
بعد تسليم سلاحه... هذا ما ينتظر "حزب الله"
دمج عناصر "الحزب" في الجيش: تهديد للعقيدة وتفكيك للمؤسسة
الاحداث- كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن" يقول:"في مقابلة حديثة، أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون طرحاً مثيراً للجدل حول إمكانية دمج عناصر “حزب الله” في صفوف الجيش اللبناني، بعد إخضاعهم لاختبارات ومعايير محددة، وذلك ضمن رؤية مستقبلية لما بعد حسم ملف سلاح “الحزب”. هذا التصريح، وإن بدا من حيث الشكل خطوة نحو “لبننة” السلاح، إلا أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام إشكاليات بنيوية وأمنية تمس جوهر المؤسسة العسكرية اللبنانية.
مصادر دبلوماسية مطلعة أكدت لـ “نداء الوطن” أن مسألة تسليم السلاح أصبحت محسومة، وأن العملية دخلت فعلياً طور التخطيط المرحلي، ولو أن قصر بعبدا لم يرد بعد على الطلب الأميركي الأخير بوضع رزنامة زمنية لتسليم السلاح، وتشير المصادر إلى أن من يعتقد أن السلاح سيبقى أو أن مصيره مرتبط بمفاوضات إيران الإقليمية، هو واهم، باعتبار أن السياق السياسي العام بات يتجه نحو تعزيز الدولة كمظلة حصرية للقوة والشرعية.
غير أن التحدي الأكبر لا يكمن في توقيت التسليم بل في “ماذا بعد؟”. إذ تطرح فكرة دمج عناصر من تنظيم عقائدي مسلح في الجيش النظامي خطراً مباشراً على هوية هذه المؤسسة، التي استُثنيت تاريخياً من الانقسامات السياسية والطائفية، وبُنيت على أسس وطنية جامعة تقوم على عقيدة الدفاع عن الدولة من دون سواها، وعليه، فإن إدخال آلاف العناصر الذين تربوا على عقيدة “الولي الفقيه” والانتماء لمحور سياسي خارجي إيراني، يشكّل قنبلة موقوتة داخل الجسم العسكري.
من الناحية التنظيمية، فإن أي محاولة لدمج عناصر ذات خلفيات أيديولوجية صارخة ستفرض تعديلاً في البنية الثقافية والعسكرية للجيش، وربما تخلق انقسامات داخل صفوفه، وتهدد وحدة القرار والانضباط، وسيكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، ضمان ولاء هؤلاء للدولة ومؤسساتها فقط، لا سيما في حال استمرت المرجعيات الدينية والسياسية القديمة في التأثير عليهم بشكل مباشر وغير مباشر.
كذلك، فإن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام ممارسات التسييس داخل المؤسسة، حيث يُخشى أن تتحوّل المؤسسة العسكرية إلى ساحة لتوازنات حزبية وطائفية، ما يفقدها وظيفتها الوطنية ويعيد إنتاج نموذج “الميليشيا المقنّعة بلباس الدولة”، وهو ما يتناقض كلياً مع المساعي الرامية إلى بناء دولة فعلية ذات قرار سيادي موحّد.
إضافةً الى ذلك، فإن التجارب السابقة في بعض الدول المجاورة أثبتت أن دمج جماعات مسلحة عقائدية في الجيش اللبناني يؤدي إلى خلخلة التراتبية، وزعزعة الثقة بين الضباط والجنود، وتكريس الانقسام الداخلي بدلاً من تجاوزه.
وفي هذا الصدد، شرح العميد المتقاعد وهبي قاطيشه المعضلة المتعلقة بدمج “حزب الله” في الجيش اللبناني، معتبراً أن ذلك مستحيل، لأن “الجيش اللبناني جيش وطني يعمل ضمن سلطة الدولة واستراتيجية هدفها خدمة الوطن، أما عناصر “حزب الله” فهم عقائديون دينيون يدينون بولاية الفقيه، ما يجعل دمجهم يولّد صراعات داخلية”.
وقال لـ “نداء الوطن”: “الجيش اللبناني غير قادر مادياً على تلبية حاجات عناصر “الحزب”، وعددياً هم أكثر من الجيش، إذ يُقدّر عددهم بين 50 إلى 100 ألف مقاتل، ما يعني أن الدمج الفعلي سيكون بإدماج الجيش في “حزب الله”، لا العكس. كما أن الخلاف العقائدي عميق، إذ لا يمكن وضع جندي يؤمن بسيادة لبنان إلى جانب آخر لا يعترف بها”.
أضاف: “هوية عناصر “حزب الله” دينية قبل أن تكون وطنية، وولاية الفقيه لا تعترف بالحدود الوطنية، بل تمتد لتشمل الأمة الشيعية من إندونيسيا حتى واشنطن. كما أن عنصر “الحزب” يسعى إلى الاستشهاد كغاية دينية، بينما عنصر الجيش يعتبر الاستشهاد احتمالاً في سبيل الدفاع عن الأرض، لا هدفاً بحد ذاته”.
وعن مقارنة الوضع الحالي بإدخال عناصر من ميليشيات سابقة إلى الجيش بعد الحرب، قال: “صحيح أنه تم دمج بعض العناصر سابقاً، لكنهم كانوا يملكون عقيدة وطنية، بعكس عناصر “حزب الله” الذين لا يؤمنون بلبنان ككيان مستقل”.
وتابع: “سبق أن أُدخلت عناصر من تنظيمات عسكرية إلى الجيش لكن بأعداد محدودة، ولم يُضم أحد من القوات اللبنانية”.
وبشأن ما يُحكى عن استنساخ تجربة “الحشد الشعبي” في لبنان، أوضح قاطيشه: “الرئيس عون أراد الإشارة إلى أن هذه التجربة غير قابلة للتكرار هنا، لأن الحشد الشعبي في العراق أضعف الجيش لصالح قوة موازية تهيمن على القرار العسكري”.
وعن فكرة إدخال عناصر من “الحزب” إلى الجيش طوعاً، قال: “شروط الانتساب تتطلب أن يكون عمر المتقدم دون الـ 21 عاماً، ومعظم عناصر “الحزب” تتجاوز أعمارهم الأربعين، ما يجعل الأمر غير ممكن قانونياً”.
وختم قائلاً: “يجب احتضان عناصر “حزب الله” ودمجهم في المجتمع اللبناني، لكن خارج الأجهزة الأمنية. فمصيرهم كمصير أي لبناني، بالبحث عن وظائف داخل الدولة”.
إشارةً الى أن وزارة الخارجية العراقية استدعت سفير لبنان في بغداد على خلفية تصريحات عون بشأن قوات الحشد الشعبي العراقية، ما ينذر بأفق أزمة دبلوماسية مع العراق.
أمام هذا الواقع، تبدو فكرة الدمج غير عملية، لا بل خطيرة، فالخيار الأسلم هو إعادة تأهيل عناصر “الحزب” عبر برامج مدنية، وإدماجهم في المجتمع ضمن مؤسسات غير أمنية أو عسكرية، تضمن كرامتهم من دون أن تمس بهوية الدولة أو تقوّض الجيش اللبناني، فالحفاظ على الجيش كمؤسسة محايدة وموحدة هو ركيزة أساسية لأي مشروع إصلاحي حقيقي، وأي مساس به يهدد ليس فقط توازن السلطة، بل وجود الدولة نفسها.