من الصحف

عون: بناء لبنان بالخروج من زواريب الطائفية والحزبية... الملفات العالقة تنتظر حسمها.. ومخاوف من التوترات

الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": الملفات الداخلية المأزومة لا تُعدّ ولا تُحصى، وجميعها تتسمّ بصفة الإستعجال لحسمها، وأهل الحكومة قاطعون في تأكيدهم بأن لا استمهال لهذا الحسم، بل سرعة بلا تسرّع، فيما اللبنانيون الموعودون من قبل الحكومة بخطوات وإجراءات وإنجازات واصلاحات سريعة، يرصدون الأفق الحكومي لعلّهم يلتقطون إشارة حاسمة تؤكّد ما إذا كانت الحماسة التي أُبديت في إطلاق الوعود عند التكليف وبعد التأليف، تقابلها بالفعل حماسة مماثلة، لترجمتها بالمقاربة المسؤولة والحرفية لتلك الملفات، والتصدّي السريع لما يحتل صدارة الضرورة والأولوية فيها.

وعلى الضفة الأخرى، توترات تتدحرج بخط تصاعدي على جبهة الحدود الجنوبية في ظل الاعتداءات والخروقات الاسرائيلية المتواصلة. يوازيها ورم أمني يزداد انتفاخاً على الجبهة السورية، ينفث رياحاً مسمومة من خلال الأحداث الأخيرة وما رافقها من مجازر، تثير المخاوف الكبرى من أن تتمدّد مخاطرها في اتجاه لبنان.

التعيينات

أول الملفات المطروحة على البساط الحكومي، هو ملف التعيينات الأمنيّة والإداريّة، ولاسيّما في المراكز التي تتّسم بالأولوية. فبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّه لم يدخل حتى الآن مسار اليسر المطلوب، حيث الأمر المحسوم متعلق بقيادة الجيش، والمعلوم انّ المطروح لهذا المنصب هو العميد رودولف هيكل، فيما موضوع حاكم مصرف لبنان لم يُبت حتى الآن، بل يخضع لنقاشات ومداخلات متعدّدة المصادر، واقتراحات ممن لهم علاقة وممن ليست لهم علاقة (سياسيون، إعلاميون، إراديون، تغييريون، سياديون، ومستشارون، وأصدقاء مراجع وندماؤهم)؛ تُزكَي اسماء وتضع «فيتو» على أسماء اخرى. والمعلومات الأكيدة تفيد بوجود تباينات جوهرية حول هذا الأمر بين المراجع الرسمية، الّا أنّ اتصالات مكثفة تجري لحسم الاتفاق على الحاكم، حيث في هذه الحالة قد يُطرح هذا التعيين إلى جانب تعيين قائد الجيش في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل.

والأمر نفسه يتّصل بتعيين المدير العام للأمن العام، حيث يخضع هذا التعيين لتجاذبات ومداخلات تعطّل هذا الأمر حتى الآن.

وعلى ما يقول مقرّبون فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ينتظر أن يُبت بهذا الأمر بشكل هادئ وطبيعي. فهذا الموقع، كما يقول هؤلاء، شيعي، ومن الطبيعي ألّا يأتي التعيين بمعزل عن الشيعة أو رغماً عنهم، او متجاوزاً لهم، وبمعنى أوضح وأصحّ متجاوزاً للثنائي الوطني حركة «أمل» و»حزب الله»، فهذا الامر لا يُعدّ خطأ بل خطيئة».

وضمن هذا السياق، قال مصدر رفيع في الثنائي رداً على سؤال لـ»الجمهورية»: «لا نعتقد أنّ ثمة في الدولة من يحاول ان يتجاوز «الثنائي»، وهناك كلام كثير عن مداخلات محلية وخارجية حول موقع الأمن العام، بمعزل عن دقته أو عدمها، فإنّها لا تغيّر في واقع الأمر شيئاً، وإن وُجدت هذه المداخلات، ننصح بعدم الإنصياع لها، لأنّ هذه المداخلات أيّاً كان مصدرها ومهما كانت قوتها وسطوتها، لن تتمكن من تحقيق ما تريده في هذا الأمر».

ورداً على سؤال قال المصدر عينه: «النظرة الواقعية إلى كل الأمور، خصوصاً إلى التعيينات، هي المطلوبة، وليس أكثر من ذلك، والتعاطي باستنسابية مع هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يمكن ان نقبل به، بل إنّه لن يستقيم أو يسري على الإطلاق».

المساعدات مؤجّلة

على المقلب الموازي لهذا الملف، يراوح ملف المساعدات في مربّع الجمود، حيث لا تبرز أي محاولة رسمية لتحريكه في المدى المنظور، والنقاشات الجارية حول هذا الأمر لا تبشر بانفراج يسرّع في فتح بيوت المال الشقيقة والصديقة لإطلاق عمليّة إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، ووضع لبنان على سكّة التعافي المالي والإقتصادي.

