أقلام حرة

أيهما أفضل: حكومة تكنوقراط أم سياسية؟

الاحداث - كتب إيلي صعب

لم يكن انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة مجرد لحظة عابرة في تاريخ لبنان، بل كان بمثابة شعاع أمل أضاء ظلام سنوات من الأزمات الخانقة. اليوم، يشعر اللبنانيون أن الحلم بات أقرب إلى تحويله إلى واقع، من أي وقت مضى، لكنّ هذا الحلم لن يتحقق إلا من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط تحمل هموم الناس، وتحقق وعود الإصلاح، وتضع البلاد على مسار التعافي.

حكومة تكنوقراط: خطوة نحو التغيير

إن تشكيل حكومة تكنوقراط ليس خيارًا، بل ضرورة ملحّة لاستعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي، بعدما تحكمت الأحزاب السياسية بمراكز القرار في الدولة.فاللبنانيون سئموا من الصراعات السياسية التي عطلت المؤسسات وأغرقت البلاد في أزمات اقتصادية واجتماعية. حكومة الكفاءات قادرة على تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي وعد بها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، من تعزيز الشفافية، إلى بناء إدارة عامة قائمة على الكفاءة بعيدًا عن الولاءات السياسية.

العدالة: روح الإصلاح ومحوره

لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون تحقيق العدالة. اللبنانيون ينتظرون أن تُرفع يد السياسة عن القضاء، وأن يتحقق ما وعد به الرئيس جوزاف عون حول إقرار قانون استقلال القضاء. 
فتحقيق العدالة هي المدخل  لمحاسبة الفاسدين، ولإعادة الأموال المنهوبة، ولإنصاف الضحايا.

ملف انفجار مرفأ بيروت هو الاختبار الأكبر. بحيث لا يمكن للدولة أن تستعيد ثقة شعبها إذا بقي هذا الجرح مفتوحًا من دون محاسبة عادلة وشاملة لكل من تسبب أو تواطأ في هذه الكارثة. 
وتحقيق العدالة في هذا الملف هو واجب وطني وأخلاقي لا يمكن التهاون فيه.

إنهاء الانتقام السياسي: حماية الموظفين النزيهين

فعلى مدى سنوات، شهدت مؤسسات الدولة موجات من الإقالات الانتقامية التي طالت الموظفين المستقلين والنزيهين فقط لأنهم رفضوا الانصياع للفساد أو المحسوبيات. فالموظف النزيه هو العمود الفقري لأي إدارة ناجحة، وحمايته وإعادة إعتباره هي أولى خطوات بناء دولة القانون.

تنفيذ القرارات القضائية: معيار الدولة العادلة

لا قيمة لأي إصلاح إذا لم تُنفذ القرارات القضائية بشكل كامل وعادل. الإدارات العامة ليست فوق القانون، وتنفيذ أحكام القضاء هو أساس بناء الدولة الحديثة. هذا الالتزام لا يعيد فقط الثقة بالمؤسسات، بل يضمن أن الجميع متساوون أمام القانون.

اللامركزية: إنصاف للمناطق المهمّشة

اللامركزية الإدارية الموسعة، كما أشار الرئيس المكلف نواف سلام، هي إحدى الركائز الأساسية للإصلاح. فهي ليست مجرد شعار، بل وسيلة لتحقيق التنمية المتوازنة والعدالة بين المناطق، وفتح المجال أمام المجتمعات المحلية للمساهمة بفعالية في عملية صنع القرار.

دعوة للعمل: تحويل الحلم إلى واقع

إن هذه اللحظة التاريخية فرصة لا تُعوّض. اللبنانيون يتطلعون إلى أفعال وليس مجرد أقوال. المسؤولية اليوم تقع على عاتق الرئيس ورئيس الحكومة وكل القوى السياسية لتحقيق هذه الوعود وبناء الدولة التي يستحقها اللبنانيون.

إن استكمال الحلم اللبناني لا يتحقق إلا بوجود حكومة تكنوقراط تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، تحقق العدالة، تُنفذ القرارات القضائية، وتُعيد بناء الثقة بين الدولة وشعبها. هذه فرصة تاريخية لبناء مستقبل أفضل، ولن يغفر التاريخ لأي قيادة تتهاون في تحقيق هذا الحلم.