
لبنان في واشنطن: طاولة دعم ودول لم تؤكد حضورها!
الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"يحاول الوفد اللبناني المشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، أن يقدم صورة لدولة تنهض من تحت الركام، مع ملفات إصلاحية غير مكتملة. ولكن المجتمع الدولي لا ينظر إلى لبنان بوصفه دولة عاجزة فحسب، بل كدولة مترددة لا تزال تساوم على أوجاع ناسها، وتختزل الإصلاح بمسكنات ظرفية، لا بتغييرات بنيوية.
صحيح أن العالم مستعد لمساعدة لبنان، إلا أنه في كل محطة دولية يسمع المسؤولون السؤال عينه: ماذا فعلتم لتستحقوا الدعم؟ قوانين أساسية مجمدة، قطاع مصرفي مشلول، إدارة مالية مبعثرة، وسلطة تتعامل مع الانهيار كأنه أزمة علاقات عامة لا أزمة ثقة وطنية.
وتأتي في هذا السياق المعلومات الواردة من واشنطن عن نية البنك الدولي تنظيم طاولة مستديرة تجمع الدول الصديقة والمانحة التي سبق أن قدمت للبنان مساعدات، لكن أيا من الدول لم تؤكد حضورها، قبل التحقق من أن لبنان استطاع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه. فهذه الدول وفق مصادر الوفد "لا تريد من خلال حضورها إعطاء أي رسالة أو بصيص أمل قبل التيقن من أن مسار الإصلاح انطلق، ولو بخطى خجولة".
وإذا كانت التوقعات بحصول دعم معدومة، فثمة سؤال عن مدى أهمية المشاركة اللبنانية في اجتماعات واشنطن.
وفق الباحث في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) محمد فحيلي فإن "مشاركة لبنان في اجتماعات واشنطن تحظى بأهمية بالغة. إنه اعتراف بأن لبنان لا يزال يطرق أبواب الحل، وإن بخجل، وفرصة، لا لتسول المساعدات، بل لإعادة بناء صدقية فقدت بتراكم الإخفاقات. ويمكن الحضور اللبناني كسر الجمود الديبلوماسي وإعادة فتح قنوات الحوار مع المؤسسات المالية الدولية، لا كمنصة للحصول على تمويل مباشر. فشروط الدعم لا تزال واضحة: إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإقرار قوانين إصلاحية معطلة، وتوحيد سعر الصرف في ظل سياسة نقدية موثوق بها".
ويضيف: "صحيح أنه لا ينبغي أن نرفع سقف التوقعات كثيرا من مشاركة الوفد الوزاري اللبناني في اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولكن المشاركة الفعالة تعني أن لبنان لا يزال على الطاولة الدولية، ولم يُطوَ ملفه بعد. وهي فرصة لإعادة تأكيد التزام الإصلاح، حتى وإن بقي نظريا. إذ يستطيع الوفد أن يقدم تحديثا عن الخطوات "الشكلية" التي اتخذتها الحكومة: قوانين صدرت (وإن لم تطبق)، لجان أنشئت، خطط قيد الإعداد، بما يعطي انطباعا – ولو جزئيا – وقد يجنب لبنان تصعيدا في الخطاب النقدي الدولي". ويمكن فتح قنوات خلفية مع المانحين والدول الكبرى، عبر اجتماعات ثنائية مع دول نافذة (فرنسا، الولايات المتحدة، دول الخليج) بهدف تحريك بعض الملفات المجمدة، أو التمهيد لمساعدات مشروطة. والأهم هو محاولة إعادة بناء الثقة مع المؤسسات الدولية، إذ عبر الحوار المباشر واللقاءات الجانبية، قد يحاول الوفد تخفيف حدة التباعد بين لبنان وهذه المؤسسات، خصوصا بعد الجمود الذي رافق الملف اللبناني في صندوق النقد منذ 2022".
الحصول على دعم تقني
ووفق فحيلي "يستطيع الوفد السعي للحصول على دعم تقني، وهو ما يمكن تحقيقه بواقعية أكبر من الدعم المالي". وقد يشمل الدعم التقني تحديثات للحوكمة ونظم الضرائب، والرقابة المصرفية، ومكافحة الفساد، وهذه مجالات حيوية للبناء المؤسساتي.
ويؤكد فحيلي أنه "لا يمكن توقع أي التزامات مالية مباشرة أو دفعات جديدة من الصندوق أو البنك الدولي، أو أي تغيير فجائي في النظرة الدولية إلى لبنان. فصورة البلد مهتزة بسبب الانقسام السياسي وتعطيل القضاء والجمود الاقتصادي".
ولكن على الرغم من ذلك، قد يتمكن الوفد في رأي فيحيلي من "حصد بعض المكاسب الرمزية، كالحصول على دعم تقني لتحديث آليات الرقابة والإدارة العامة، أو إعادة إدراج لبنان في برامج مساعدة فنية. كذلك، فإن اللقاءات الثنائية مع ممثلي الدول المانحة قد تساهم في إبقاء الملف اللبناني مفتوحا على الطاولة، وتفادي سقوطه في غياهب النسيان الدولي".
ويبقى الرهان الحقيقي في بيروت. ويعتبر فحيلي، أنه "مهما كان أداء الوفد احترافيا، لن تنجح أي مفاوضات ما لم تترجم على أرض الواقع بخطوات تشريعية وتنفيذية جدية. فالمجتمع الدولي لا يطلب المعجزات، بل إشارات واضحة أن الدولة اللبنانية قررت التوقف عن إنكار الأزمة، والتحرك في اتجاه الحل".