من الصحف

الحجّار «يفرج» عن البيطار: «صفقة» تطلق يد المحقّق العدلي في ملف المرفأ؟

الاحداث- كتبت لينا فخر الدين في صحيفة "الأخبار" تقول : على مدى سنةٍ كاملة، واجه المدّعي العام التمييزي القاضي جمال الحجّار كل الضغوط لإخراج المحقّق العدلي في ملف انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار، من «عزلته». صمد الرّجل أشهراً متمسّكاً بعدم قانونيّة الاستنابات القضائيّة وجلسات الاستجواب انطلاقاً من قرار المدّعي العام التمييزي السابق، القاضي غسّان عويدات، الذي فرض على النيابة العامّة التمييزية عدم تسلّم أي مذكّرة من البيطار، وادّعى على الأخير جزائياً باعتباره مغتصب سلطة. ووصلت الأمور في إحدى المرّات إلى وضع الحجّار استقالته على الطّاولة في حال «هجم» البيطار في تحقيقاته أكثر وبطريقة غير قانونيّة.

لكنّ هذا الصّمود سُرعان ما تبدّد، وقلب الحجّار الطّاولة على الجميع، فأصدر أمس قراراً بـ«وقف قرار عويدات الذي أوقف التعامل مع البيطار، وأعاد الأمور إلى ما كانت عليه لجهة التعاون مع المحقّق العدلي». ولم يقدّم المدّعي العام التمييزي أي مسوّغات أو تعليل أو تفسير، لا في متن قراره ولا حتّى للمقرّبين منه ممن راجعوه في الموضوع، مكتفياً بالإجابة: «هذا هو قراري».

«القرار – الانقلاب» على حدّ تعبير العديد من أهالي الشهداء والمتضررين ووكلاء الدّفاع عنهم، فيه الكثير من «شُبهة التسييس»، ولمّح هؤلاء إلى وجود «صفقة ما» أدّت إلى تراجع الحجّار عمّا كان يُعيده على مسامعهم، لافتين إلى أنّ «الدّيل» بين الحجّار والبيطار ستظهر مؤشراته في الأيّام المقبلة، بعد أن يختتم الأخير تحقيقاته لإحالة الملف إلى النيابة العامّة التمييزية قبل أن يُصدر قراره الاتهامي وتُصدر النيابة العامة مُطالعتها بالأساس، لتكون الخاتمة بإحالة الملف إلى المجلس العدلي.

وتُرجّح مصادر متابعة أنّ الاتفاق يقوم على أن يُطلق الحجّار يدي البيطار في تحقيقاته، مقابل ألّا يذهب الأخير بعيداً في طموحاته، وتحديداً في عدم إصدار أي مذكّرة توقيف لأيّ من المُدّعى عليهم، وهو ما تمّ إبلاغه للبعض منهم. وبالتالي، سيكون له «امتياز» إصدار مذكّرات إلقاء القبض بعد قراره الظني على أن تُترك صلاحيّة تنفيذها للمجلس العدلي الذي على الأرجح لن يبدأ جدياً بجلساته إلا بعد سنوات، ما يعني فعلياً إطلاق «رصاصة الرحمة» على الملف، وتركه للاحتضار، وإن كانت الخشية مستمرة من استثمار مضمون القرار الاتهامي في السياسة الدّاخلية.

في المُقابل، ترى المصادر أنّ الحجّار لم يتراجع عن قراراته السابقة بتقييد البيطار واعتباره «مغتصب سلطة»، إلا بعدما وصلته إشارات السّلطة السياسية بإمكانيّة الإطاحة به وتعيين بديل عنه بالأصالة. وهنا لا يعرف هؤلاء ما إذا كان المدّعي العام التمييزي قد وصلته إشارة بأنّ تليين موقفه تجاه البيطار يعني حكماً تثبيته في موقعه، أم أنّها كانت طريقة لـ«مغازلة» العهد الجديد!

