حسن نصرالله: لو كنت أستطيع!
الاحداث ـ كتب سمير سكاف
من دون شك أن حزب الله أخذ على عاتقه مواجهة اسرائيل بأقصى قدراته في 8 أكتوبر، ولكن بناءًا لتوجيهات المرشد الأعلى في إيران، الذي لا يريد حرباً إقليمية! والحزب يتهم العرب بالتقصير في المواجهة، في حين يبرر لإيران وسوريا عدم المشاركة المباشرة في الحرب!
ولكن هل ترتقي تهديدات الأمين العام لحزب الله الى مستوى القدرة على التنفيذ؟ وهل نجح مثلاً حزب الله أو محور الممانعة من الرد على الاغتيالات لقادتهم باغتيالات مشابهة لقادة اسرائيل؟!
وحده 7 أكتوبر وطوفان الأقصى أوجع اسرائيل كثيراً في عدد القتلى وفي عدد الأسرى وفي نوعية العملية وفي زعزعة ثقة الرأي العام الاسرائيلي بجيشه، الذي لم يبدُ وكأنه "لا يقهر"! أما كل التهديدات الباقية لاسرائيل فهي تبدو شعبوية وإعلامية أكثر منها ميدانية وجدية!
قد يقول الأمين العام لحزب الله "لو كنت أستطيع":
لو كنت أستطيع أن أنهي اسرائيل بنصف ساعة لكنت أنهيتها منذ زمن بعيد، ولما كنت انتظرت حتى الآن، أو حتى إشعار آخر!
لو كنت أستطيع أن أنهي المصانع الاسرائيلية بسبع دقائق، لكنت أنهيتها منذ زمن بعيد!
لو كنت أستطيع "حقاً" مساندة حماس حتى تصمد غزة، لدخلت الجليل في 8 أكتوبر، ولما اكتفيت بحرب "الاسناد"!
ولو كنت أستطيع لطلبت من فيلق القدس ومن كل محور الممانعة وميليشياته أن يدخل اسرائيل عسكرياً في أضعف لحظة بتاريخ وجودها منذ العام 1948!
لو كنت أستطيع لمنعت بنيامين نتانياهو من ارتكاب المجازر في غزة ومن تدميرها بشكل شبه كامل، ومن قتل 50.000 من أهلها، و20.000 من أطفالها!
لو كنت أستطيع منع الموساد من اختراق بيئة الحزب أو بيئة الحرس الثوري أو بيئة المخابرات السورية لكنت منعت اسرائيل من اغتيال عماد مغنية وقاسم سليماني وصالح العاروري واسماعيل هنية وفؤاد شكر...
لو كنت أستطيع حماية قادة وكوادر الحزب العسكريين لما كنا تكبدنا في الحزب هذا الكم الكبير من الشهداء (حوالى 500 شهيد) منذ 8 أكتوبر، من دون حرب شاملة، ومع الالتزام بقواعد الاشتباك من طرف واحد، التي أصبحت "موسعة"!
لو كنت أستطيع أن أقصف ما بعد بعد حيفا لكنت قصفتها منذ زمن بعيد!
لو كنت أستطيع استهداف مراكز المفاعلات النووية، أو حقل كاريش، أو مطار بن غوريون لكنت فعلت! ولو كنت أستطيع تلوين صور الهدهد بالنار والدخان لكنت فعلت! وحتى إن كنت أستطيع، فأنا أنتظر وقتاً أفضل من 7 أكتوبر(؟)! فهل ستتوفر فرصة أفضل من 7 أكتوبر؟
لو كنت أستطيع دخول الجليل لما كنت أجلت ذلك لحظة واحدة! ولو كنت أستطيع "تركيع" اسرائيل نهائياً، لما كنت لا طالبت ولا قبلت بوقف النار مطلقاً، لا في حرب تموز 2006، ولا في الحرب على غزة! ولا كنت وافقت على القرار الأممي1701 (الذي يشمل القرار 1559)... وتسليم سلاح الحزب!
كثيرة هي الأمور التي يرغب السيد حسن نصرالله بتحقيقها ضد العدو الاسرائيلي. المشكلة ليست في النوايا، أكانت هامة أم لم تكن، حتى ولو كانت صادقة! ولكن "الرغبات" تبدو صعبة التحقيق ميدانياً، مع دعم أميركي وغربي لاسرائيل سياسياً، مالياً، عسكرياً وإعلامياً، بالإضافة الى ضرورة تماهي نواياه مع الحسابات والرغبات الإيرانية!
والأخطر في كل ذلك إن لا 7 أكتوبر ولا 8 أكتوبر، "لا بالمفرق ولا بالجملة" أديا الى الضغط باتجاه إنشاء دولة فلسطين! فلا الديبلوماسية العربية تنشط بهذا الاتجاه، ولا الديبلوماسية الدولية تنشط لذلك أيضاً! لا بل الواقع هو ابتعاد أفق حل الدولتين أو أي حل لدولة فلسطين، بعد تصويت الكنيست الاسرائيلي مؤخراً، رافضاً له، قاطعاً الطريق على مبادرات لاحقة للاتحاد الأوروبي!
في الحقيقة، فعلاً أن الجيش الاسرائيلي لم يحقق بعد أي من أهدافه العسكرية في غزة على الرغم من آلة القتل والتدمير الرهيبة، لا في احتلال كامل غزة واقتحام رفح ولا في استعادة الأمن ولا في تأمين منع 7 أكتوبر جديد ولا في استعادة الأسرى ولا في كسر حماس سياسياً، أو حتى عسكرياً! علماً أن مواجهة حماس للجيش الاسرائيلي مستمرة، حتى في شمال غزة أحياناً...
ولكن كل ذلك، بانتظار محاولته اغتيال قائد حماس "الجديد" يحيى السنوار. الذي، أصبح من دون شك أولوية نتانياهو، وأقصر طريق لإعلان انتصاره في غزة!
لحظة 7 أكتوبر لن تتكرر بسهولة! وهي لن تتكرر عما قريب! وحتى الردود المنتظرة ضد اسرائيل ليست واعدة بتحقيق أهداف جدية، بالقياس مع الردود الإيرانية على قصف القنصلية في دمشق أو على اغتيال قاسم سليماني!
حزب الله "يعلم" اليوم، ولأنه "يعلم"، فهو يقوم بالفعل ضد اسرائيل... بكل ما "يستطيع"! وهو لن يستطيع القول يوماً: "لو كنت استطيع"!
* كاتب ومحلل سياسي