
قبل ان ينساها اللبنانيون: رئيس "الخماسية العسكرية" في بيروت اليوم
الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"على غرار الرواية عن الأزمة النقدية ومنزلقاتها التي تقول إنّ الكارثة حلّت عندما وضعت الدولة يدها على أموال المودعين في مصرف لبنان الذي وهبها إياها، ويُقال أيضاً، إنّ الدولة الحديثة التي وُلدت في 9 كانون الثاني ورثت من حكومة تصريف أعمال، الهزيمة التي جناها "حزب الله" من الحرب التي قاد لبنان إليها. بهذه المعادلة اختصر مرجع ديبلوماسي ما يجري نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي الذي ضمّ الضاحية الجنوبية مجدّداً إلى أهدافه. وعليه، كيف يمكن تفسير هذه المعادلة؟
لم ولن تكون الغارة الإسرائيلية التي استهدفت إحدى القاعات الكبرى التي يستخدمها "حزب الله" للاحتفالات السياسية والحزبية والنشاطات الدينية بعدما باتت الضاحية الجنوبية منذ فترة، على لائحة الأهداف التي يمكن أن تطاولها آلة الحرب الإسرائيلية كما أي أحد من القياديِّين الحزبيِّين، أو أي موقع له، سواء كان حزبياً أو اجتماعياً أو إدارياً، لا فرق. وقد بات واضحاً بعد وقف مسلسل الصواريخ اليتيمة التي تطلق من جنوب لبنان في اتجاه الداخل الفلسطيني المحتل، أنّه لم يَعُد يحتاج هذه الحجة الممجوجة، للقيام بأي عملية من هذا النوع، بعدما واصل أعمال الإغتيال التي استهدفت في الفترة الأخيرة عدداً من قياديِّيه في قلب الضاحية الجنوبية بعد الجنوب والبقاع وصولاً إلى أي عنصر ينتمي إليه، خصوصاً أنّه يُقدّم لأي مستهدف سيرة ذاتية لا يرتكب فيها أي خطأ، قبل أن تنعى القيادة الحزبية المستهدف بالأسماء والمهمّات التي يسبقه إليها الجانب الإسرائيلي.
على هذه الخلفيات، توقفت مراجع عسكرية وديبلوماسية عند هذه الظاهرة التي تتكرّر شبه أسبوعياً في مناطق بعيدة من الجنوب وشبه يومية في القرى الحدودية. ولفتت إلى ما يُشبه الاقتناع التام بأنّها لم تكن محرجة في أي عملية تقوم بها طالما أنّها تستند إلى موافقة مسبقة من الجانب الأميركي أو مباركة لاحقة إن بقِيَت سراً على الإدارة الأميركية وفريقها المكلّف الشأن اللبناني، بعدما عبّرت هذه الإدارة عن النية بإعطاء تل أبيب هذا الهامش الواسع من الحركة، على رغم من مجموعة الإدانات الدولية التي ترافقها بأسلوب بات ثابتاً في شكله ومضمونه، فيوجّهون الاتهامات الأممية والدولية إلى القيادة الإسرائيلية من دون أي حرج، تزامناً مع الجدول اللبناني الذي بات يحصي الآلاف منها على مراحل، سواء تمّ ضمّها إلى تلك التي سبقت التفاهم على تجميد العمليات العسكرية في 27 تشرين الثاني العام الماضي أو المُهل التي تلتها.
ولا تتجاهل المراجع المعنية، عند تعمّقها في قراءة الأسباب التي ساهمت في استمرار هذه الخروقات، إحصاء ردّات الفعل التي تحوّلت روتينية، تترجمها بيانات الإدانة والاستنكار معطوفة على المعلومات عن حجم الاتصالات مع أركان الإدارة الأميركية المعنيِّين بالوضع الناشئ، وفي مقدّمهم الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومساعدوها، عدا عن الفريق العسكري المعاون لرئيس اللجنة الخماسية الجنرال جاسبر جيفرز، المكلّفة مراقبة التفاهم والإشراف على انتشار الجيش إلى جانب "اليونيفيل" في الجنوب، ورعاية التفاهمات المتقطعة مع الجانب الإسرائيلي الذي يشكّل أحد أطرافها لوقف مسلسل الغارات وتسهيل تنفيذ المراحل المتبقية من التفاهم، طالما أنّ كل الجهود التي بُذِلت للانتقال إلى المرحلة التالية لـ"وقف العمليات العدائية" قد جُمِّدت بلا أي تبرير. وهو أمر رفع منسوب القلق عندما تبيّن أنّ جيفيرز ما زال خارج لبنان منذ اليوم التالي لاجتماع الخماسية في الناقورة في 11 آذار الماضي، تاريخ تشكيل فرق العمل الثلاثة التي كان من المقرّر أن تبحث في الخطوات التالية على المسارات العسكرية واللوجستية والتقنية، واستئناف البحث في النقاط الـ13 المختلف حولها توصّلاً إلى إنهاء الحديث عن "الخط الأزرق" وتثبيت وإظهار الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة التي كرّستها اتفاقية الهدنة عام 1949.