وعلى ما يقول مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»: «لا يوجد تمويل داخلي لإعادة الاعمار، كما لا توجد في الوقت نفسه مصادر خارجية للتمويل، فالوعود كثيرة، لكن ترجمتها لا تبدو ميسرة، او بمعنى أدق مجمّدة، وخصوصاً انّ الأجواء الدولية ضبابية قاتمة، يشي ما يورده الموفدون والسفراء بوجود موافقة مبدئية على دعم لبنان، إلّا انّ كل ما هو متعلق بالمساعدات، سواء المرتبطة بالإعمار او المرتبطة بمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية مؤجّل ربما إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة».

ورداً على سؤال عن موجبات هذا التأجيل قال المسؤول الرفيع: «الأمر ليس مرتبطاً بالإصلاحات، ولاسيما انّ الحكومة عازمة على الشروع فيها في القريب العاجل، بل الأمر أبعد من ذلك، له أبعاد سياسية، تعبّر عنها بعض الاصوات التي تتعالى من الآن، وتتحدث عن تحضيرات لإحداث ما يسمّونه انقلاباً سياسياً في لبنان، تكون مفاعيله مغايرة تماماً لما هو سائد في هذه المرحلة».

عون: الأكفأ

إلى ذلك، أكّد رئيس الجمهورية جوزاف عون أمام زواره امس، أنّ «ما نسعى اليه في المرحلة المقبلة هو أن يكون الأكفاء في المراكز التي يستحقونها، بمعزل عن انتماءاتهم الطائفية والسياسية»، لافتاً إلى أنّ «لدينا فائضاً من الكفايات في لبنان، وعلينا أن نحسن توظيفها».

ولفت عون إلى أنّ «لبنان ليس مفلساً بل أساء حكامه استخدام مقدّراته»، وقال: «من أولى واجباتنا أن نقوم بالإصلاح المطلوب بما يساهم في تغيير بعض الذهنيات. وسنعيد بناء لبنان الجديد وهو أمر ليس بمستحيل، وعلينا من أجل ذلك الخروج من الزواريب الطائفية والمذهبية والحزبية لمصلحة الوطن»، مشدّداً على «انّ الامر يتطلّب محاربة الفساد ووجود قضاء نزيه غير مسيّس، وقضاة يحكمون بالعدل وفقاً لما تفرضه عليهم ضمائرهم وبناءً للإثباتات التي بحوزتهم».

سلام: فرصة حقيقية

بدوره، قال رئيس الحكومة نواف سلام في إفطار أقامته رابطة آل سلام امس: «هناك اليوم فرصة جديدة أمام البلد فإما ننجح، وأما سيكون وضعنا أصعب مما هو عليه الآن. انا واثق من انّ هذه الفرصة تحمل الكثير رغم صعوبة الوضع نتيجة الأزمة المالية، وتداعيات العدوان الإسرائيلي وكلفة إعادة الاعمار التي لم تكن في الحسبان، فأول رقم تقديري لإعادة الإعمار كان 8 مليارات دولار في البداية، ثم أصبح 11 ملياراً، وفي اول لقاء مع البنك الدولي قالوا لنا بأنّ التقدير الأولي هو 14 مليار دولار، وفي المرّة المقبلة يمكن أن يزيد الرقم، وهذا يشكّل عبئاً إضافياً على البلد لم يكن في الحسبان».

أضاف: «سنتصدّى لهذا الواقع لأنّ هناك مرحلة جديدة أمام البلد. ولقد تفاءلت الناس بتشكيل هذه الحكومة وبالبيان الوزاري الذي صدر، ولكن الأهم هو ما ستقوم به هذه الحكومة والمحافظة على ثقة النواب وثقة اللبنانيين، وهذا يستوجب عملاً يومياً منا، ونحن باشرنا ورشة إصلاح كبيرة على مختلف الأصعدة لإنّ الإنقاذ يتطلّب مجموعة من الإصلاحات الأساسية، كما اننا أقرب إلى مرحلة إعادة بناء الدولة على صعيد المؤسسات والادارات، والقيام بورشة إصلاحات مالية اقتصادية كبيرة، لنتمكن من جلب الاستثمارات، فزمن الهبات الذي كان يرد إلى لبنان ولّى، ويمكن الآن جلب الاستثمارات التي يلزمها قضاءً نظيفاً ومستقلاً، وهذه ورشة كبيرة».

تحولات

وعلى صعيد آخر، تخوّف المسؤول عينه من أن يتأثر لبنان بما سمّاها التباينات الدولية، مشيراً في هذا السياق إلى ما هو سائد حالياً بين الإدارة الأميركية وسياسة الرئيس دونالد ترامب، وبين اوروبا، حيث تبدو بينهما حرب باردة شرسة تبدأ من اوكرانيا ولا تنتهي بموضوع الرسوم.

