الفساد المظفّرة، التي لا تزال مكرَّمةً معزَّزةً، راسخة الجذور ثابتة الأركان. 
لا يبدو، ممّا يُرى من شدّة استفحال مسيرة الفساد، أنّها ستُصاب قريبًا بالتفكّك والانحلال، أو سيعتريها وهنٌ وإنهاك. بل العكس، على الأرجح، هو الصحيح.
الأنياب التي كانت تُشحَذ لنهش مصطفى أديب، شخصًا وحكومةً، والتي ما كانت لترتدّ عنهما قبل أنْ يتحوّل هو ومجلس الوزراء فريسةً مثيرةً للشفقة، ها هي تُرى – الآن - بالعين المجرّدة، صوتًا وصورة، تنقضّ على الرئيس المكلّف نوّاف سلام، الأكاديميّ والقانونيّ والديبلوماسيّ، لتضعه تقريبًا في الموضع نفسه الذي أُسِر فيه مصطفى أديب، آنذاك، فأُحرِج وأُخرِج.
ليس لي أنّ أقدّم نصيحةً إلى أحد. إنّما، على سبيل الافتراض، كنتُ فعلتُ ما فعله مصطفى أديب، ولكنتُ فعلتُ خصوصًا وأيضًا ما لم يفعله: تقديم توليفة وزاريّة إلى رئيس الجمهوريّة، ترضى عنها قيمي ومعاييري وأخلاقيّاتي، وترضي طموحات اللواتي والذين يريدون - بلا هوادة - أنْ ينسدل الستار على هذه الطغمة السياسيّة الفاسدة والشرّيرة والملعونة، و... تواسي دولة القانون المهيضة (في جنوب الليطاني وشماله) وتبلسم مرارات الناس المعذّبين، أيًّا يكن المصير الذي ينتظر هذه التوليفة لدى الرئيس، أو في مجلس النوّاب.
هل يبدو، يا ترى، أنّ "الواقعيّة السياسيّة" لن تستقيم مع القيم والأخلاقيّات والمعايير، إلى الحدّ الذي يؤتى فيه، على ما يُشاع، بأزلامٍ علنيّين أو "مُمَكيَجين" (من ماكياج) للفاسدين والبلطجيّة وقطّاع الطرق، أو بمَن هو مقبول السمعة ولا شبهة عليه وقريبٌ منهم ويؤاخيهم، وقد يسقط في مستنقعهم، ليكونوا وزراء في حكومةٍ وعهدٍ أخذا على نفسيهما أنْ يرفعا في خطابَي القسم والتكليف شعار استئصال الفساد والبلطجة وقطع الطرق؟
كنتُ أتمنّى أنْ أضع عنوانًا لمقالي من مثل: إرفعوا أيديكم عن الحكومة. أو: لا تُحرِجوه فتُخرِجوه. لكنْ يبدو – عسايَ أكون على خطأ - أنّ "الواقعيّة السياسيّة" تملي ضروراتُها الشيطانيّة وضعَ الأيدي لا على الحكومة فحسب، بل على الجميع، وكلّ شيء.