«طيونة» جديدة؟

هذا «الانقلاب» الذي بات مفهوماً لدى بعض أهالي الشهداء ووكلاء الدّفاع عنهم، عبّر عنه بشكلٍ واضح أمس المتحدّث باسم وفد من تجمّع أهالي شهداء وجرحى ومتضرري انفجار مرفأ بيروت، إبراهيم حطيط، بعد زيارته وزير العدل عادل نصار، إذ قال: «كان الموقف السّابق للحجّار بقانونيّة قرار عويدات بعدم تعاون النيابة العامة مع البيطار، فلماذا غيّر رأيه اليوم بعد أكثر من سنة؟ هل هو قانون جديد تمّ اكتشافه أم هي الضغوطات السياسية الداخلية والخارجية التي أدّت إليه؟».

وهو السؤال الذي يتناقله أهالي الشّهداء، الذين رأوا في قرار عويدات «استفحالاً للتسييس في الملف، ونحن نُريد خاتمةً عادلة». وكما يقول حطيط لـ«الأخبار»، فقد «تعهّد الحجّار بالثبات على موقفه القانوني، إلا أن الضّغوط المحليّة والخارجيّة كانت أكبر منه»، متخوّفاً من أن «تلعب هذه الضغوط دورها في إنتاجٍ قرار ظني باتهام سياسي موجّه حصراً إلى حزب الله وحركة أمل حتّى نكون أمام طيّونة أُخرى، وأمام لعب بأمن البلد مع المتغيّرات التي تحصل حالياً».

خشية حطيط هي التي نقلها إلى نصار خلال اللقاء أمس، حينما قدّم عرضاً مفصّلاً يُبيّن أسباب ملاحظات الأهالي على البيطار وأدائه، «لعدم استدعائه من كان في سدّة الحكم أثناء إدخال شُحنة النيترات، إضافةً إلى عدم الأخذ بأكثر من 1100 وثيقة ومستند نملكها تدين بعض الشخصيّات التي لم يتم الاستماع إلى شهاداتها أو عدم التدقيق فيها».

ويخلص حطيط إلى أنّ «الضغوط المحليّة والدولية التي تقودها السفارة الأميركيّة أفضت إلى مهزلة قضائيّة وقانونيّة». وهو أيضاً ما يوحي به المحامي خليل المولى، الذي تابع الملف في السنوات الماضية وتوكّل عن أحد المدّعى عليهم المُخلى سبيلهم، إذ تساءل عن مصير دعاوى الرد بحق البيطار ومنها قضيّة اغتصاب السّلطة، مشكّكاً في قانونيّة قرار عويدات «على اعتبار أنّ النيابة العامة واحدة ولا يُمكن تغيير قراراتها بتغيير الأشخاص، والادّعاءات السابقة من قبلها لا تنتهي إلا بالرّجوع عن هذا الاتّهام أو بعد أن يستجوب قاضي التحقيق البيطار ويمنع المُحاكمة عنه، وإلّا فإن جميع إجراءاته وقراراته ستكون عُرضة للطّعن».

كلام المولى، يؤكّده محامون يلفتون إلى أنّ «قرار عويدات لا يُمكن كسره إلا بالإجراءات المنصوص عليها في قانون المحاكمات الجزائية. وبالتالي، فإنّ قرار الحجّار يرتبط بالسياسة أكثر من ارتباطه القضائي بملف المرفأ، خصوصاً أنّه يتزامن مع المستجدّات السياسيّة».

وينتظر هؤلاء الإجراءات التي قد يتّخذها البيطار خلال الأيّام المقبلة، «خصوصاً أنّ سياسته التي بات يتّبعها أخيراً هي السيْر بالملف مع بث التطمينات بعدم الذّهاب نحو توقيف أي مدّعى عليه». وكلّ ذلك، يؤدي بهم إلى تعزيز نظريّة «خلط السياسة بالقضاء، علماً أنّنا كوكلاء عن الأهالي، لنا مصلحة بالسيْر في الملف بالاتجاه الصحيح ووفقاً للإجراءات القضائية الصحيحة، لأن أيّ تسييس لا يخدم العدالة والحقيقة بل يهدر حقوق الشُّهداء والمتضررين وعوائلهم».