وتؤكّد المراجع، أنّه لا يمكن الحديث في هذه الظروف المعقّدة، عن انتهاء المرحلة الأولى من التفاهم وسط خلاف كبير رُبِط بالدعوة الأميركية التي أطلقتها أورتاغوس، بعد أيام على تشكيل الخماسية العسكرية لفرق العمل الثلاثة، ودعت فيها إلى تشكيل لجان ديبلوماسية وسياسية لمناقشة "القضايا العالقة بين لبنان وإسرائيل" بدلاً من تلك العسكرية والتقنية والقانونية التي تحدّثت عنها الخماسية فتعطلت الخطوتان معاً. وما زاد في الطين بلة أنّها زارت بيروت قبل أسبوعَين من دون أي معاينة للخطوات المجمّدة حتى إشعار آخر. وهو أمر لم يَعُد مستغرباً طالما أنّ إسرائيل جمّدت عملها مع الخماسية ولجأت إلى التفاهم مع الإدارة الأميركية مباشرةً، عملاً بما قالت به كتب الضمانات الأميركية التي عطلت أجزاء واسعة من التفاهم، وشكّلت آلية بديلة من عمل اللجنة العسكرية.
وبناءً على ما تقدّم، وفي ظل العجز المطلق عن ردع إسرائيل عن القيام بأي عملية عسكرية في أي بقعة لبنانية، فقد كشفت المعالجات الأخيرة أنّ بعضاً من الاقتراحات تنتظر عودة الجنرال جيفيرز في الساعات المقبلة إلى بيروت للبحث بدءاً من الغد مع المسؤولين الكبار في سبل تجاوز الانتكاسات المتلاحقة التي أصابت التفاهم، وما يمكن القيام به لإعادة إطلاق الخطوات المقرّرة، مخافة الإعتقاد بأنّ الرعاية الأميركية للتفاهم قد جُمِّدت، وأنّ الضمانات الفرنسية التي قدّمتها باريس، إلى جانب واشنطن، ليست كافية إن لم يَعُد لها أي قيمة عسكرية أو سياسية، وكل ذلك من أجل لجم إسرائيل التي تتصرّف وفق نظرية مثيرة للقلق، على أساس أنّ الهزيمة التي ألحقتها بـ "حزب الله"، في نهاية الجولة الأخيرة من الحرب على مدى 66 يوماً، قد أصابت العهد الجديد بكل طاقمه السياسي والحكومي والعسكري.
وانطلاقاً من هذه الملاحظة الدقيقة المتداول بها، تقول المراجع نفسها إنّ العهد الجديد ورث من حكومة تصريف الأعمال مسؤولية تنفيذ الاتفاق الذي عقده "الثنائي الشيعي" وقد تبنّته في اليوم التالي لإنجازه بنسخته الأميركية من دون أن يكون لها أي قرار في شنّ الحرب التي خاضها "حزب الله" تحت شعار "الإلهاء والإسناد" وما قادت إليه من نتائج كارثية لحقت بكل لبنان. وإنّ عليها أن تتحمّل المسؤولية كاملة عن نتائج الحرب وأن تُعيد بناء ما دُمّر بأسلحة "أميركية وإسرائيلية" استدرجها "السلاح الإيراني" الذي كان ينتشر في لبنان من دون أي تمييز كان يمكن أن تلجأ إليه الإدارة الأميركية، إن صدقت برعايتها لمسيرة العهد الجديد ودعمها المطلق للرئيس والحكومة والجيش ومعه بقية الأجهزة العسكرية والأمنية، لتقوم بمهماتها انطلاقاً من استعادة السيطرة على كل الأراضي اللبنانية ومصادرة الأسلحة غير الشرعية المخزونة والمصانع التي تنتجها، وهي خطة عجز عنها لبنان حتى اليوم، طالما أنّ إسرائيل تواصل اعتداءاتها عليه بطريقة تعوق انطلاق الحوار المطلوب من رئيس الجمهورية و"حزب الله" لسدّ هذه الفجوة نهائياً.