وقال: «على ما هو واضح فإنّ امراً كبيراً فُقد إلى غير رجعة بين الولايات المتحدة ودول اوروبا هو الثقة. والسمة المشتركة في ما بينهم هي النفور. ومن هنا فإنّ لبنان الذي يقع كنقطة اهتمام مشتركة بين الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا تحديداً، يخشى من تحوّلات إضافية في العلاقة بينهما لا يستبعد مع السياسة التي يتبعها ترامب، أن تلجأ واشنطن إلى خطوات تجعل باريس فاقدة لقدرة التحرّك والتأثير والدور في الملف اللبناني».

هل يحصل الانسحاب؟

وفي موازاة هذه الملفات، يبقى الملف الجنوبي على درجة عالية من التوتر والسخونة في ظل الاعتداءات الاسرائيلية والممارسات المطيحة باتفاق وقف إطلاق النار، وآخرها الاعتداء المتواصل على العائدين إلى قراهم في البلدات الأمامية، وقنص جندي لبناني في بلدة كفر كلا، وخطف جندي آخر بعد إطلاق النار عليه في خراج بلدة كفر شوبا، في وقت ظل الطيران الحربي والمسيّر الإسرائيلي محتلاً الأجواء الجنوبية وصولاً إلى منطقة البقاع.

اللافت في هذا السياق، ما أفصحت عنه مصادر ديبلوماسية غربية عمّا سمّتها معلومات غير رسمية تفيد بأنّ استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس في جنوب لبنان، إضافة إلى عدم التزامها باتفاق وقف إطلاق النار جاءت نتائج ذلك عكسية، بحيث أنّه أحرج واشنطن وحلفاءها وأضعف المطالبة بنزع سلاح «حزب الله»، ذلك انّ احتلال النقاط إضافة إلى الاستهدافات جعلت «حزب الله» يتمسك أكثر بسلاحه، كما جعلت بيئته أكثر التصاقاً به.

وضمن هذا السياق، لم تستبعد المصادر الديبلوماسية أن يكون ملف جدوى احتلال النقاط الخمس، مدرجاً على بساط البحث القريب بين الأميركيين والاسرائيليين، من زاوية نزع الذرائع من أمام «حزب الله».

ضبط النفس

وفي السياق ذاته، أبرز مسؤول أممي كبير الحاجة إلى التطبيق الكامل للقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في تشرين الثاني بين لبنان وإسرائيل.

وأشار المسؤول الأممي في محادثة بينه ومسؤولين في لبنان، إلى أنّ اتفاق وقف إطلاق النار ليس مكتملاً حتى الآن جراء الخروقات المستمرة لهذا الاتفاق، واستمرار إسرائيل في احتلال النقاط الخمس، والتي تؤكّد الأمم المتحدة على الانسحاب منها واحترام سيادة لبنان. وإذ أقرّ المسؤول الأممي بأنّ التقارير الأمنية الدولية تؤكّد خلو منطقة جنوبي الليطاني من أي مظاهر مسلحة، قال: «رغم ذلك، فإنّ الوضع لا يبعث على الإطمئنان، فالخروقات التي تحصل غير مبررة، وبالتالي هناك حاجة كبيرة جداً لضبط النفس، وضمان وقف التصعيد ومنعه من كل الأطراف، وتوفير الأمن للسكان على جانبي الحدود».

سببان

وفي سياق متصل، لفتت مصادر سياسية إلى أنّ ثمة سببين جوهريين لالتفاف بيئة الحزب حوله، يضافان إلى ملف احتلال النقاط الخمس والاعتداءات المتواصلة. يتعلق الاول بعدم السماح بتمويل إعادة الإعمار، ويتعلق الثاني بمخاطر الجبهة السورية، حيث يشهد الوضع تدحرجاً خطيراً جداً في ظل ما تقوم به بعض المجموعات من مجازر طائفية وتطهير عرقي تعزز المخاوف من أن تتمدّد هذه المجموعات في اتجاه لبنان، بما لا يهدّد فئة بعينها الأمر، بل تهديد شامل من شأنه أن يجعل الامور خارجة عن السيطرة تماماً».

المطلوب ضمانات

وحول هذا الأمر، قال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: «التطورات الاخيرة في سوريا، وخصوصاً في منطقة الساحل، وإن كان الحكم في سوريا قد اعلن انتهاءها الّا انّها تبقى مبعث قلق حقيقي، في غياب الكابح الحقيقي لهذا الانفلات». ولفت إلى انّ منطقة الحدود الشمالية الشرقية في عين العاصفة، وهذا يوجب إجراءات داخلية ضرورية، والأجهزة الامنية والعسكرية تقوم بما عليها من واجبات ومسؤوليات في هذا الإطار، لكن المطلوب بالدرجة الاولى ضمانات عربية ودولية بعدم تمدّد تلك الجماعات في اتجاه لبنان.

اجتماعات مالية

من جهة ثانية، أعلنت وزارة المالية أنّ الوزارة شهدت امس الاثنين وستشهد اليوم الثلاثاء سلسلة اجتماعات تقنية متخصصة بين مدراء الوزارة والخبراء فيها، مع خبراء في صندوق النقد الدولي، تندرج في صلب الجهود المستمرة لتعزيز الشفافية المالية العامة، وصولاً إلى إصلاحات أكثر شمولية.